حكم قضائي حول ذكر الانتماء الديني في بطاقة الهوية يثير جدلا في مصر

يسمح للبهائيين بوضع «خط صغير» أمام خانة الديانة > أزهريون قللوا من تأثيره وآخرون حذروا من تبعاته

TT

أثار حكمان قضائيان في مصر أخيراً، بالسماح بوضع «خط صغير» أمام خانة الديانة للبهائيين، جدلا دينيا وقانونيا. فهذه هي المرة الأولى منذ ستينيات القرن الماضي التي يُسمح فيها بالاعتراف الضمني لمن ليسوا من الديانات السماوية الثلاث المعترف بها في البلاد، برغم أن تقديرات غير رسمية تقول إن عدد البهائيين في مصر يبلغ نحو ألفي شخص فقط.. وقلل أزهريون من تأثير الحكمين وحذر آخرون من مغبة تسببهما في طلب مسلمين أو مسيحيين عدم ذكر اسم ديانتهم في أوراقهم الثبوتية، فيما قالت جماعة الإخوان إنها مع ذكر الديانة، حتى لو كانت من غير الديانات السماوية الثلاث، على اعتبار أن ذكر الديانة المغايرة لا يعني الاعتراف بها، بل يبين للآخرين معتقد الشخص الذي يتعاملون معه. وأصدرت محكمة القضاء الإداري المصرية حكمين الأسبوع الماضي، لكن قابلين للطعن فيهما أمام المحكمة الإدارية العليا، بأحقية البهائيين في استخراج بطاقات الهوية والأوراق الرسمية الأخرى كشهادات الميلاد ووثائق السفر، من دون إجبارهم على تسجيل اسم ديانة تخالف ما يعتقدونه، ووضع «شرطة (ـ) خط صغير»، أو كلمة «أخرى» أمام خانة الديانة بالأوراق الثبوتية، والتي كانت تقتصر في مصر على واحدة من الديانات السماوية الثلاث، رغم أن دستور البلاد ينص في المادة 46 على أن الدولة تكفل «حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية». وبينما وصفت المواطنة المصرية البهائية، بسمة موسي، الحكم بأنه «يمثل خطوة مهمة في ترسيخ حرية العقيدة»، معربة عن أملها في ألا تقوم الحكومة بالطعن فيه، قال عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، الدكتور مصطفى الشكعة، إن وضع «شرطة» في خانة الديانة أو ترك الخانة فارغة، ليس فيه أي اعتراف بالبهائيين من الدولة.. «هذا ليس لصالح البهائيين بقدر ما هو نوع من محاولة لإنهاء المشكلة»، وهو ما أشار إليه أيضاً وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، الشيخ محمود عاشور، قائلا إن الحكم لا يتعارض مع فتوى سابقة لمجمع البحوث الإسلامية ترفض الاعتراف بأي ديانة غير الديانات الثلاث، لافتا إلى اعتقاده بأنه (الحكم) «قرار إداري لتسيير الحياة اليومية للبهائيين».

لكن عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، الشيخ يوسف البدري، قال إن الحكم «يمثل انتصاراً للبهائيين.. ربما يشجع آخرين من الذين لا يريدون أن يكونوا مسلمين ولا مسيحيين ولا يهودا». وهو ما ذهب إليه أيضا أستاذ العقيدة والفلسفة ومقارنة الديانات بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، الذي طالب المؤسسة الدينية في مصر بأن «تقوم بما وصفه تعبئة عامة لتبصير المجتمع بوجود مثل هذه المعتقدات» التي قال إنها «تلعب دورا خفيا في ضرب الثوابت الدينية في المجتمع».

من جانبها تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع الحكمين الصادرين لصالح البهائيين، بطريقة عملية، بل تحمل لغة التأييد لذكر الديانة البهائية في الوثائق الثبوتية، إذ قال الدكتور حمدي حسن عضو كتلة نواب الإخوان في البرلمان المصري إن تسجيل كلمة «بهائي» أمام خانة الديانة، لا يعني بالضرورة الاعتراف بالديانة البهائية، قائلا إن «الاكتفاء بوضع «شرطة.. أو خط قصير» أمام خانة الديانة للشخص، سيثير التساؤل عن ماهية ديانة هذا الشخص»، وأضاف: «أنا شخصياً أتساءل لماذا يرفضون (تسجيل) ما يعتنقه الشخص أمام خانة الديانة في البطاقة.. لو جاء أحد ما يريد أن يتزوج ابنتي، فكيف أعرف ما يعتنقه (من دين) إن لم يكن ذلك مسجلا في بطاقة الهوية». وكان مجمع البحوث الإسلامية (وهو أعلى سلطة شرعية في الأزهر) أصدر خلال عام 2003 فتوى بأن «الإسلام لا يقر أي ديانة أخرى غير ما أمرنا القرآن باحترامه، فلا ينبغي، بل يمتنع أن تكون في مصر ديانة غير الإسلام والمسيحية واليهودية، لأن كل ديانة أخرى غير مشروعة ومخالفة للنظام العام». وطالبت الفتوى السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية إعمال شؤونها في هذا الأمر.

وتأسست «البهائية» في إيران قبل 150 عاما على يد رجل يدعى «بهاء الدين»، وتدعي أن عدد أعضائها يقترب من الخمسة ملايين شخص في 191 دولة، لكن مشكلة البهائية في مصر تعود إلى عام 1960 عندما حظرت السلطات، البهائية، بعد فتوى للأزهر بعدم الاعتراف بها حينذاك، وكذلك عقب دعوى جنائية اتهم فيها بعض الأفراد بنشر الدعوى البهائية في مصر، كما يتهم مسلمون أصوليون الطائفة البهائية بالكفر لادعائها أن الشخص الذي أسسها في القرن التاسع عشر «بهاء الدين» نبي.

وفي السنوات الأخيرة أدى أسلوب معاملة السلطات للطائفة البهائية في مصر إلى توتر العلاقات بين الحكومة المصرية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، كما قال المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، وهو مجلس شبه رسمي تموله الدولة، في تقرير له أصدره عام 2006 «إن البهائيين يواجهون متاعب في المدارس والجامعات وفي حالات استخراج شهادات الميلاد والوفيات، نظرا لمشاكلهم المتعلقة بالوثائق الرسمية».

يشار إلى أن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 29 من الشهر الماضي تناول دعويين قضائيتين، الأولى تتعلق بالتوأمين عماد ونانسي رؤوف هندي، البالغين من العمر 15 عاماً، واللذين ترفض مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية المصرية منحهما شهادتي ميلاد جديدتين تحملان «الرقم القومي» وهو نظام جديد يعمل بالحاسب الآلي، ما لم يتحولا إلى الإسلام أو المسيحية، رغم أنهما يحملان شهادتي ميلاد صادرتين عام 1993 تثبتان اعتناقهما للبهائية. أما القضية الثانية فتتعلق بالطالب حسين حسني عبد المسيح، المولود في عام 1989، والذي تم وقف قيده بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بجامعة قناة السويس، بسبب عجزه عن استخراج بطاقة تحقيق شخصية تثبت اعتناقه للبهائية.

وقالت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، وهي جمعية حقوقية مصرية، إنه لم يكن من الممكن للأطفال البهائيين الالتحاق بأي من المدارس العامة بدون تقديم شهادة الميلاد الإلزامية الجديدة الصادرة بالحاسب الآلي، مشيرة إلى أن طلاباً جامعيين من البهائيين يتعرضون لمشكلات مشابهة تؤدي إلى منعهم من استكمال دراستهم أو فصلهم من الجامعات والمعاهد، بسبب عدم تمكنهم من الحصول على بطاقات تحقيق الشخصية أو شهادات تأجيل الخدمة العسكرية.

وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: «لقد جاء هذا الحكم ليصحح سياسة قائمة على التمييز على أساس المعتقد الديني.. إننا نحث الجهات المعنية الآن على تنفيذ هذا الحكم من دون إبطاء وعدم الطعن في هذا القرار الواضح للمحكمة».

ورفض مصدر حكومي التعليق على ما إذا كانت الحكومة ستستأنف ضد الحكم أم لا.