جدل بين علماء الأزهر ومفتي الفضائيات حول مشروع قانون يجرم الإفتاء بدون رخصة

د. صفوت حجازي: القانون سيكبل ألسنة الذين يقولون كلمة الحق > د. محمد فؤاد شاكر: البلبلة التي يعيشها الناس سببها من يتخذ الدين وسيلة للتربح

جانب من الندوة ويبدو من اليمين الدكتور صفوت الجراح («الشرق الأوسط»)
TT

مازالت ردود الفعل المتناقضة تتوالى بشأن مشروع قانون مطروح على البرلمان المصري لتجريم الإفتاء بدون رخصة، خاصة بعد موافقة الأزهر رسميا على إصدار هذا القانون. وفي هذا الإطار عقدت نقابة الصحافيين المصريين الأسبوع الماضي، ندوة حاشدة بعنوان «رخصة الإفتاء بين الأزهريين والدعاة الجدد»، وذلك بمشاركة عدد من نجوم الإفتاء عبر الفضائيات وعلماء أزهريون. وشهدت الندوة جدلا ساخنا بين العلماء المشاركين فيها. من جانبه اعتبر الداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي ـ من دعاة الفضائيات ـ أن هذا القانون طعنة فى إسلامنا لأنه يجعل من الإسلام كهنوتا وأنه بمثابة تسويغ لواقع مرير لمصادرة الحريات وتكميم الأفواه وتكريس للأمية الدينية والسعي لإخلاء الساحة من العلماء المتميزين الذين تلقى دعوتهم صدى أفضل من علماء الأزهر لدى جماهير المسلمين، فضلا عن أن من بين الأزهريين من يقولون بكلام ما انزل الله به من سلطان ولا احد يعترض عليه بحجة انه ينتسب إلى الأزهر.

وقد تعهد حجازي بمقاومة هذا القانون بكل ما أوتى من قوة واتخاذ كل السبل المشروعة للوقوف ضده، مؤكدا أن الدين الإسلامي دين الحرية والرأي والرأي الآخر وأن الحرية في الإسلام شيء مقدس ولا حدود لها إلا في المقدسات (الله ـ النبي ـ أصول الإسلام)، ولا توجد قضية من قضايا الدين خاصة الاجتهادية إلا ويوجد فيها رأيان أو ثلاثة.

وشن الدكتور حجازي هجوما شديدا ضد المؤسسة الدينية الرسمية متمثلة في الأزهر معتبرا أنها وراء هذا القانون، لأن الدعاة الرسميين لا يحظون بالقبول والثقة لدى الجماهير المسلمة كونهم غالبا ما يحابون السلطة وأن المؤسسة الدينية الرسمية غالبا ما تضيق بالمعارضين ولا تتقبل النقد.

وواصل الدكتور حجازي هجومه قائلا: إن هذا القانون سوف يكبل ألسنة الذين يقولون كلمة الحق. وتساءل: كيف يفرق القانون بين الرأي والفتوى وبين نقل الفتوى وبين الوعظ؟ وهل نقل الحديث النبوي أو السيرة النبوية يعد فتوى؟ وأردف قائلا: إن المقصود بالإفتاء هو بيان لحكم شرعي بأدلته فيما استجد للناس من أمور لم يكن فيها حكم صادر، وهذا يتمثل في قضايا مثل نقل وزراعة الأعضاء والاستنساخ. وهذه الأمور من صميم عمل المجامع الفقهية لأنها تحتاج إلى رأي جماعي وليس هناك من يفتى فيها برأي فردى، وبالتالي فانه لا يوجد في هذا الزمان من يفتي طبقا لهذا المفهوم.

وأضاف حجازي أن ما يزعمونه انه فتاوى هو كله مجرد أقوال وأحكام قال بها العلماء والفقهاء السابقون. وبناء عليه فإن ما نقوله عبر الفضائيات إنما هو نقل لفتاوى السابقين، وهل عندما ننقل هذه الفتاوى للناس يجرمنا القانون عليها؟ وأضاف: إننا عندما ننقل فتوى نقول إن الإمام الشافعي قال كذا أو الإمام مالك قال كذا أو الإمام احمد قال كذا أو الإمام أبي حنيفة قال كذا وإن الرأي الراجح هو كذا.

وأشار حجازي إلى انه تقدم منذ سنوات إلى دار الإفتاء المصرية باقتراح يقضي بتشكيل لجنة علمية من مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية تكون مهمتها متابعة ما ينشر عبر الفضائيات من فتاوى، وإذا ما وجد خطأ في فتوى يتم استدعاء من أفتى بهذه الفتوى ومناقشته وبيان الصواب له وإلزامه بأن يأتي في نفس هذا البرنامج الذي أذاع فتواه من خلاله، ليعلن للناس الرأي الصواب وإذا ما رفض تقوم اللجنة بإصدار بيان وتعميمه على كل الفضائيات تؤكد فيه أن هذا الرجل مشكوك في علمه وفتواه ويجب انصراف الناس عنه.

واختتم حجازي كلمته بمطالبة الأزهر بفتح أبوابه لمن يريدون الالتحاق بجامعة الأزهر من غير الدارسين في مراحل التعليم الأزهري قبل الجامعي وبدون شروط، للقضاء على إشكالية الإفتاء بدون تخصص، مؤكدا أن قضية ضبط الفتاوى لا تتم بقانون ولكن بتعليم الناس فقه الاختلاف في الإسلام.

أما رأي علماء الأزهر في هذا القانون، فيمثله الدكتور محمد فؤاد شاكر أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس، حيث يؤكد انه لا يحق لغير المؤهلين علميا للإفتاء، أن يتصدوا لهذه المهمة الصعبة، مشيرا إلى أن البلبلة التي يعيشها الناس جراء الفتاوى المتضاربة عبر الفضائيات سببها قيام نفر من الناس لم يحصلوا على قسط كاف من العلوم الشرعية باتخاذ الدين وسيلة للتربح والثراء من خلال الحصول على لقب شيخ أو داعية وتقديم برامج دعوية في الفضائيات نظير الحصول على أجور عالية، وأن هؤلاء حولوا الدين إلى قصص وحكايات وهدموا اللغة العربية ولم ينطقوا بجملة صحيحة من الناحية اللغوية، وهذا النقص يؤدى إلى اضطراب المعنى الذي يحاول هذا الداعية إيصاله للناس.

وانتقد الدكتور شاكر ما ذهب إليه الدكتور صفوت حجازي بأن الذين يفتون عبر الفضائيات ليسوا بمفتين إنما هم ناقلين لفتاوى وآراء لعلماء سابقين وإنهم يقولون بالترجيح فقط مؤكدا أن الشخص الذي يقول على الفضائيات بان الإمام مالك أو الشافعي أو أبو حنيفة أو احمد قال كذا وانه يرجح قول هذا أو ذاك هو بمثابة مفت ومصدر لفتوى، وليس كما يزعم الدكتور حجازي بأنه ناقل لرأي أو حكم أو فتوى، لان الترجيح كلمة تضمن بأدلة شرعية. وقال ان الحديث في القضايا الدينية عبر الفضائيات يحتاج إلى أناس اعدوا إعدادا خاصا ودرسوا العلوم الشرعية وتبحروا فيها وتربوا عليه وليسوا ممن درسوا علوم الطب أو الهندسة أو الزراعة. وبعد ذلك قرأوا بعض الكتب في الثقافة الدينية وأوهموا أنفسهم أنهم صاروا علماء ومفتين وأوصياء على الدين.