مكتبة الغازي خسرف بك تكمل فهرسة المجلد الـ16 من كنوز المخطوطات لديها

مصطفى يحييتش لـ «الشرق الأوسط» : الحفاظ على المخطوطات حفاظ على الذاكرة

توثيق المخطوطات من أهم نشاطات مكتبة الغازي خسرف بك («الشرق الأوسط»)
TT

أشرفت مكتبة الغازي خسرف بك، على إكمال فهرست جميع المخطوطات لديها والتي تناهز العشرة آلاف مخطوطة. وهي بصدد البدء في مشروع جديد يتمثل في فهرست جميع المخطوطات الموجودة في البوسنة، والمتفرقة في عدد من المكتبات، مثل المكتبة الوطنية، ومكتبة معهد الاستشراق، والمكتبة العامة. وقال الدكتور مصطفى يحييتش مدير مكتبة الغازي خسرف بك لـ«الشرق الأوسط»: «نشرنا المجلد السادس عشر، ولم يبق سوى المجلد السابع عشر والثامن عشر وبذلك ننهي فهرست جميع المخطوطات التي لدينا في المكتبة وعددها 9381 مخطوطة». وأشار إلى أن «فهرست المخطوطات صعبة جداً، فنحن نفهرس المخطوطات مع وجوب وضع المعلومات الأساسية عنها، مثل لغة المخطوطة والعنوان والمؤلف والموضوع، أي فهرسة موضعية، أي بطاقة هوية خاصة بالمخطوطة». وذكر أن هناك بعض المخطوطات الناقصة كأن «تكون بدون مؤلف أو ناقصة في بدايتها أو نهايتها أو غير مقروءة بسبب صعوبة الخط الذي كتبت به، فالكتابة باليد أصعب من الحروف المرقومة». وعن كيفية التعامل مع المخطوطات الناقصة، قال «نعود للفصول فنعرف الناقص منها وقد سبقنا الغربيون في هذا الفن، وللأسف هناك آلاف المخطوطات في العالم الإسلامي غير محفوظة وغير مفهرسة فنحن لا نعلم ماذا لدينا وأنا متأكد من أن هناك مخطوطات نادرة أو فريدة من نوعها تتعلق بفروع العلوم الإسلامية لا نعرف عنها شيئا وعن مؤلفيها».

وأوضح الدكتور يحييتش أن «هناك مخطوطات جديدة تفد إلى المكتبة كانت في المكتبات الخاصة، بغرض الحفاظ عليها وتسجليها وفهرستها، وبذلك يتجاوز عديد المخطوطات العشرة آلاف مخطوطة وبها 20 ألف عنوان». وتوقع يحييتش أن تتم فهرست جميع المخطوطات العام المقبل 1431 هجرية 2010 ميلادية «بعون الله سننتقل إلى المقر الجديد للمكتبة نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل، وهو موعد إكمال فهرست جميع المخطوطات». وعن المبنى الجديد، قال «هناك أعمال داخلية نتوقع الانتهاء منها هذا العام، وهناك المرحلة الثانية وهي تجهيز المكتبة، وهي بذلك أول مكتبة متخصصة، فالمكتبات في البوسنة ومنطقة البلقان، تشغل مباني ليست معدة لهذا الغرض، أي إنها بنيت لأغراض أخرى وتم استخدامها كمكتبات». وضرب مثالا على ذلك بـ«المكتبة الوطنية التي كانت في بلدية سراييفو وهي الآن في أحد مباني الجيش، وفي المدن الأخرى توجد المكتبات في أماكن غير مناسبة أو بنيت لأغراض أخرى كما أسلفت» ويعد «المبنى الجديد لمكتبة الغازي خسرف بك من أحدث المباني الخاصة بالمكتبات. وهو مبنيّ بشكل يحافظ فيه على الكتب ولاسيما المخطوطات من العوامل الطبيعية وغيرها مثل الحفاظ فيه على درجة حرارة معينة، وضبط درجة الحرارة، والوقاية من الرطوبة، والحماية من الحرائق، إضافة لاشتماله على أقسام جديدة متطورة جداً لتصوير الكتب والمخطوطات عبر الميكروفيلم وهناك تصوير ضوئي ورقمي، كما هناك قسم ترميم الكتب والمخطوطات وفق الطرق الحديثة».

وأشاد الدكتور يحييتش بالتعاون القائم بين مكتبة الغازي خسرف بك والمراكز المتخصصة في العالم الإسلامي والمؤسسات الإسلامية في الغرب مثل، مؤسسة الفرقان في لندن ومركز جمعة الماجد (مركز الدراسات الإسلامية) «هذا المركز زودنا ببعض المواد والمعدات والأجهزة، كما استقبل شخصين أرسلناهما للتدريب في المركز على ترميم المخطوطات». وعن أهمية فهرست المخطوطات، قال «فهرست المخطوطات من أهم الأعمال المكتبية، والحفاظ عليها حفاظ على الذاكرة الثقافية وترميمها بمثابة استعادة لتلك الذاكرة» وعن التعامل مع المخطوطات قبل الحرب قال «قبل الحرب لم تكن لدينا مخطوطات مفهرسة، أما الآن فالكثير من المهتمين في العالم يعرفون ما لدينا من مخطوطات، ويستطيع أي باحث الحصول على أي مخطوطة يطلبها للبحث العلمي سواء عبر البريد أو البريد الإلكتروني أو يزورنا ويحصل عليها مباشرة، وأريد هنا الإشادة بالمساعدة الكبيرة التي تلقيناها من مؤسسة الفرقان للحفاظ على التراث الإسلامي، وتتمثل في المساعدة على فهرست وتصوير المخطوطات». وكشف عن وجود مشروع جديد للمكتبة يتمثل في التعاون مع مؤسسة الفرقان لفهرست المخطوطات الإسلامية في المكتبة الوطنية البوسنية وأرشيف سراييفو في معهد الاستشراق «نحن نريد فهرست المخطوطات الإسلامية كلها في البوسنة وتصويرها، فمكتبتنا تعد أهم رصيد من المخطوطات الإسلامية والمطبوعات بمختلف اللغات ولاسيما العربية والتركية والفارسية والبوسنية، كما تحتوي المكتبة على المطبوعات الحديثة أيضاً». وعن نوعية المخطوطات الموجودة بمكتبة الغازي خسرف بك قال «المخطوطات الموجودة لدينا في مختلف أوجه المعرفة الإسلامية منها الفقهية والتفسير والتوحيد ولدينا أرشيف الأوراق التاريخية المتعلقة بتاريخ البوسنة في ظل الخلافة العثمانية وعندنا المطبوعات البوسنية القديمة بالحروف اللاتينية بعد انحسار ظل الخلافة وعندنا الدوريات البوسنية القديمة وأقدمها باللغة التركية ثم البوسنية، وكل هذه الأرصدة موجودة وأهمها تلك المتعلقة بالعلوم الإسلامية وبتاريخ البوسنة وبالتاريخ الثقافي الإسلامي». وعما تمثله المكتبة قال «هي جوهرة التراث الإسلامي البوسني الخاص والعام وفي نفس الوقت ذاكرة البوسنة الثقافية والتاريخية، ولذلك نعتقد بأنه علينا الحفاظ عليها وصونها، صحيح أن هناك مكتبات كثيرة في أوروبا تحفظ التراث الإسلامي، ولكن هذه المكتبة كتب معظم ما تحتويه هنا في البوسنة». وأضاف «البوسنيون كانوا يكتبون باللغات الثلاث فيما يتعلق بالدين والشعب والأرض» وعن المخطوطات التي وصلت إلى المكتبة من الخارج ذكر يحييتش أن «بعض المخطوطات وصلت عن طريق الطلاب الذين كانوا يدرسون في البلاد الإسلامية في الأزهر واسطنبول، كما وصلت مخطوطات أخرى عن طريق الحجاج، وكما أسلفت أغلب المخطوطات في العلوم الإسلامية ثم اللغة العربية ثم التركية، فقد كانت اللغة العربية لغة الفقه، والتركية لغة الإدارة، والفارسية لغة الشعر». وعن مدى استفادة الأجيال الحاضرة من مخزون المخطوطات الموجودة في المكتبة، قال «المخطوطات هي سجل المحفوظات للأجيال الحاضرة والقادمة، لمعرفة الجهد الذي بذله القدامى في مختلف المعارف، وطريقة حلهم للمشاكل التي اعترضتهم، وهي تراكمات لا غنى عنها في استخلاص العبر وإمعان النظر لتحقيق الإضافة المطلوبة». وأشار إلى وجود باحثين شباب يستفيدون من المخطوطات سواء من داخل البوسنة أو خارجها حيث يمكن الوصول لأي مخطوطة يتم طلبها في وقت قياسي جدا «كل مجلد يحتوي على محفوظات وكل محفوظة تحتوي على معلومات عن المخطوطات عنوانها وفصولها وكاتبها وتاريخها، وعندما يردنا طلب، نعرف أين توجد المخطوطة المطلوبة، كما بإمكان الباحث معرفة ما لدينا من مخطوطات من خلال الفهرسة، وكثيراً ما تأتينا طلبات لتحقيق مخطوطات معينة، ومنها طلب من أحد طلاب الدراسات العليا من جامعة الإمام في الرياض، حول مخطوطة في الفقه الإسلامي، كما تأتينا طلبات من باحثين أتراك وكذلك من قبل غربيين». وعن الفترة المحددة للاستجابة لطلبات الباحثين والطلاب وما كان عليه الوضع في السابق قال «أي باحث أو شخص يمكنه الحصول على طلبه خلال يوم واحد، أما سابقاً فكان على الباحث المجيء إلى البوسنة، والبحث بين ركام المخطوطات في غرفة فيها 10 آلاف مخطوطة، ونحن الآن لدينا قاعدة معلومات في المكتبة وعلى شبكة الإنترنت وبالتالي يمكن للباحث العثور على ما يريد في وقت قليل، وقد زارنا بعض الإخوة العرب يسألون عن بعض المخطوطات وبعد أن شربوا معنا القهوة وهموا بالانصراف زودناهم بنسخ من طلباتهم». وعما إذا كانت مخاوف فقد المخطوطات لا تزال قائمة، أكد بأن «المخطوطات الآن في أمان، فبعد تصوير المخطوطات ونقلها للإنترنت لم تعد هناك مخاوف من فقدها، حتى لو تعرضت لكارثة طبيعية فستظل موجودة في أماكن مختلفة حتى خارج البوسنة يمكن الاستفادة منها». وعما تمثله المكتبة بالنسبة للنخبة في البوسنة وأجيالها، قال «هذه المكتبة بالنسبة لنا في البوسنة جوهرة هويتنا الإسلامية، هنا تراثنا الإسلامي، وهنا نتعلم من تاريخنا ونستفيد من تراثنا، هنا ذاكرتنا الثقافية، وهنا مخطوطات كتبها بوسنيون، هنا شهادات تجذرنا في هذه الأرض منذ عدة قرون، وجودنا المادي ممتد إلى عصور سحيقة، وتشربنا للروح الإسلامية مر عليه قرون». ويعتبر الدكتور مصطفى يحييتش المكتبة بطاقة هوية موثقة ومصدقة بالمخطوطات ففي أثناء الحرب قيل لهم «أنتم أتراك ارجعوا إلى وطنكم، وأنا متأكد أنهم دمروا كل شيء وفي مقدمة ذلك المساجد والمدارس والمكتبات في محاولة لتدمير ذاكرتنا وهويتنا، وبالتالي وجودنا الشرعي، فنحن هنا قبل أن يزحفوا إلى منطقة البلقان في القرن التاسع الميلادي ويحولوا البلقان إلى برميل بارود» وتابع «نحن هنا لثبت تاريخنا فمن ليس له ماضٍ ليس له مستقبل».