حرب الفوبيا بين الإسلام والغرب.. هل من منتصر؟

الناطق الرسمي باسم ائتلاف «الإسلاموفوبيا» لـ «الشرق الأوسط»: 62 شكوى شهدها 2007 والتمييز يرتفع 20%

مسلمون فرنسيون أثناء مظاهرة في فبراير الماضي ضد الرسوم الكارتونية المسيئة للنبي يرفعون لافتات ضد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» (رويترز)
TT

اعتبرت أحداث الحادي عشر من سبتمر (ايلول) 2001 علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين العالمين الاسلامي والغربي، وبرزت مصطلحات تم اعتمادها في القاموس السياسي الدولي استندت في مجملها على قضية التهيب او الخوف من الطرف الاخر فظهر مصطلح «الإسلاموفوبيا»، أو الخوف من المد الاسلامي، ويقابله في الجهة الأخرى مصطلح «الغربوفوبيا».

وعلى الرغم من وجود تيارات معتدلة على الطرفين، برز متطرفون من كلا الجانبين وصفوا بالتيارات اليمينية المسيسة، اهتمت بالابقاء على جذوة النيران مشتعلة، وذلك عبر إطلاق شعارات «الاسلاموفوبيا» و«الغربوفوبيا» والاتهامات هي ذاتها إما خوفا من «أسلمة» أو «تغريب» المجتمعات.

الشارع العام في العالم الإسلامي لم يكد يهدأ من جراء تبعات قضية الرسوم الدنماركية الكاريكاتورية المسيئة، إلا وتلتها آراء بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر التي اعتبرت مسيئة للإسلام والمسلمين، ثم خرج سياسي يميني في البرلمان الهولندي بالإعلان عن فيلم «الفتنة» الذي بثه عبر شبكة الانترنت مؤخرا طال فيه القرآن الكريم والإسلام.

على الطرف النقيض، خرج زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ممثلا لتيار «الغربوفوبيا» مهددا الشعوب الأوروبية بدفع ثمن جل التجاوزات والاستفزاز الواقع على مسلمي المهجر على وجه الخصوص.

62 شكوى قضائية رفعت ممن اسموا انفسهم بضحايا «الاسلاموفوبيا» في العام الماضي 2007، ويبين سامي دباح، وهو الناطق الرسمي باسم ائتلاف «الاسلاموفوبيا» في فرنسا لـ«الشرق الوسط» أن الخوف الهوسي من الإسلام نابع مما تشيعه بعض المجموعات المتطرفة في أوروبا، والتي تقوم على استغلال التصرفات غير المسؤولة من بعض المسلمين، وتعمل على تضخيمها وتشويه صورة الإسلام والمسلمين لدى العامة، مستعينة في ذلك كما ذكر بـ«وسائل الإعلام».

وبشأن التمييز والتضييق على مسلمي المهجر، وبالأخص في فرنسا، يشير سامي دباح الى ارتفاع نسبة المتضررين في العام 2007 بنسبة 20 بالمائة، مقارنة بالأعوام السابقة، وقال أن المؤسسات الحكومية تأتي في المرتبة الاولى في سلسلة التضييق على المسلمين خاصة تجاه النساء المحجبات وبنسبة تصل الى 80 بالمائة، وذلك بمنعهن من الحصول على حقوق مدنية يضمنها لهن القانون، كالدخول إلى بعض البنوك ومرافقة أبنائهن في الرحلات المدرسية وفي بعض الأحيان منعهن من الدخول إلى المدرسة عند إحضار أبنائهن للدراسة، وذلك كله ـ بحسب دباح ـ جراء ضغوط من قبل ساسة يمينيين. من جانبه يعتبر محمد المسيري مدير معهد الفكر الإسلامي في باريس ان الفعل ورده يبقي لهب حرب «الفوبيا» مشتعلا بين الجانبين حربا مشتركة ما بين المتطرفين سواء المنتسبين للثقافة الإسلامية أو الغربية الامر الذي استدعى ـ من وجهة نظر المسيري ـ إلى ضرورة إدارة الحوار المشترك من قبل الحكماء ودعاة الوسطية وأخذ دورهم لتقليص المخاطر الناجمة عن موجة التطرف المشترك ولعب دور في إطفاء الحرائق التي يسعى إلى إشعالها المتطرفون، مستنكرا دور المثقفين الذي اعتبره مجرد رد فعل آني لخطاب «الفوبيين».

وتبقى ابرز إشكاليات المجتمعات الإسلامية ـ بحسب مدير معهد الفكر الإسلامي ـ في تأويل آيات القرآن الكريم على الوجه السليم وفهم مقاصد الشريعة الإسلامية، مستشهدا بتهميش المرأة واعتبار الخيار العسكري هو الأوحد والأخير للمواجهة إلى جانب تجاهل الفكر التعددي، مما سبب تعميق فكرة الخوف الهوسي من الإسلام من قبل «الآخر».

وبشأن الخوف الهوسي من الإسلام «الاسلاموفوبيا» الذي تجسد في مخاوف إعادة إحياء الحركات الإسلامية في أوروبا وأسلمة الغرب يرى محمد المسيري أن «أسلمة أوروبا» لا يتعدى كونه مجرد شعار أطلق من قبل المتطرفين الغربيين جراء تزايد إعداد المسلمين في المجتمعات الغربية، مشيرا إلى أن الاسلمة أو غير الاسلمة في حقيقة الأمر بحاجة إلى قوة في التمثيل السياسي والمشاركة في البرلمانات الأوروبية بالإضافة إلى ثقل اقتصادي، وهو ما يفتقده المسلمين في الوقت الحالي، وكما أكد فإن «الأقلية أو الأغلبية ليس هو المهم وإنما القدرة على التأثير».

ويقول المسيري «رغم ما يمثله خطاب أسامة بن لادن الأخير الذي خص به الدول الأوروبية من تهديد حقيقي لفرنسا والغرب بأجمعه، إلا انه اعتبر تفشي ثقافة اسامة بن لادن الذي قصد به ـ الفكر التكفيري ـ الأمر الأخطر، بعد أن شاع الغضب نتيجة الاستفزازات لمشاعر المسلمين المتزايدة يوما بعد آخر»، مطالبا الحكومات الأوروبية بمواجهة هذا الخطر بإعطاء مسلمي المهجر حقوقهم والاعتراف بهم، الأمر الذي أعده أكثر فاعلية من التحرك الأمني.

ويتساءل المسيري عن إمكانية عودة لقاء الإسلام والغرب كما كان عليه الأمر على ارض الأندلس في عهد الخلافة الأموية لاسيما في عهد الناصر والمستنصر، حيث استعملت الحكومة الأندلسية بعضا من نصارى الأندلس سفراء لدى ملوك أوروبا وأباطرة بيزنطة والممالك النصرانية في شمال الأندلس، ممثلا ذلك نموذجا ايجابيا لالتقاء الإسلام بالغرب، مع تجاهل المخاوف من «الجار المباشر لأوروبا» حيث عرف الأوروبيون العرب منذ أن أسسوا حضارة لم تعرفها أوروبا من قبل في الأندلس حتى سقوط غرناطة ثم توغل العرب بعد ذلك في فرنسا حتى أصبحوا على مشارف باريس.

وفيما يتعلق بتأزم مفهوم «الغربوفوبيا» داخل المجتمعات الشرقية الإسلامية القى محمد المسيري باللائمة لانتشار خطاب هذا المصطلح على جماعات العمل السياسية والإسلامية التي أقصت المثقفين الداعين إلى الفكر التعددي وإحياء الحضارة الإسلامية الذين طالما خشوا من القوة الضاغطة التي يمكن للمثقفين من ممارستها في مجتمعاتهم حتى أصبحوا في موضع متأزم مع مجتمعاتهم. في المقابل دعى مدير معهد الفكر الإسلامي في باريس الأطراف الإسلامية «الفوبية» إلى إيقاف الحديث عن مخاوف الاندماج بذريعة الانصهار والتي أعدها دعوة مضللة مؤكدا على ان الاندماج انما يعني «احترام القانون والمبادئ العلمانية» التي شدد المسيري على ايجابيتها من جانبين الأول، حرية التدين بالنسبة للأفراد، وثانيا حيادية الدولة تجاه الشعائر الدينية، مناديا الحكومات في المقابل وفي سبيل إنجاح الاندماج إلى احترام الخصوصية الدينية والثقافية والوطنية للمسلمين.

وعودة إلى المشرق الإسلامي ودعاوى «الغربوفوبيا» التي لطالما خيمت بظلالها على أذهان العامة والخاصة مخاطبة الآخر بـ«الكافر» ومطالبة بعدم إفساح الطرقات والبدء بإلقاء السلام، مع اتهامها إياه دوما «بالمتآمر».

يقول الداعية الدكتور عائض القرني «كان من المفروض من قديم الزمان أن تكون لدينا خطط ودراسة منهجية وعمل مؤسساتي للرد المنطقي على الآخر الغربي لمثل هذه القضايا بل إيصال الصوت المعتدل الصحيح إلى أولئك».

ويعترف القرني بأن التقصير كان من المسلمين أنفسهم «بقينا لفترة من الزمان نخاطب أنفسنا خطابا داخليا ولم نأخذ بطبيعة وعالمية الدين، ليتسبب القصور في الخطاب بإحداث تشويش لصورة الإسلام»، مطالبا الحكام باعتماد موقف سياسي للتواصل والحوار مع الآخر، بما في ذلك العلماء بتبني خطاب راق وعالمي.

من جهته أكد الداعية الشاب السعودي أحمد الشقيري على دور المسلمين أنفسهم في تشويه صورة الإسلام، متهما إياهم بتسببهم في ظهور مصطلح «الاسلاموفوبيا»، مؤكدا أن القضية فكرية ولن تعالج إلا «بإصلاح فكر المسلمين في الغرب ليمثلوا نموذجا مثاليا للمسلمين يقتدى به»، ويضيف الشقيري مؤكدا «الهدف ليس تحويلهم إلى مسلمين قدر أنه التبليغ عن ديننا». ويعتقد الشقيري انتقال الغربوفوبيا عبر الأجيال مؤشرا خطيرا، ويقول «إننا نكرر غلطة اليهود ذاتها حينما قالوا نحن شعب الله المختار لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، ونتعالى فيها على الله بأخذنا لمقعد إلهي ونقرر مصير القوم بأن النار لهم والجنة لنا». ويرى الشقيري أن عدم فهم الرسول من قبل المسلمين كان سببا لكل المشاكل الحاصلة ويقول متأسفا «ما زلنا نتبع فقه الإسلام وقت العزة، كفتاوى وتفسيرات التعامل مع غير المسلمين للإمام بن مالك وبن حنيفة وبن حنبل التي كانت مناسبة ونافعة في عصرهم قبل ألف عام حينما كان المسلمون في عزتهم ومجدهم مسيطرون على العالم كان عصر الفتوحات الإسلامية».

ويضيف معتقدا بأن هؤلاء العلماء الذين نتبعهم اليوم لو عاشوا في عصرنا لغيروا فتاواهم في التعامل مع غير المسلمين في ظل أن الخطاب الإسلامي صار يترجم بسرعة في جميع مواقع الانترنت على عكس ما كان عليه الحال قبل مئات السنين. ومن ناحيته أكد البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي لـ«الشرق الاوسط» أن موضوع «الاسلاموفوبيا» لا تغفل عنه المنظمة، وقال «نحن نقوم بعدة اتصالات على مستويات أوروبية ثنائية للدول من السياسيين والنواب وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي ولجانه، واتصالات مباشرة مع الجامعات في أوروبا وأميركا، بالإضافة إلى العمل الرسمي فالمنظمة تعلم الدول الأعضاء والرأي العام بالتطورات الحاصلة فيما يتعلق بـ«الاسلاموفوبيا» ونبذل مساعي سياسية ودبلوماسية للأطراف المعنية وخاصة الأوروبية لتصحح من خطواتها».

وقال الدكتور القرني إن «الغربوفوبيا» اندمجت مع هويتنا وثقافتنا، ويقول «نحن العرب فينا الكثير من القسوة والجفاف، فهذا الجار قاس مع جاره فكيف مع غير المسلمين، والتخويف من الغرب موجود بالفعل في بعض الدول الإسلامية والنظر بعين رتيبة وعدم التواصل».

ويدعو القرني بضرورة التعرف بعمق على الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وان نتعلم منه كيفية تعامله مع الغير.

وعزا الداعية المعروف راشد الزهراني مسببات «الغربوفوبيا» إلى الأحداث والأزمات السياسية التي عصفت بالأمة كما حدث في فلسطين وأفغانستان والعراق وكانت سببا في توليد الكثير من التخوف، فصار المسلم ينظر للآخر «الغرب» نظرة توجس وخيفة ويعتقد أن الغربي غير المسلم هو سبب المشاكل، ويضيف «ما زال الكثير يخاف بان يؤثر غير المسلم على المسلم فيغير هويته ودينه، فالصاحب ساحب».