فحوصات ما قبل الزواج تثير جدلا بين علماء دين وقانونيين في مصر

مشروع قانون بالبرلمان يلزم الزوجين بها

مشروع القانون يلزم المقبلين على الزواج القيام في فحوصات طبية لبيان ما اذا كانوا مصابين بأمرض وراثية تنتقل إلى الأبناء («الشرق الأوسط»)
TT

هل يجوز للدولة أن تلزم كلَّ مَنْ يتقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي وتجعله شرطاً لإتمام الزواج، أم هو عمل اختياري، وهل عندما يثبت وجود بعض الأمراض الوراثية التي قد تنتقل الى الأبناء يتم الزواج أم يجب الانفصال؟ وماذا يكون الموقف فى حالة ما إذا تم الزواج وثبت أن حالة المواليد التي جاءت نتيجة لهذه الزيجات مصابة ببعض الأمراض الوراثية التي تتطلب رعاية خاصة من الدولة؟ هذه التساؤلات أثارتها إحدى أعضاء البرلمان المصري في مشروع قانون تقدمت به أخيراً، وتمت إحالته إلى لجنة المقترحات والشكاوى قبل عرضه على البرلمان فى دورته الحالية لمناقشته. وتضمن مشروع القانون عدة بنود؛ أهمها إلزام المقبلين على الزواج القيام بإجراء فحص طبي شامل لمعرفة ما إذا كانوا مصابين ببعض الأمراض الوراثية التي قد تنتقل إلى المواليد؛ وغالبا ما تسبب لهم إعاقة، فضلا عن تقديم شهادة صحية تثبت خلوَّ كلِّ مَنْ يرغب فى الزواج سواء كان ذكراً أو أنثى من الأمراض الوراثية عند إجراء عقد الزواج، وإلزام المأذونين بعدم إجراء أية عقود زواج إلا بعد وجود هذه الشهادة، وكأنها بند أساسي في عقد الزواج. ولأن الأمر يتعلق بالكيان الاسري والمشاعر الانسانية، فإن «الشرق الأوسط» طرحت هذه القضية على عدد من العلماء ورجال القانون، وقد اتفقوا في بعض الجوانب واختلفوا في البعض الآخر.

فمن جانبه، يقول الدكتور عبد الصبور شاهين، الداعية الإسلامي المعروف والأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: إن هذا الأمر ليس معمولاً به فى الإسلام ولكن لا بأس به ما دام الهدف منه هو رعاية مصلحة الزوجين والأسرة وتحقيق الاستقرار الأسرى وتجنيب الزوجين علاقة لا مستقبل لها، لأن أحدهما قد يكون مصاباً بمرض ما، وفي هذه الحالة يكون الزواج أشبه بمغامرة خطيرة، كما يستوجب اذا ما تبين لهم ذلك ان يبتعد كلاهما عن الآخر، وذلك لأن القاعدة الشرعية تقول «لا ضرر ولا ضرار»، وأخرى تقول «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة».

يتفق مع الرأي السابق الدكتور محمد الدسوقي، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، ويرى أنه يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه خالٍ من الأمراض الوراثية ولائق طبياً، مؤكدا أهمية إجراء مثل هذه الفحوصات الطبية قبل الزواج لبيان كثير مما كان يخفيه الشاب او الفتاة في نفسه. ويضيف الدسوقي: أن هذا يعد مقصداً اسلامياً من مقاصد الشريعة الإسلامية، فالإسلام يهدف إلى إنشاء أسرة يسودها الحب والسكن والمودة والرحمة. والإقدام على إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج يجنب الأسرة كثيرا من المشكلات والأمراض التي تصيب النشء بالعلل، مما يؤدي إلى تدهور قوة المجتمع، وهو ما يتعارض مع مبادئ الإسلام التي تدعو أن يكون المجتمع قويا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

ويؤيد الدكتور أسامة عبد السميع، استاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر، إصدار تشريع يلزم المقبلين على الزواج بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، لافتا إلى أن مثل هذا القانون في حالة صدوره يحقق مصلحة للأزواج قبل الدولة لأن الزواج الذي ينتج عنه أطفال مصابون ببعض الأمراض نتيجة لهذا الزواج يقع عبؤه الأكبر على الأبوين وليس على الدولة. وبالتالي، فإنه لا يجوز للدولة أن تتخلى عن رعاية هؤلاء الأبناء الذين أصيبوا بأمراض كان يمكن تجنبها لو انفصل الزوجان قبل ليلة الزفاف. ومن ثم، فالدولة لها دور يجب ألا تتخلى عنه في رعاية أبنائها.

ويختلف الدكتور عبد الفتاح إدريس، رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، مع هذه الآراء السابقة، ويرى أنه لا يجوز إجبار أي شخص على إجراء فحوصات طبية قبل الزواج للكشف عن بعض الامراض الوراثية، مؤكدا أنه لا جدوى من الفحص الطبي قبل الزواج وأنه يجوز للذين تظهر لديهم بعض الأمراض نتيجة لهذه الفحوصات الطبية ان يتزوجوا. اما المستشار رشاد عبده الطماوي المحامي، فيؤكد أن موضوع الفحص الطبي قبل الزواج للكشف عن بعض الأمراض خاصة الوراثية التي قد تصيب الأجيال القادمة مهم وضروري، مشيرا إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون رقم (1) لسنة 2000 (قانون الاحوال الشخصية) جاءت فيما يتعلق بلائحة المأذونين ـ متضمنة ضرورة قيام المأذونين بتسلم شهادة طبية من المقبلين على الزواج تفيد خلوهما من أية أمراض معدية أو تكون عائقاً أمام إتمام العلاقة الزوجية بشكل سليم، إلا أن الملاحظ من خلال التطبيق العملي للائحة أن المأذونين لم يلتزموا بهذا البند ويقومون بتسديد هذه الخانة بصورة ودية، والسبب يرجع إلى أن عددا كبيرا من افراد المجتمع ما زالوا يرفضون إجراء الفحص الطبي قبل الزواج بل يعتبرونه من المحظورات فضلا عن أن التقاليد لدى بعض الأسر تراه عيبا.