جبهة علماء الأزهر تعود للظهور «إلكترونيا».. وتعارض فتاوى المؤسسة الرسمية

بعد 9 سنوات من حلها بحكم قضائي

مصريون يصلون صلاة الجمعة في جامع الأزهر (أ.ب)
TT

عادت «جبهة علماء الأزهر» للظهور مرة أخرى، فلا يكاد يمر حدث يخص الشأن الإسلامي إلا ويكون للجبهة رأي، أو فتوى، أو رد فعل. الجبهة التي تم حلها بموجب حكم قضائي عام 1999 عاودت الظهور، لكنه هذه المرة إلكتروني فقط، عبر موقع لها على شبكة الانترنت انطلق من الكويت، ويشرف عليه أمينها العام الدكتور يحيى إسماعيل حبلوش.

وبدت الجبهة عبر نشاطها الأخير كيانا موازيا للأزهر بإبداء رأي علمائها في كثير من القضايا التي أثارت جدلا ولغطا على المستويين الشعبي والرسمي مثل قضية بيع الغاز المصري لإسرائيل، وقانون الطفل الذي صدق عليه البرلمان أخيرا، وطلب المحكمة الدولية توقيف الرئيس السوداني البشير.. وغيرها من القضايا التي قد تعارض المؤسسة الرسمية المتمثلة في مجمع البحوث الإسلامية، المؤسسة الأبرز في الأزهر. لكن في نهاية المطاف ما هو هدف الصراع بين المؤسستين الأزهريتين؟ وهل تعد الجبهة تمثيلا واقعيا لعلماء الأزهر أم أنها مجرد موقع الكتروني فقط؟ وهل تسعى هذه الجبهة «المنحلة» كي تكون بديلا عن مجمع البحوث الإسلامية؟ أم أنها تسعى للتعاون، وتمد يديها إلى علمائه؟ تأسست جبهة علماء الأزهر في عام 1946 حتى عام 1995، وتلخصت أهدافها في استنهاض همة الأزهريين لاستعادة دور الأزهر، ومساندة الدولة بالدعوة إلى الله ونشر مبادئ الألفة والمحبة والإخاء، ومساندة الأزهر ومشيخته وجامعته فيما نيط بهم من نهوض بالوطن في مجال الثقافة الإسلامية الصحيحة. وفي عام 1996 ومع تولي الدكتور محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر بدأ الصراع بين الجبهة والمشيخة، حيث رفض طنطاوي وجودها، بسبب معارضة الجبهة لبعض فتاويه، وقام شيخ الأزهر برفع عدة دعاوى قضائية حتى صدر حكم قضائي بحلها، وعدم اعتبارها جمعية رسمية مشهرة بشكل قانوني.

لكن قبل عدة سنوات عادت الجبهة لإحياء نشاطها برئاسة الدكتور محمد عبد المنعم البري وعضوية بعض من علماء الأزهر، وانبرت لإطلاق فتاوى مناوئة لفتاوى دار الإفتاء الرسمية كما حدث في فتوى الدكتور علي جمعة بشأن غرقى الهجرة غير الشرعية وعدم اعتبارهم شهداء، وفتوى الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر السابق بجواز الزواج من الإسرائيليات، وغيرها من الفتاوى التي أثارت جدلا لم تنته حدته بعد. متوالية الصعود والهبوط جعلت الكثيرين يتعاملون بحذر مع الجبهة، وينظرون إليها وكأنها منطقة شائكة.. هذا الحال يجسده الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية حيث يرى أنه لا يوجد شيء في الوقت الحالي يسمى جبهة علماء الأزهر، وأن هذه الجبهة التي كانت موجودة في السابق صارت «منحلة» الآن بحكم القانون. مشيرا إلى أنها ليست سوى نشاط شخصي من الكويت عبر موقع انترنت يديره الدكتور حبلوش. ويضيف بيومي إن معظم علماء الجبهة الذين شكلوا آخر مجلس لها لا يعرفون شيئا عنها الآن ولا شأن لهم بما يقوله أو يصدره الدكتور حبلوش. ويوضح الدكتور بيومي أن محاولة تجديد نشاط الجبهة إنما هو اعتداء على حكم القضاء، وعدم مبالاة به حيث صدر قرار بحلها قبل تسع سنوات. أما عن تصدي الجبهة للفتوى فيرى بيومي أن الموقع الالكتروني لما يسمى بالجبهة لا يعبر إلا عن نفسه، بينما تعبر مؤسسات الأزهر الرسمية عن جموع الأزهريين، مشيرا إلى أن نهج الأزهر في الفتوى هو إعطاء الأمر لأهله، وعدم الخوض في أي مسألة من دون سؤال أهلها كما حدث في فتوى دار الإفتاء المتعلقة ببيع الغاز لإسرائيل، حيث لا ينبغي لأحد أن يصدر فتواه، بدون معرفة أو إجراء دراسات. ويؤكد بيومي أن الأزهر يقوم بدوره في التطوير وأن الحوار داخل مجمع البحوث الإسلامية لا يتوقف حول هذا الأمر، معتبراً أنه يتم داخل إطار يتسم بالشفافية والوضوح والتعاطي مع وجهات النظر المختلفة. أما الدكتور يحيى إسماعيل حبلوش أمين عام جبهة علماء الأزهر فيقول إن العلماء ـ علماء الشريعة ـ هم ورثة الأنبياء، ورثوا عنهم علمهم، وعملهم وأخلاقهم في الناس والحياة، وكما كان للأنبياء الفضل في تأسيس الحياة الصحيحة، فإن على العلماء رعاية سلامتها والقيام على استقامتها، وكذلك إقامتها من جديد إذا احتاجت لذلك، كل ذلك فريضة مفترضة عليهم من الله تعالى، لا يشفع في التقصير فيها شفاعة شافع، ولا يقبل معها عذر معتذر، أو التعلل بتقصير مقصر من المقصرين.

ويبين الدكتور حبلوش أن وجود الجبهة شرعي أولا وعرفي ثانيا، ثم قانوني ثالثا، ذلك أن القانون لا يعدو أن يكون كاشفا عن الحق وليس منشئا له، مشيرا إلى أن الجبهة هي التي طلبت الإشهار القانوني، ومنذ إشهارها بوزارة الشؤون الاجتماعية برقم 636 في شعبان سنة 1365هـ 1946، والذي تجدد برقم 32 لسنة 1964، ثم برقم 565 لسنة 1967، ثم عدل على وفق القانون رقم 36 لسنة 1994، لم توجه إلى الجبهة تهمة ولا «تهيمة»، أو حوسبت على مخالفة، بل خطابات الشكر من الجهات الرسمية هي التي تحفل بها سجلاتها ومستنداتها. ويتابع حبلوش أنه لم يكن وراء هذه الفتنة المصطنعة غير قرار من السيد محافظ القاهرة مؤسس على طلب من شخصية ليست لها بالجبهة غير صلة الخصومة الخالصة يقرر فيها حل مجلس الإدارة (مجلس الإدارة وليس الجبهة) لمدة سنة لتصحيح أوضاع متوهمة، ثم أسند رئاسة مجلس إدارتها إلى أحد الموظفين الذي لم يكن له أدنى صلة بالجبهة ـ وهو ما تم الطعن عليه ـ في حينه وكان ما كان مما هو مثار في دوائر المحاكم طلبا للتصحيح والتصويب.

ويرى الدكتور حبلوش أن الاحتكام للقانون الذي عليه جاء إشهار الجبهة وبخاصة البند الرابع والذي هو النهوض بالدراسة في الأزهر نهضة ترفع المستوى العلمي، وتؤهل المتخرج في الأزهر وجامعته لأداء رسالة الإسلام على الوجه الأكمل، هو ما تسعى إليه الجبهة عبر نشاطاتها المختلفة. نافيا سعي الجبهة أن تكون موازيا أو بديلا عن الأزهر بقوله: «الجبهة ظهير مدني وأهلي للأزهر الرسمي، ومهمتنا ورسالتنا تأتي خادمة لرسالة الأزهر ومساندة لها.. نمد الصف إذا استقام، ونقومه إذا اختل، لكن ما لنا معه حيلة سوى شغله بالصالحين من أبناء الأزهر إذا خلى، وفي نفس الوقت لا نقبل من أي جهة أن تنازع الأزهر في رسالته، بل نفتديه بالرخيص والغالي باعتباره الوريث الشرعي لنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) التي احتضنها مسجد عمرو بن العاص؛ وسلمها إلى الأزهر».

ويضيف الدكتور حبلوش أن القانون الذي تأسست عليه الجبهة وعليه تم إشهارها، إشهارا لم ينل منه حكم موضوعي أو تحقيق نزيه أو غير نزيه، حيث ينص هذا القانون في مادته الثالثة على أن المقصد العام لهذه الجبهة هو إعزاز الإسلام والمسلمين ورفع شأن الأزهر والأزهريين وتوجيه القوانين والتشريع في جمهورية مصر العربية وجهة إسلامية تتفق مع دين الدولة الرسمي المنصوص عليه في الدستور وهو الإسلام، ونشر الثقافة بين طبقات الأمة بالوسائل المختلفة المشروعة.

أما عن منازعة أهل الاختصاص في إصدار الفتاوى في قضايا كثيرة يقول الدكتور حبلوش: إن الفتوى في حقيقة أمرها هي تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه. فهذا بالإضافة إلى أنه حق لكل من هو أهل للفتوى والبيان بل وواجب عليه، لا يحول بينه وبينها وظيفة ولا موظف ولا قانون ولا تشريع أيا كان موقعه وقوته. وتبقى مسؤولية المستفتي في اختيار من يرتضيه لدينه في الاستفتاء عما يريد. فإن دين المرء أغلى ما يحرص عليه. واعتبر أن المؤسسات الدينية الرسمية بوضعها الحالي تبدو انعكاسا لوضع عام.

ويطالب الدكتور حبلوش أن يعود الأزهر إلى أهله، وأن يعود إليه أهله، من أجل العمل على رفعة شأنه، والدعوة لمناقشة أحواله عبر مؤتمرات رسمية وشعبية وندوات علمية، تتوافر لها ضوابط الجدية وآليات الموضوعية والتي عندها يأتي عمل المختصين.