في المؤتمر الدولي الأول حول شباب العالم الإسلامي بتونس: إعلان عام 2009 سنة دولية للحوار مع الشباب المسلم

الشاذلي القليبي: على فقهائنا دحض المفاهيم الخاطئة والمساعدة على التمييز بين ما هو من قيم الحضارة الإسلامية وبين ما هو محض عادات وممارسات شعبية

TT

في إطار تعزيز توجهات دول العالم الإسلامي من أجل بحث أفضل السبل الكفيلة بتأصيل القيم الإنسانية السامية في فكر وشخصية الشباب المسلم وتعزيز تمسكهم بهذه المبادئ السامية، الداعية إلى التسامح والتعايش والحوار والاعتدال، عُقد أخيراً في العاصمة التونسية المؤتمر الأول الدولي حول شباب العالم المسلم، وذلك بتنظيم من الحكومة التونسية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. وتناول هذا المؤتمر خمسة محاور منها:

ـ الشباب والتربية على قيم التسامح والتعايش والحوار بين الحضارات والأديان ـ معالجة أسباب الإرهاب والتطرف في صفوف شباب العالم المسلم. كما شاركت في المؤتمر عدة شخصيات مهمة إضافة إلى رؤساء وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية. ونذكر من بين المشاركين سمير العبيدي وزير الشاب والرياضة والتربية المدنية في تونس والأساتذة سعيد بن محمد المليص، وسعيدة الرحموني، وفوزية العشماوي، ومنجي بوسنينة، وكمال عمران، ومنجي الزيدي، وجون بول كارتون، وسيفني إسكند روف، ولينا موسى، وعاطف عبد المجيد وآخرين.

قدم الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، في كلمته الافتتاحية دعوة لكبار رجالات الفكر والثقافة والعلوم والمسؤولين عن قطاعاته المختلفة في دول العالم الإسلامي، والمنظمات الدولية والإسلامية والعربية ومؤسسات المجتمع المدني، المهتمة بقضايا الشباب والتربية والتعليم، لأن يتعاونوا مع الإيسيسكو من أجل وضع برامج شبابية شاملة تقوم على التطوير والتحديث في مجالات حياة الشباب ومجالات التربية والتعليم والتشغيل، ومجالات الحوار مع الآخر والتعايش والتسامح والوسطية. ومثل هذه البرامج المنفذة على المدى القصير والمتوسط والطويل، يمكن أن تتغلّب على العديد من المظاهر السلبية والمخاطر التي تهدد مستقبل الشباب، ويمكنها أن تفتح أبوابا واسعة للمنظور الشامل للشباب في العالم الإسلامي، وأن ترسم لهم ملامح طريق سالكة وآمنة إلى مستقبل يقوم على علم متطور وفكر متجدد ونظرة ثاقبة إلى الغد. وكمبادرة ملموسة من طرف مديرها العام تقدمت الإيسيسكو بدعوة عملية إلى عقد استشارات وطنية للشباب في مختلف بلدان وأقطار العالم الإسلامي، وإلى جعل 2009 عاما للحوار مع الشباب في العالم الإسلامي، يتكلل بمؤتمر تعقده الإيسيسكو نهاية شهر نوفمبر(تشرين الثاني) 2009، ويصدر عنه ميثاق عمل وشرف للشباب في العالم الإسلامي.

وكان الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية الاسبق بدوره من أهم المشاركين في المؤتمر الدولي حول قضايا الشباب في العالم الإسلامي. وعمد في مداخلته إلى التوقف عند قيم الحضارة الإسلامية، مبرزا أن من مميزات حضارة الإسلام أنها انفردت، في عصرها، بإعلان حرية المعتقد: «لا إكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر». أمّا التسامح ـ الذي يتبجح الغرب بأنه سباق إليه ومنفرد به ـ فالإسلام، منذ انبعاثه، نظر إلى ما هو أحفظ لكرامة الغير، وأكثر سخاءً، ذلك أنّ التسامح ينطوي على معنى من معاني التنازل، وينبئ بحرج ما، في نفس التسامح، من الاستعلاء. فأقرّ الإسلام، لسائر الأمم من قبله، بأنهم على شيء من الهداية الإلهية.

وقال القليبي في مداخلته إنه في زمن كان فيه المسيحيون يتساءلون هل يصحّ اعتبار المرأة ذات روح وعقل، مثل الرجل، جاء الإسلام فأعلن للمرأة حقوقا عائلية واجتماعيّة لم تكن تحظى بها في أيّ مجتمع قبله. ورفع من شأن النساء «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها». وأمر الزوج بمعاملة زوجته بالمودّة والرحمة، مؤكّدا أنّ كلاّ منهما لباس للآخر. وبين القليبي أن عددا من المنظرّين في آداب الغرب وصحافته، يتحاملون على الإسلام، ويُحمّلونه المسؤوليّة في ظهور الإرهاب. وهذه فتنة في نظر الإسلام. والفتنة أشدّ من القتل. وإنّما لاجتناب آفة الفتنة، نُهي المؤمنون المضطهَدون في مكّة، عن ردّ الفعل، ولم يٌؤْذَن للمسلمين بالدفاع عن أنفسهم إلاّ بعد الهجرة، إذ أصبحوا في مجتمع غير المجتمع المكّي، والقتال حينئذ بين فريقين متقابلين، لا متداخلين، وانتقت مخاطر الفتنة التي لا يرضاها الإسلام. وفيما يتعلق بمسألة الجهاد التي تعرف عدة مظاهر من سوء الفهم والتوظيف الأصولي، قال القليبي «أمّا إعلان الجهاد من قبل فئات فوضويّة، فالردّ عليها أنّ الجهاد، في الإسلام، له مدلوله وله ضوابطه. وكي يكون شرعيّا لابدّ أن يتم الرجوع فيه إلى أولي الشورى، وأن يكون قتالا بالمعروف، أيّ باجتناب ما لا تُقرّه الأخلاق من أعمال ومن عنف يُودي بأنفس بريئة، أقرّت لها الكرامة»، مضيفا أنه على فقهائنا أن يتصدّوا لدحض مقولات هوجاء، أساءت إلى سمعة ديننا، في نظر الذين يجهلون حقيقته. كما عليهم أن يُرشدوا الجماهير، التي تضللها مقولات خاطئة، إلى حقيقة الإسلام في الأمور الأساسيّة التي تتعلق بالمعاش والمعاد، وأن يعينوا على التمييز بين ما هو من أوامر الدين ومن قيم الحضارة الإسلامية الحقّ، وبين ما هو مَحض عادات وممارسات شعبيّة، ذلك أن من أكثر ما يحتاج إليه شبابنا، اليوم، تركيز الوعي لديهم على ما سمته حضارة الإسلام، منذ أول انبعاثها، بالجهاد الأكبر، وأن عليهم الإسهامَ فيه من أجل إصلاح أحوال مجتمعاتهم، وبناء أدوات تنميتها، بما يضمن لها الأمن الأساسي في هذا العصر، أي الاكتفاء الغذائي، وتوفير المرافق المدنيّة، والتنظيمات الحضاريّة، التي بها قوّة الدول وعزّة المجتمعات.

ولكن ما هي أسباب وجود ظاهرة العنف والإرهاب في أوساط الشباب المسلم؟

أخذ الدكتور سلمان العودة من السعوديّة، على عاتقه مهمة تفكيك هذه الأسباب، حيث عدد ثلاثة أسباب مباشرة على النحو التالي:

1 ـ مسألة التجنيد، بنشر الأفكار المنحرفة وترويجها والمجادلة عنها عبر الإنترنت أو الفضاء أو العلاقات الشخصية أو الكتابات. ولا شك أن اكتشاف خيوط التجنيد والتعرف على المستهدفين وقطع الطريق عليه هو مهمة صعبة ولكنها ضرورية، وفي جانبها الأمني فلا أحد ينكر ضرورة الوعي واليقظة ومنع حدوث أي جريمة تحت ذريعة العنف أو الإرهاب، وتتبع المجرمين وحرمانهم من تكرار الفعل، أو من التمتع بالفرحة إزاء مشاهدة الأشلاء والضحايا والقتل والإعاقة وزعزعة الاستقرار.

2 ـ مسألة الخطاب الديني، والعنف المتحدث عنه منطلق ديني، فليس هو في دورته الحالية ماركسيّا أو وطنيّا، بل هو مؤسس على عاطفة دينية، ورؤية دينية. فالرؤية مفقودة، والمعرفة ضعيفة أو غائبة، ولكن مشاعر وإحساسات شخصية، متدينة أو منحرفة، اكتشفت الدين فجأة، ووجدت فيه ملاذا ثم صبت كل مشاعرها في أي نص يقابلها. التكفير مثلا، مبدأ يرفضه الدين ويحذر منه، ويكفي أن لدينا عددا من النصوص الصحيحة الصريحة المتواترة في التحذير من التكفير، وهنا يأتي دور الأئمة والمفتين والعلماء في التوعية الصادقة بالشريعة، وحفظها لمقامات الناس وحقوقهم، وتحذيرها من الجرأة على الدماء والأعراض والأموال، وإشادتها بالوحدة والاجتماع، وحفزها على الاستقرار ورعاية الأمن والمصالح، والدندنة حول هذه الموضوعات والوسائل المختلفة، في كافة الظروف، فهي ليست ملفا للطوارئ يُستخرج حين الحاجة إليه، ثم يعود إلى أدراجه المغلقة، هي ثقافة إنسانية إسلامية يجب أن تظل حيّة في كل الأحوال، يجب أن يكون في بلاد الإسلام حضور دائم لخطاب ديني معتدل ومستقل في الوقت ذاته، فإن الخطاب الديني حين يُوظّف لا يؤدي دوره كما يجب. الخطاب يجب أن يكون معتدلاً بعيدا عن الشطط أو الغلو أو الإغراق في التفصيلات والفروع، ملامسا للواقع، ملتزمًا بالتقوى والإخلاص. 3 ـ مسألة الأحداث الدولية، وكيف تؤثر أحداث كغزو أفغانستان أو غزو العراق أو أحداث فلسطين أو نحوها في نفسيات الشباب، وكيف ترفع وتيرة الاهتمام لديهم، وتعميهم عن العقلانية والمنطق أحيانا، لتجعلهم قابلين لسماع كل صوت يُلوح لهم بالنصر.

الأستاذة نفيدة نبال المعلم من سورية تناولت أهمية تجسيد مشاركة هادفة للشباب في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، مبرزة أن الشباب مسؤولية الأمة ممثلة في أصحاب القرار نحو استيعاب وتوجيه هذه الشريحة المهمة من مجتمعنا التي تمثل نحو 60 % من عدد السكان: «إن التصدي لمشاكل الشباب في العالمين العربي والإسلامي يحتاج إلى تضافر جهود كل الحكومات وصناع القرار لتجميع الأفكار والمقترحات والأهداف والدراسات الميدانية الواقعية والتي تكون بمثابة (بنك معلومات خاص بقضايا الشباب هدفه جمع المعلومات عن الشباب ومشاكلهم وإعداد البرامج التربوية والثقافية والاجتماعية وغيرها لفائدة الشباب والأسرة) وهذه الدراسات قد نفذت في معظم الأقطار العربية والدول الإسلامية عبر مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية لخلق تصور شمولي واضح وموحد يدرج في الخطط التنموية الشاملة التي تركز على تلبية الحاجات الأساسية للأفراد والجماعات المتعلقة بالهوية والحرية والأمن». ورأت الأستاذة نيبال أنه متى تحققت هذه المعايير للشباب نستطيع الحصول على شباب عربي ناضج وكامل وقادر على مواجهة التحدّيات ومسايرة متطلبات العصر المعرفة والتكنولوجية والعلمية ويستطيع أن يستجيب لكل المتغيّرات فاعلا فيها ومنفعلا بها، فيتغلب على الصعوبات التي تواجهه كونه أعدّ الإعداد اللازم والمناسب ليكون شابا عربيًا وإسلاميا لائقا بصفتي العروبة والإسلام مكونًا سدًا منيعا أمام كافة أنواع الغزو الموجهة ضد هاتين الصفتين.

ركز محمد السماك، الأمين العام لللجنة الوطنيّة الإسلامية المسيحيّة للحوار، في مداخلته على قيم التسامح والنقاش والحوار بين الحضارات والأديان، منطلقا من مبدأ أن من مقومات الحضارة العربية الإسلامية احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه، وليس تجاهله أو إلغاءه أو تذويبه، ويشهد تعدّد الجماعات الدينية والإثنية في العالم الإسلامي ومحافظة هذه الجماعات على خصائصها العنصرية وعلى تراثها العقدي والديني على لغاتها وثقافاتها الخاصة. أن اعتراف الإسلام بالآخر ومحاورته بالتي هي أحسن، وليس بالحسنى فقط، وقبوله كما هو، لا يعود بالضرورة إلى سماحة المسلمين، إنما يعود في الأساس إلى جوهر الشريعة الإسلامية التي تؤمن برسالات الله كلها، وبأنبياء الله جميعا، كما يعود إلى التزام المسلمين بما تقول به الشريعة منهجا وقيما وأسلوب حياة.

وقال السماك: «خاطب الإسلام العقل الإنساني باحترام، واعتمد على المنطق وعلى مقارعة الحجة لتسفيه عقيدة الشرك، ولتحرير الإنسان من عبادة الأوثان احتراما له أيضا ولإقناعه بعبادة الله الواحد الأحد. ولم يحمل السيف داعيًا، فالدعوة إلى الله لا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة. ولكن عندما حمله كان ذلك دفاعًا عن النفس وعن العقيدة، ومبدأ الدفاع هنا هو الأساس الذي يقوم عليه ركن الجهاد وفلسفته. وأضاف «أن صورة الإسلام قيمًا ومبادئ وتعاليم وتشريعات، مشوهة أي أنها على غير حقيقتها، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة ظاهرة الإسلاموفوبيا. ولا يمكن تصحيح هذه الصورة والقضاء على هذه الظاهرة المسيئة ما لم تصحح صورة الإسلام في عقول المسلمين أولاً».

وخلص المشاركون في المؤتمر الدولي حول قضايا الشباب في العالم الإسلامي إلى تدوين فقرات ما سمي «عهد تونس»: من أجل النهوض بالشباب وتعزيز مكانته في العالم الإسلامي والذي تضمن عدّة بنود نذكر أهمها:

* تعزيز ملكات النقد والعقلانية والاجتهاد عند شبابنا، والدعوة إلى الإصغاء إلى مشاغله، وتجديد الخطاب الموجه إليه، ودعم سبل الحوار والاستشارة معه في كل الميادين.

* إعادة صياغة الخطاب الديني الموجه إلى الشباب من حيث توازنه مع قضاياهم وأفكارهم وسلوكهم وثقافتهم، وتأكيد أولوية الحوار البناء والمباشر مع شرائح الشباب والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة التربوية في تأصيل مكانة الأسرة/ وتأكيد فعالية الأسباب الأسرية الإيجابية في التنشئة.

* الإقرار بأن الإرهاب آفة العصر، لا دين له ولا وطن، ومن الظلم البيّن اتهام الإسلام والمسلمين به، والفكر التكفيري المتطرف المنحرف، مدان بجميع أشكاله ومظاهره ومصادره و يجب تضافر الجهود لمكافحته وتجفيف ينابيعه، وذلك من خلال عقد مؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة لوضع تعريف به، وفضح محاولات الربط بينه وبين الإسلام، وتأكيد أن محاربته تتم وفق مبادئ حقوق الإنسان والشرعية الدولية وسيادة القانون، مع التفريق بينه وبين حق الشعوب في تقرير مصيرها والذود عن حمى أوطانها ضد الاحتلال.

* استثمار ظاهرة هجرة الشباب في العالم الإسلامي إلى دول أخرى والاستقرار بها، وتوظيف ذلك الواقع الجديد في خلق جسور من التفاهم والتواصل بين الشباب ودول الاستقبال، والبحث عن حلول جذرية لظاهرة الهجرة السرية، والاعتراف بأننا نعيش في عالم مترابط في ظل العولمة، وأن كثيرا من التهديدات التي نشهدها اليوم لا تقف عند الحدود الوطنيّة، بل تتسم بالترابط ويجب معالجتها على الصعيد العالمية والإقليميّة والوطنيّة، وفقا لأحكام الشريعة الدولية والقانون الدولي.

* تطوير المؤسسات التعليميّة ومناهجها التربوية يجب أن يتم استجابة للمطالب والاستحقاقات الذاتيّة، وبعيدا عن الإملاءات الخارجية والضغوط السياسيّة، بما يلبي تطلعات الشباب واحتياجهم في العالم الإسلامي.