الطلاق عبر الـ«إس إم إس» والإنترنت.. هل يجوز شرعا؟

علماء دين مصريون أجازوه وآخرون اعتبروه بدعة

TT

أثار الطلاق عبر الرسائل القصيرة على الهواتف الجوالة المعروفة اختصارا باسم «إس إم إس» (SMS) أو بالبريد الالكتروني، موجة جديدة من الجدل حول مشروعيته بين علماء الدين في مصر. وذلك بعد لجوء أحد الأزواج يقيم خارج البلاد إلى هذه الطريقة لتطليق زوجته المهندسة المصرية التي تقيم في القاهرة. وقد أقامت الزوجة دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة لإثبات صحة هذا الطلاق، لاسيما أن هذه الرسائل وصلتها من رقم هاتف زوجها الشخصي، طالبة من المحكمة توثيق هذا الطلاق من خلال إثبات الرسائل برقمه الشخصي وبيانات هذا الرقم بالاستعلام عنه في إحدى شركات الاتصالات التي يتبعها الرقم. تباينت آراء العلماء الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم حول هذه القضية. ففي تعليقه حول مدى شرعية الطلاق عن طريق رسائل الهاتف الجوال أو بالبريد الالكتروني، يرى الدكتور سيد عبد العزيز السيلي عميد أكاديمية الشريعة في أميركا والأستاذ بجامعة الأزهر صحة وقوع الطلاق عن طريق الرسائل بالهاتف الجوال أو الاتصال هاتفيا في حالة إذا ما تأكدت الزوجة أن هذا الشخص الذي طلقها هو زوجها بنسبة مائة في المائة، وليس مكيدة. ولها أن تتصل به هاتفيا لكي يعترف لها بأنه هو الذي طلقها، وعند الاعتراف يقع هذا الطلاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم «ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والعتاق».

أما فيما يتعلق بالإشهاد على الطلاق، فيرى الدكتور السيلي أنه ليس شرطا ضروريا لإيقاع الطلاق، لأن بعض العلماء احتاطوا بوجود الشهود عند الطلاق، لكن جمهور الفقهاء قالوا إن الطلاق يقع سواء كتابة أو إشارة ما دام توافر فيه عنصر التأكد. مضيفا أن الزواج ميثاق غليظ بين اثنين قائم على نظام دقيق، ويجب ألا ننسى المسؤولية التي يتحملها الزوج أو الزوجة أمام الله تعالى. وبالتالي فإن قبول الطلاق عبر الرسائل القصيرة مرهون بعدة شروط هي: «أن يكون الزوج هو المرسل وليس أحدا غيره، وأن يكون لديه العزم والرغبة الأكيدة على تطليق زوجته، وألا تحمل الرسالة أكثر من معنى غير الطلاق أي الطلاق بلفظ صريح، وأن تستقبلها الزوجة».

ويتفق مع الرأي السابق الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، حيث يقول: إن الطلاق سواء عن طريق الرسائل أو عن طريق الهاتف الجوال أو حتى بالاتصال الهاتفي أو بالبريد الالكتروني، يقع ويكون صحيحا إذا ما قام به الزوج بنفسه، وذلك لأن الطلاق يختلف عن توثيق عقود الزواج. فالطلاق يصدر عن الفرد نفسه، فمن الممكن أن يتم عن طريق الإنترنت أو الهاتف الجوال، لكنه يحتاج إلى توثيق لتتحقق الزوجة من طلاقها، حتى إذا أرادت أن تتزوج من آخر يكون معها دليل طلاقها، فإذا أنكر الزوج عملية الطلاق التي تمَّت عبر رسائل الهاتف الجوال أو الإنترنت تكون الورقة الموثقة والمرسلة بطريق الإنترنت هي إثبات عملية الطلاق، موضحا أن الطلاق يقع بالعبارة أو الإشارة ما دامت الزوجة كانت متأكدة أن الذي طلقها هو زوجها. وأشار إلى أن شبكة الإنترنت والرسائل عبر الهاتف الجوال ليست إلا وسائل اتصال حديثة، مثلها مثل البريد والهاتف وغيرهما، مؤكدا أن اعتراف الزوج بإرساله الرسالة المتضمنة للطلاق، وتسلُّم الزوجة لها يؤكد وقوع الطلاق صحيحا. الا أن الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الانجليزية في جامعة الأزهر، يرى أن الطلاق عبر رسائل الجوال أو البريد الإلكتروني قد يدخله كثير من الغش والخداع والمكائد، ولذا فإن ترك هذه الوسيلة غير المضمونة أولى. ويرفض الدكتور أبو ليلة استخدام البريد الإلكتروني أو رسائل الهاتف الجوال لإبلاغ الزوجة بالطلاق، حيث يمكن لأي شخص أن يوقع الفتنة بين الزوجين بإرساله رسالة تحمل الطلاق لزوجة من دون علم زوجها. فضلا عن ذلك يرى الدكتور أبو ليلة ضرورة الإشهاد، مضيفا أن الطلاق لا بد أن يتم على مراحل كما ذكر القرآن الكريم «فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها».. فهل الزوج الذي يطلق زوجته عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة يكون قد أعطى الفرصة للحكام أن يتدخلوا للإصلاح بين الزوجين؟ أم أن الزوج قد استخف بهذه العلاقة التي سماها الله عز وجل «ميثاقا غليظا».

ومن جانبه، يرى الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الاستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الازهر في القاهرة، عدم وقوع الطلاق بالوسائل التكنولوجية الحديثة، سواء كانت الانترنت أو رسائل الهاتف الجوال؛ وذلك لأن الطلاق في الإسلام هو أبغض الحلال عند الله، فضلا عن أنه يتم على مراحل كما أمر به القرآن الكريم في قول الله تعالى «..واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن»، هذه المراحل الثلاث تتبعها المرحلتان الرابعة في قوله تعالى «فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها»، والخامسة في قوله تعالى «وإن عزموا الطلاق» وهى مرحلة الطلاق الفعلي. فالطلاق عن طريق وسائل التكنولوجيا الحديثة لا صلة له بهذه المراحل وهو غير مشروع، بل هو من بدع التكنولوجيا الحديثة وغير مأمون العواقب. وبالتالي يجب على المسلمين الامتناع عن العبث بحياة الأسر عن طريق هذه التكنولوجيا.