الأزهر يرفض مقترحا لباحث قبطي لاستبدال عبارة «موقعة عسكرية» بكلمة «غزوة»

دحضا لمزاعم المستشرقين بانتشار الإسلام بالسيف

TT

رفض علماء أزهريون مقترحا للباحث القبطي الدكتور نبيل لوقا بيباوي عضو مجلس الشورى المصري، تقدم به إلى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي رئيس مجمع البحوث الإسلامية (أعلى سلطة شرعية في الأزهر) لحذف كلمة «غزوة» من التراث الإسلامي، والاستبدال بها عبارة «موقعة عسكرية»، للحد من استغلال البعض - خاصة غير المسلمين ـ لكلمة «غزوة» لوصف الإسلام بـ «الإرهاب».

قال الدكتور بيباوي في مقترحه: «إن المستشرقين في الغرب يهاجمون الإسلام، انطلاقًا من تاريخ الغزوات، ويشوهونه باستغلال كلمة «غزوة»، مع أن المسلمين لم يقوموا بالغزو بمعناه الحقيقي، وهو غزو أهل البلاد، كما أن القرآن الكريم لم يذكر كلمة «غزوة» إلا في قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قُتلوا.. »»، مشيرا إلى أن «الهدف من وراء هذا المقترح سحب البساط من تحت أقدام المستشرقين الذين يستخدمون كلمة «غزوة» للادعاء بأن الإسلام انتشر بالسيف، وهو ما لم يحدث». وأضاف قائلا «لقد بحثت في معجم الصحاح (من أهم معاجم اللغة العربية) والقاموس الإنجليزي؛ فلم أجد أن لكلمة «غزوة» علاقة بالجهاد الإسلامي، لأن معنى أن أكون غازيا هو أن آخذ قواتي وأغزو أرض الآخرين، وهو ما لم يحدث في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم».

واعتبر الدكتور بيباوى أنه «من الظلم الاستمرار في إطلاق كلمة «غزوة» على المواقع العسكرية التي خاضها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كانت لاسترداد الحقوق المسلوبة، وهو دفاع مشروع، كما أن الحروب التي خرج فيها المسلمون كانت لرد العدوان». وتساءل قائلا «ماذا يضرنا إذا قلنا إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يغز، ولا توجد غزوات في الإسلام، وإنما دفاع شرعي.. لقد بحثت الأمر بشكل علمي.. وأرى أن علينا محو كلمة «غزوة» من الإسلام، حتى لا يظل المسلمون يجلدون أنفسهم بأيديهم».

وفى تعليقه، قال الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر «لا يجوز حذف كلمة «غزوة» من تراثنا الإسلامي، فالأولى بدلا من حذف الكلمة أن نوضح معناها الحقيقي، كما أننا نطالب الدكتور بيباوى ـ وهو رجل غير مسلم ـ في دفاعه عن الإسلام أن يعرف أولا أسباب ودواعي الجهاد والحرب في الإسلام، ويوضح ذلك لغير المسلمين، باعتبار أن مبدأ الجهاد أو الحرب في الإسلام إنما شرع لرد الظلم والعدوان، وليس للبدء بالحرب، فالحروب في الإسلام كلها كانت حروبا دفاعية، والتاريخ خير شاهد». وأضاف «إن الغزوات في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وكذلك الفتوحات الإسلامية لتخليص الشعوب من الظلم، وبالتالي ليس صحيحا القول بأن الإسلام انتشر بالسيف، وذلك لوجود كثير من الشواهد، فالدعوة الإسلامية في أكبر بلد مسلم (هو إندونيسيا).. هل انتشرت بالسيف أو الحروب، كما يزعم المستشرقون؟».

وأوضح الشكعة أن الدكتور بيباوى قد تقدم بهذا المقترح إلى مجمع البحوث الإسلامية في شكل كتاب، اطلع عليه علماء المجمع؛ وشكروه عليه، لكننا نرفض حذف كلمة «غزوة» من تراثنا وتاريخنا الإسلامي. من جانبه، يؤكد الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة «إنه لا يجوز استبدال ألفاظ أطلقها القرآن الكريم والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتسمية أشياء محددة، لأن لتلك التسمية دلالة معينة»، مشيرا إلى أن المقصود من معنى الغزو في القرآن وفى السنة النبوية،هو السير إلى قتال العدو، إذا ما سار بقواته واستهدف المسلمين، أو أعلن ذلك، أو توقع منه المسلمون ذلك. والغزوة تطلق على القتال الدفاعي الذي كان فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم. والمغازي تعني مناقب الغزاة وفضائلهم، والأصل في الغزو أن يكون ضد عدو متربص، وليس ضد الآمنين.

وتابع أبو ليلة قائلا «إن غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حوالي 26 أو 27 غزوة، وقد قاتل النبي في تسع منها فقط»، لافتا إلى أن المسلمين في غزواتهم كانوا هم المعتدى عليهم دائما، وقد تجلت أخلاق الإسلام خلال هذه الغزوات، سواء في القتال، أو في معاملة الأسرى. أما الدكتور عبد الحكم الصعيدي الأستاذ في جامعة الأزهر، فقد اعترض بشدة على هذا المقترح، واصفا إياه بأنه كلمة حق أريد بها باطل، مبررا ذلك بأن تسمية الغزوات في التاريخ الإسلامي أطلقها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان يقول لأصحابه: «اغزوا على بركة الله»، وكان يزودهم بالنصائح، ذلك لأن الحرب في الجاهلية كان يطلق عليها «الغارة»، وهذا يعنى قطع الطريق والتلصص، فلما جاء الإسلام، كان لا بد له أن يحمي نفسه بأن يكون هناك جانب دفاعي.

وقال «إن «الغزوة» مصطلح في التاريخ الإسلامي يدل على تلك الموقعة الحربية التي حضرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سواء شارك فيها، أم لم يشارك»، مشيرا إلى أن هذه التسمية قد انقطعت بانتقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الرفيق الأعلى؛ فسميت بعد ذلك جميع المعارك بالفتوحات الإسلامية.