تقييد تعدد الزوجات في إقليم كردستان.. الأسباب والتداعيات

أعضاء اللجنة فضلوا التقييد كحل وسط بين المنع والإباحة المطلقة

صادق برلمان إقليم كردستان العراق على مقترح إبقاء تعدد الزوجات مقيدا بواقع 39 صوتا مقابل 35 (أ.ف.ب)
TT

تشهد الجلسات المتعاقبة لبرلمان اقليم كردستان العراق، والمستمرة منذ أواخر شهر اكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سجلات ونقاشات حادة وغير مسبوقة بشأن التعديلات المقترحة والتغييرات الجاري إدخالها على مواد وفقرات قانون الاحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959 المعدل. وقد انقسم النواب من كلا الجنسين، إلى فريقين بشأن التعديلات المقترحة من قبل مجلس الوزراء في الاقليم، لاسيما ما يتعلق منها بفقرة تعدد الزوجات حيث طالب الفريق الاول بابقاء تعدد الزوجات مقيدا فيما طالب الفريق الثاني بالغائه كليا، إلى جانب المقترح المتعلق بحالة «النشوز» وحصة المرأة في الميراث.

وبعد سجالات ونقاشات محمومة والاستماع إلى تقارير اللجان البرلمانية المعنية كاللجنة القانونية ولجنة الدفاع عن حقوق المرأة ولجنة الاوقاف والشؤون الدينية ولجنة حقوق الإنسان، صادق البرلمان في جلسته الثامنة من الدورة الثانية والمنعقدة بتاريخ 27/10/2008 على مقترح ابقاء تعدد الزوجات مقيدا وذلك بواقع 39 صوتا مقابل 35 صوتا.

ويقول الدكتور محمد شريف عضو اللجنة الفقهية التي تولت صياغة المقترحات والتعديلات الجاري ادخالها في نص لائحة القانون «إن اللجنة ناقشت ثلاثة خيارات اولها كانت تطالب به المنظمات النسوية ودعت الى حظر تعدد الزوجات كليا على غرار الوضع في تونس مثلا، فيما دعا المقترح الثاني الى ابقاء حالة تعدد الزوجات مباحة كما كانت في السابق، طبقا لأحكام العديد من المذاهب الإسلامية، والمقترح الثالث دعا الى جعل حالة تعدد الزوجات مقيدا طبقا لأحكام القانون العراقي الذي كان سائدا عام 1959 ابان حكم الرئيس عبد الكريم قاسم».

وأضاف الدكتور شريف في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «اللجنة رأت ان من الافضل ـ كحل وسط ـ الإبقاء على حق تعدد الزوجات مقيدا بشروط صارمة، وفقا للشروط التي كانت موجودة اصلا في القانون السابق أهمها ان تتأكد الجهات القضائية من قدرة الرجل الراغب في الزواج الثاني على اعالة أسرتين، وحاجته الماسة الى وجود الزوجة الثانية، كأن تكون الزوجة الاولى عليلة بمرض مزمن او عاقر، مع إضافة شروط اشد صرامة الى القانون مثل ضرورة استحصال موافقة الزوجة الاولى على عقد الزواج الثاني لزوجها امام القاضي، وتفسير الأعذار التي يتقدم بها الزوج للحصول على الموافقة الاصولية لزواجه الثاني، ولكن بعض هذه الشروط خضعت لتعديلات وصياغة قانونية اثناء مداولات البرلمان قبل ادراجها في هذه الفقرة من القانون».

وكانت هذه الفقرة المتعلقة بتقييد تعدد الزوجات قد جوبهت بموجة من الرفض والامتعاض من قبل لفيف من رجال الدين الاسلامي في كردستان على اعتبار ان تقييد اي حق منصوص عليه في القرآن الكريم يعتبر حراما ومخالفا لأحكام الشريعة الاسلامية السمحة، في حين اكد الشيخ ماجد الحفيد، إمام وخطيب جامع الشيخ كاكه احمد الشيخ في مدينة السليمانية، بان عملية تقييد تعدد الزوجات بشروط عسيرة ليست مخالفة لشرائع الدين الاسلامي طالما كان الهدف منها خدمة الانسان والمجتمع. وأضاف الشيخ الحفيد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن الشروط المفروضة من قبل البرلمان الكردستاني على حالة تعدد الزوجات لا تعارض أحكام الدين لاسيما ان القرآن الكريم يدعو اصلا الى مراعاة العدالة في حالة تعدد الزوجات».

كما نوه الشيخ الحفيد الى ان هناك احكاما دينية تسمح لأولي الامر والحكام بتحريم بعض الامور الواردة في الدين اذا كان في التحريم او الحظر فائدة او منفعة لبني البشر. لكنه تساءل باندهاش عن الفائدة المرجوة من قانون تقييد تعدد الزوجات لاسيما أن في العراق عددا هائلا من الأرامل والنساء العوانس؟ وأضاف الشيخ الحفيد قائلا: «لو اقتصر القانون على تقييد الزواج الثاني بالنسبة للرجل في حال كانت زوجته الاولى سليمة فان الامر قد يعتبر طبيعيا الى حد ما، لكن ما الضير من زواج الرجل من ارملة لإعالة أيتامها مثلا، وهذا أمر ينبغي أخذه بعين الاعتبار».

بينما يرى الدكتور شريف بأن «معظم قوانين الأحوال الشخصية في اغلبية دول العالم الاسلامي تحديدا وضعت شروطا صارمة على حالة تعدد الزوجات، كما ان الله سبحانه وتعالى أمر في القرآن الكريم بتحقيق العدالة في هذه الحالة، لاسيما ان العدالة هنا تأتي كقيد يفرض على الرجل في مثل هذه الحالة، بمعنى ان الشروط التي اقترحتها اللجنة الفقهية وتبناها البرلمان في هذا القانون ليست متعارضة واحكام الشريعة الإسلامية».

وأوضح أن اللجنة التي تشكلت لتقديم هذه المقترحات بناء على طلب من رئيس حكومة الاقليم نيجيرفان بارزاني، والتي ضمت بالإضافة إليه كلا من الدكتور نوري طالباني والدكتور مصطفى زلمي، رفضت بشدة ادراج اي بند او فقرة او مقترح في القانون الجديد يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية لأنه سوف يتم رفضه من قبل الشعب خصوصا اذا تعارض مع الدستور العراقي الذي يستند الى القرآن الكريم في تشريعاته.

وما زالت جلسات البرلمان الكردستاني مستمرة لحسم قضايا مهمة اخرى في قانون الاحوال الشخصية الجديد، وهي محط خلاف كبير بين النواب والمشرعين الملتزمين باحكام الشريعة الاسلامية وبين العلمانيين من كلا الجنسين المطالبين بالمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، حيث من المقرر ان يناقش البرلمان في جلسته المقبلة التي تأجلت عدة مرات حتى الآن مسألة «النشوز» وحصة المرأة في الميراث.

ويقول الدكتور شريف ان البعض من النواب طالبوا بتغيير فقرة «الرجال قوامون على النساء»، فيما يتعلق باعالة الرجل لأطفاله بعد الانفصال عن زوجته وتوزيع حق النفقة على الاولاد بالتساوي بين الزوجين، وهو أمر مخالف لأحكام الدين الاسلامي وقد تم رفضه من قبل اللجنة الفقهية لسببين؛ أولهما كونه مخالفا للدين، والثاني أنه ليست كل النسوة في اقليم كردستان قادرات على إعالة أطفالهن ماديا».

أما عن حالة «النشوز» التي ستتم مناقشتها في الجلسة المقبلة فقد اكد الدكتور شريف ان اللجنة الفقهية اقترحت استبدال مصطلح «النشوز» بعبارة «عدم مطاوعة» لكنها لم تتطرق الى التساوي في ممارسة هذا الحق القانوني من قبل الرجل والمرأة وتركت الامر للبرلمان ليقر ذلك.

ومن جانبه يقول طارق جوهر المستشار الاعلامي لرئيس البرلمان الكردستاني: «الجلسة القادمة ستكون حامية الوطيس نظرا لتضارب الآراء والمواقف حيال المسائل التي ستتم مناقشتها». وأضاف جوهر في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتوقع سجالا حاميا بشأن حالة النشوز ولكن مسألة المساواة بين الجنسين في نيل الميراث ستكون القضية التي تفجر السجالات الحادة بين النواب المؤيدين للمساواة في الميراث والمتحفظين عليها باعتبارها مخالفة لأحكام الدين من وجهة نظرهم».