عميد الأكاديمية الإسلامية في النمسا: المسلمون في أوروبا يتطلعون إلى تشريع موحد لتنظيم أوضاعهم

د. حسن موسى لـ«الشرق الأوسط»: خطة لإنشاء جامعة إسلامية أوروبية وفرع لجامعة الأزهر في فيينا

TT

النمسا من الدول الاوروبية التي تربطها علاقات قديمة بالاسلام منذ عام 1912، فيما عرف بقانون الاسلام. وفي عام 1998 تم انشاء الاكاديمية الاسلامية في فيينا لتخريج مدرسين مؤهلين لتدريس مادة الدين الاسلامي في مدارس النمسا، وتخضع الاكاديمية لاشراف الازهر وهناك اتفاقية للتعاون العلمي في ما بينهما.

في الحوار التالي مع الدكتور حسن اسماعيل موسى عميد الاكاديمية نتعرف على الاكاديمية وجهودها والوجود الاسلامي في النمسا والتحديات التي تواجهه.

* متى انشئت الاكاديمية الاسلامية في النمسا وما اهم اهدافها؟

ـ الاكاديمية انشئت في عام 1998 بموجب قرار وزارة التعليم والشؤون الثقافية بالنمسا حيث يتيح قانون التعليم باتباع الاديان المعترف بها رسميا، الحق في انشاء المدارس والمؤسسات التعليمية العقائدية، وتتحمل الحكومة النمساوية رواتب اعضاء هيئة التدريس والعاملين في الاكاديمية. وبالنسبة لمناهج الاكاديمية فهي مقتبسة من مناهج كليات جامعة الازهر وبصفة خاصة كلية الدراسات الاسلامية والعربية، فتقوم بتدريس مواد مثل اللغة العربية والشريعة واصول الدين والدراسات الاسلامية والعربية، بالاضافة الى ان الاكاديمية تدرس مقررات كلية التربية بجامعة فيينا وتوزع هذه المناهج على مراحل الدبلوم والاجازة العالية والدراسات العليا.

وتعمل الاكاديمية على تأهيل معلمين لتدريس مادة الدين الاسلامي التي تدرس كمادة اساسية بمعدل حصتين اسبوعيا للتلاميذ المسلمين في المدارس النمساوية الابتدائية والمتوسطة والصناعية، ويزيد عدد هولاء التلاميذ الآن على 40 الفا، وتهدف الاكاديمية ايضا الى اعداد مدرسين مؤهلين لتدريس التربية الاسلامية في الدول الاوروبية الاخرى مثل المانيا وبلجيكا وانشاء فروع للاكاديمية في هذه الدول في المستقبل. وفي هذا الصدد هناك تعاون بيننا مع جامعة بازل بسويسرا لانشاء كلية للدراسات الاسلامية وكذلك نتعاون مع مؤسسات اسلامية في بلجيكا وهولندا وسويسرا، وذلك لان النمسا تعترف رسميا بالاسلام على عكس لدول اوروبية اخرى، وهي عضو في الاتحاد الاوروبي في هذا الاطار نستطيع حل كل المشكلات التي تحول دون انشاء مؤسسات اكاديمية اسلامية في البلدان الاوروبية.

الأزهر

* ما حجم التعاون بين الازهر وجامعته والاكاديمية؟

ـ منذ بداية التفكير في انشاء الاكاديمية اتجهنا الى مصر والازهر جامعا وجامعة، حيث ثم وضع خطة الدراسة للاكاديمية بمراحلها المختلفة بالتعاون مع الازهر. ويتولى تدريس المواد الاسلامية والعربية اساتذة متخصصون من جامعة الازهر وترسل مشيخة الازهر بعض مبعوثيها للمساهمة في تعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية للطلاب غير الناطقين بالعربية وترسل ايضا الكتب المقررة في المعاهد الأزهرية، وفي هذا الصدد تم توقيع اتفاقية مع جامعة الازهر لتنظيم وضع البرامج والمناهج التي تدرس في الاكاديمية وامدادها بأعضاء هيئة التدريس وتبادل الزيارات واجراء البحوث العلمية والمشاركة في المؤتمرات والندوات، ومن خلال هذه الاتفاقية سوف يتم انشاء فرع لجامعة الازهر في فيينا بعد الحصول على موافقة الهيئات والمؤسسات الرسمية في كل من مصر والنمسا وتشكيل لجنة للمتابعة من نائب رئيس جامعة الازهر وعميد الاكاديمية الاسلامية ومدير العلاقات العلمية والثقافية بجامعة الازهر.

وقف إسلامي

* كيف نستطيع رعاية المؤسسات التعليمية الاسلامية في الخارج مثل الاكاديمية أو غيرها؟

ـ لا بد من وجود آلية لرعاية ومتابعة المؤسسات التعليمية الاسلامية الناشئة خارج العالم للإسلامي وربطها بالمؤسسات التعليمية العريقة في داخل البلاد الاسلامية لتستفيد من تقاليدها واعرافها الاكاديمية وتزويدها بالاساتذة والمناهج وتضمن لها المصداقية امام الرأي العام والاوساط الاكاديمية في البلاد القائمة بها. ايضا يمكن انشاء امانة عامة لهذه المؤسسات التعليمية لايجاد نوع من الوحدة الفكرية في ظل التعدد المكاني والتنسيق في ما بينها من اجل النهوض بها وتفعيل دورها.

واقترح انشاء وقف اسلامي دولي للانفاق على المؤسسات التعليمية الاسلامية في الخارج والاغراض العلمية البحثية وتجميع الجهود القائمة وبذلك نستطيع ضمان استمرار هذه المؤسسات التي تقدم خدمات لابناء المسلمين في الخارج لانهم في حاجة ماسة اليها. ان هذه المؤسسات تستطيع مواجهة الجهل باحكام الدين الاسلامي وتعاليمه وتحصين الجاليات المسلمة التي تعيش في أوروبا ضد الظواهر الشاذة والافكار المنحرفة وتصحيح المفاهيم عن الاسلام والمسلمين التي حرفها بعض المستشرقين. كما ان هذه المؤسسات يمكنها حشد طاقات المسلمين المقيمين في اوروبا للمساعدة في حل مشكلات العالم الاسلامي ودراسة مشاكل الاقليات الاسلامية في أوروبا والمساهمة في حلها.

قانون الإسلام

* النمسا من الدولة الاوروبية الاوائل التي اعترفت رسميا بالاسلام، فما الذي دفعها الى هذا الاعتراف؟

- النمسا اعترفت بالاسلام بموجب قانورن امبراطوري صدر في عام 1912 عرف بـ«قانون الاسلام». ويرجع صدور هذا القانون الى ان البوسنة والهرسك كانت تابعة لامبراطورية النمسا ومملكة المجر قبل الحرب العالمية الاولى، وبموجب هذا القانون الذي لا يزال ساري المفعول فان الاسلام يتساوى في الحقوق والواجبات مع الاديان الاخرى مثل الكاثوليكية والانجيلية واليهودية. ورغم انفصال البوسنة والهرسك عن النمسا فقد ظل القانون ساريا رغم عدم وجود مسلمين. وبعد الحرب العالمية الثانية توافد المسلمون على النمسا ومع تزايد اعدادهم تم تأسيس الهيئة الدينية الاسلامية الرسمية في عام 1979 ككيان رسمي يجمع المسلمين ويحظى باعتراف الحكومة النمساوية. وفي عام 1988 تم تعديل القانون ليصبح الاعتراف بالدين الاسلامي شاملا لكل المذاهب بعد ان كان مقتصرا على المذهب الحنفي فقط، وحاليا يبلغ عدد المسلمين في النمسا 400 الف نسمة.

إدماج المسلمين

* ما الذي تريدون تحقيقه للجالية المسلمة في المستقبل؟

ـ نحن نعمل جاهدين من اجل ادماج الجالية المسلمة في المجتمع النمساوي حتى تصبح جزءا من النسيج الاجتماعي للنمسا مع الاحتفاظ بالهوية الثقافية الاسلامية، ونحن ندرك ان الرابط الوحيد بين المسلمين في النمسا هو الدين لان الجالية المسلمة تنتمي الى اصول واعراق عديدة من الدول العربية ومن تركيا وايران والهند وباكستان والبوسنة والبانيا وبعض الدول الافريقية، والاندماج في المجتمع النمساوي ضرورة حتى يقوم المسلمون بواجباتهم ويحصلوا على حقوقهم، لكن هناك مشكلات تحول دون هذا الاندماج تتمثل في عدم اتقان اللغة الالمانية، وهذا يحرم المسلم من تولي الوظائف العامة وهذه المشكلة تقتصر على الجيل الاول من الذين هاجروا الى النمسا في سن الشباب اما الذين ولدوا في النمسا فهم يجيدون اللغة الالمانية، وعلى اية حال اصبح هناك تمثيل للمسلمين في المجالس البلدية وهناك مسلمون يعملون في وظالئف مهمة مثل الطب والهندسة والتجارة لكن لا يزال المسلمون عازفين عن الانضمام الى الاحزاب السياسية وبالتالي يحرمون انفسهم من الترشيح للبرلمان.

* هل يمكن لبقية المسلمين في اوروبا الحصول على اعتراف مماثل لما هو سائد في النمسا؟

ـ هذه مسألة تختلف من دولة الى آخرى وحسب نظرتها للمسلمين ووزنهم في المجتمع، لكن على أية حال المسلمون في اوروبا في حاجة الى تشريع موحد ينظم اوضاعهم لأنهم اصبحوا جزءا من المجتمعات الاوروبية وليسوا مجرد عمالة وافدة أو اجانب، هذا بالاضافة الى تشكيل لجنة لمكافحة الاعمال المضادة للاسلام والمسلمين، والحمد لله تمت الموافقة اخيرا على انشاء جامعة اسلامية أوروبية مقرها فيينا وذلك بالتعاون مع رابطة الجامعات الاسلامية.

=