د. تسيرتيش رئيس العلماء في البوسنة والهرسك: المشهد الإسلامي في البلقان بين فصول الصراع والتعايش

TT

اوضح الدكتور مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البوسنة والهرسك لـ«الشرق الأوسط» في لقاء خاص ان «منطقة البلقان تمر بمرحلة انتقالية صعبة»، وان المسلمين في المنطقة باتوا يدركون ان عليهم عدم الانتظار اكثر لنيل حقوقهم التي حرموا منها عقودا طويلة»، مشيرا الى «ان المسلمين في البلقان في امس الحاجة للتعاون مع بعضهم البعض وشد ازر بعضهم بعضا، حيث تتعاون الجهات المعادية لهم في المنطقة بشكل مكشوف ضد مصالحهم بل وحياتهم ووجودهم في المنطقة». وحول جامع الفرهادية الذي كان مقررا ان يوضع حجر أساسه في السابع من شهر مايو (ايار) الماضي وتم تأخير الموعد بسبب اعتداء الصرب على المحتفلين بوضع حجر الاساس للجامع التاريخي من اعضاء المشيخة الاسلامية وضيوفهم من وزراء بوسنيين وسفراء دول اسلامية واجنبية حيث رشق الموكب بالحجارة واستشهد عدد من المسلمين وجرح عدد آخر واحرق العديد من السيارات والحافلات التي اقلت جموع المستبشرين باعادة بناء الجامع الذي فجره الصرب بالديناميت في مايو عام 1993. وقال الدكتور تسيريتش: كانت البوسنة والهرسك للغرب امتحانا صعبا اثناء الحرب رسب فيه بامتياز، وبعد وقف القتال دخل في امتحان لا يقل صعوبة وعليه اثبات مدى احترامه لمتغيرات العصر ومبادئه التي تؤسس لعلاقات اكثر تسامحا وتقلا للآخر الحضاري، وان لا تكون شعارات المجتمع المفتوحة والعولمة والعلاقات الدولية الجديدة وغيرها من الشعارات البراقة مجرد بضاعة للاستهلاك الدولي، سيما في العالم الاسلامي الذي تتقاطع مصالح الغرب الحيوية معه، ولذلك نحن نأمل في ان يعاملنا الغرب بنفس الطريقة التي يطلب منا ان نتعامل بها مع الاطراف الاخرى، وان يكون حازما في التعامل مع المخالفين لمبادئ حقوق الانسان وحق التعبير والمعتقد من الصرب في البوسنة والهرسك وغيرها كما هو الحال في مناطق اخرى من العالم وخاصة العالم الاسلامي».

وحول ذكرى مذبحة سريبرينتسا والنصب التذكاري الذي سيزاح عنه الستار يوم 11 يوليو (تموز) المقبل، قال الدكتور تسيريتش «يجب ان لا ننسى تاريخنا، وما حدث لنا من مذابح، فمذبحة سريبرينتسا التي تمت في الشهر السابع من عام 1995 كانت مذبحة فظيعة اشتركت فيها اكثر من جهة دولية لا سيما فرنسا وبريطانيا وهولندا الى جانب الصرب الذين كانوا يمثلون جهة التنفيذ، اما المخططون فهم من جاؤوا لحماية اهالي سريبرينتسا ومن قاموا بنزع اسلحة الاهالي بحجة ان المجتمع الدولي سينوب عنهم في حماية انفسهم. يوم 11 يوليو المقبل سيكون يوما مشهودا، لأنه احياء لذكرى أليمة تقول للمسلمين ألا لا نامت أعين الغافلين. وفي رده على سؤال بخصوص حملة التبرعات التي قامت بها المشيخة الاسلامية من خلال المساجد لصالح المهجرين البوشناق في الخيام داخل البوسنة والهرسك والذين اخرجوا من المساكن التي اجبروا على اللجوء اليها بعد ان طردهم الصرب من ديارهم التي تم نسفها على ايدي الصرب بعد ذلك، ويقدر عدد المهجرين الذين يسكنون في الخيام بخمسين الف نسمة، قال الدكتور تسيريتش ان عودة المسلمين للمناطق التي هجروا منها وصبرهم على الاقامة في الخيام دليل على ان المسلمين متمسكون بارضهم وحقوقهم، ورد عملي على من يدعون بان المسلمين لا يريدون العودة لمناطقهم التي يسيطر عليها الصرب او قل القطاع الصربي داخل البوسنة والهرسك، وبعضهم فقد بيته او ان مسكنه يحتله صربي. فقد وجدت السلطة الدولية الشجاعة لتخرجه من البيت لان مالكه صربي ولم تجد تلك السلطة الشجاعة لتخرج الصربي من بيت ذلك البوشناقي الذي يسكن الخيام، هؤلاء المظلومون جديرون بالمساعدة والتشجيع. والمشيخة الاسلامية في البوسنة والهرسك قامت بحملة تبرعات شملت المواد العينية 516 طنا من المواد الغذائية والنقدية، ورغم حاجة المواطنين قاموا بالتبرع بالشيء الكثير، وهذه التبرعات ادخلت السرور على المهجرين، ونحن نعمل على تفعيل الدور الاجتماعي للمشيخة الاسلامية في البوسنة والهرسك والبلقان عموما، ففي كوسوفو وكذلك في مقدونيا هناك مؤسسة المرحمة التي تقوم بالنشاط الاغاثي كما هو الحال في البوسنة والهرسك اثناء الحرب وبعد توقف القتال وهناك تعاون، وقليل دائم خير من كثير منقطع. واضاف الدكتور تسيريتس ضرورة تفعيل دور المؤسسات الدينية في نشر ثقافة التسامح والتعايش بين الاديان والاعراق بالاضافة لعودة المهجرين ومقاضاة مجرمي الحرب، حيث انه لا يمكن ان يكون هناك سلام واستقرار بدون اعتقال مجرمي الحرب وتقديمهم للمحاكمة وتسليط اشد العقوبات ضدهم، وبدون التعاليم الروحية التي تعترف بالآخر وبدون عودة المهجرين وبدون محاكمة مجرمي الحرب لن تكون هناك بوسنة ولا اية دولة ثانية في المنطقة وقد وجهنا رسالة لشعوب مقدونيا بان تتعظ بما حصل في البوسنة والهرسك ومن المحزن ان تكون المساجد في البوسنة وفي مقدونيا هي التي تتعرض للهدم والتدمير في حين تعمم صفة مراكز العبادة في البيانات الختامية للاجتماعات. وكانت هناك اماكن عبادة غير المساجد هدمت هي الاخرى وهذا نوع من التعمية والتضليل ففي مقدونيا تم هدم 18 مسجدا ولم تهدم كنيسة واحدة واذا ما استمر الوضع في مقدونيا متأزما فسيحدث في مقدونيا من الفظائع اشد مما حصل في البوسنة والهرسك حيث كنا في البوسنة اغلبية والالبان ليسوا كذلك، وكنا نتمتع بغطاء شرعي وهو غير متوفر للالبان سوى شرعية النضال، واجمالا فان المسلمين في البلقان لا يزالون يعملون على تحقيق مطالبهم وهم مستعدون لتقديم جميع التضحيات في سبيل فجر جديد يحققون فيه ذاتهم من جديد وهم يخوضون صراعا من اجل البقاء ونحن نتمنى ان لا يستمر الصراع وان يتحول الى تعاون من اجل التعايش المشترك على اساس الحقوق المدنية المتساوية وعلى اساس لكم دينكم ولي ديني في حالة لم نصل الى كلمة سواء «الا نعبد الا الله ولا يتحذ بعضنا بعضا ارباب من دون الله». =