مع التحية لوزير الثقافة والإعلام

د. عائض القرني

TT

التغيير الوزاري الذي قام به خادم الحرمين الشريفين ليس تقليدياً وإنما أتى تجديداً وتصحيحاً وإصلاحاً، وقد وفد وزير الثقافة والإعلام ضمن هذا التجديد والتصحيح والإصلاح، وما أجمل أن يكون وزير الإعلام أديباً وشاعراً ومثقفاً وخلوقاً، وكذلك هو الدكتور/ عبد العزيز خوجة، فقد عرفته من قرب وجلست معه ووجدت سعة المعرفة وأدب الحوار، ورحابة الصدر، ودماثة الخلق، ونحن ننتظر من الوزير الجديد إعلاماً مرشداً يحمل رسالة ويصلح مسيرة، ويبني أمة، ويحقق أهدافاً، ويؤلف قلوباً، ويحمل خطاب التصالح لا التفاضح، والتسامح لا التقابح، يبني جسوراً مع الأحباب ولا يبنى على التنابز بالألقاب، يرسخ المودات ولا يصنع العداوات، يقوم بمشروع تطبيع العلاقة بين الراعي والرعية والفرد والمجتمع والأب والابن والزوج والزوجة، يبتعد عن التخوين والإدانة، ويرفع منار الديانة والأمانة، إعلاماً يعبر عن مكانتنا العالمية الربانية، مكانة التشريف والتكليف التي ينتظرها منا العالم، فنحن في مهبط النور ومولد الحق ومهد الرسالة ومنطلق المعرفة، نحن الأمة الوسط والأمة الشاهدة والعادلة والخاتمة، لا تليق بنا المؤخرة ولا الهامشية ولا الإهمال، إعلاماً جميل القالب والمضمون، والشكل والمحتوى، والفكرة والإبداع، والمظهر والمخبر، آن لنا أن نخاطب العالم من مقام المسؤولية والحرص والأخوة الإنسانية والواجب الشرعي، فقد خاطبنا أنفسنا كثيراً واشتغلنا بذواتنا طويلا، وجلدنا ذواتنا بسياط التقريع واللوم والتحسّر، وعسى أن نبتعد في إعلامنا عن الإسراف في التغنّي بالمجد السابق إرضاءً لغرورنا أو التعالي على الأمم بالإفراط في ذكر خصوصيتنا في صفاتنا وأشكالنا وألواننا وزماننا ومكاننا «بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ»، آن لنا أن نغمد خناجر التجريح ونسلّ أقلام المصافاة والبناء، وآن لنا أن ندفع بالتي هي أحسن وأن نجعل اللين مكان الغلظة، والرفق مكان الفظاظة، والثناء مكان الهجاء، والتواصل مكان القطيعة، ولعل في وصول الوزير الشاعر الأديب المثقف نهاية لأعمدة السب والشتم والغيبة والنميمة والقذف في صحفنا ليكتب محلها الحب والسلام والرحمة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وإلهاب الهمم للمجد، وإذكاء العزيمة إلى المعالي، وتكوين الإنسان السوي والمجتمع الراشد، والأمة الراقية الملهمة، وآن لكتّاب داحس والغبراء، وعبس وذبيان، ونقائض الفرزدق وجرير أن يبدؤوا مرحلة جديدة، مرحلة الوفاق والعناق وحسن الأخلاق، واحتضان الأصدقاء والرفاق، نريد إعلاماً يحمل لساناً صادقاً، وقلماً بريئاً، وقلباً طاهراً، وفكرة راشدة، وأسلوباً جميلا، ورسالة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والعمق والبساطة، والمحلية والعالمية، ننتظر التجديد لا التقليد، والتميز لا التبعية، والثريَّا لا الثرى، ولنهجر التراشق بالتهم واستعداء السلطة على المخالف، واستعداء الجمهور على الخصم، فالحكم هو الدليل، والفيصل هو البرهان، ولتبدأ مدرسة التنوير بالكتاب المستنير وسنة البشير النذير، ولتنتهِ مدرسة الصراخ والضجيج والغوغائية وهوشة الأسواق وصياح الحراج، ويحل محلها صوت الضمير، وخطاب الحكمة، وروعة الحوار، وحسن التواصل، وقوة الحجة وسمو الغاية، ولنودع جميعاً المبالغة المقيتة والهجاء المر وتزوير الحقائق والتغني بما لم تصنعه أيدينا ولم تنتجه عقولنا ولنسعَ في مشروع التوحيد والوحدة الذي شاركنا جميعاً في بنائه قبل مئة عام:

*يوم من الدهر لم تصنع أشعته - شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا ولإعلامنا القادم ميزة التميز والتفرّد لأنه يحمل الميثاق الرباني والهدي النبوي، والتاريخ المشرق، والمسيرة الحضارية، والسجل الحافل من رموز الإصلاح والتجديد والبناء والتضحية، ولنطمئن العالم أن لهم حق المعايشة السلمية والإخاء الإنساني وحق العيش معنا على هذا الكوكب لنتعارف ولا نتنكر، ولنتواصل ولا نتقاطع، ولنتعاون ولا نتحارب، ولنبنِ ولا نهدم، وشعارنا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».