جماعة «شهود يهوه» تستهدف المسيحيين قبل المسلمين.. والتميمي: إنهم جماعة صهيونية

المسيحيون في فلسطين ينفون اتهامات بالتبشير ويقولون إنهم مستهدَفون في عقيدتهم

بعض الملصقات ذات الصبغة الدينية بدأت تنتشر على بعض جدران المباني والمحلات التجارية في بعض مدن الضفة الغربية («الشرق الأوسط»)
TT

في فلسطين، تعتبر العلاقة بين الديانتين المسيحية والإسلامية، في أفضل حالاتها. وفي مدينة مثل بيت لحم (مهد المسيح)، يعيش المسلمون والمسيحيون، في أحياء واحدة، يتجاورون، ويعملون معا، ويشكلون صداقات تدوم العمر كله.

وعلى مدار عدة عقود من الاحتلال، تعمقت هذه العلاقة، ولم يكن سهلا إبان الانتفاضة الأولى أن تميز بين المسلمين والمسيحيين، إلى الحد الذي كانت فيه العائلات يشارك بعضها بعضا في الأعياد المختلفة والمناسبات الدينية والأفراح والأتراح والجنازات. وعلى الرغم من أن هذه العلاقة ظلت متقدمة وجيدة، فإن ظهور تيارات متشددة في الجانبين، ساعدت على نمو بعض الحساسيات لدى أبناء الديانتين. وشيئا فشيئا، صار أمرا عاديا، أن تشاهد رموزا دينية بارزة، تنتشر فوق أسطح المنازل وفي الطرق، وبعضها ينقل من الكتب المقدسة آيات للمارة.

ومع مرور الوقت، انتشرت عشرات المؤسسات الإسلامية والمسيحية، التي أخذت على عاتقها تعزيز الانتماء إلى الدين ونشر رسالته، وتميزت ربما المؤسسات المسيحية، عبر محاولة تشجيع المسيحيين على البقاء في الأراضي المقدسة، عبر توفير فرص جيدة لهم للعمل، والدراسة، والمسكن، وتقديم مساعدات مالية سخية، لكن دون أن تتورط مثل هذه الجمعيات في محاولة «التبشير».

ولم تشهد العلاقات الإسلامية المسيحية «توترا»، على مدار تاريخها، مثل ذلك الذي صاحب ردّات الفعل التي كانت ترافق حوادث قليلة، كان يُكشف فيها عن نية أحد ما يريد أن يتحول إلى دين آخر. وتلك حوادث لم تكن بفعل التبشير، بل بفعل العلاقات الاجتماعية التي كانت تنتهي إلى زواج مسلم بمسيحية أو العكس. وهي إشكاليات، تدخّل فيها شخصيا الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي أمر المحاكم والكنائس بعدم المصادقة على أي زواج من دين آخر «حفاظا على النسيج الاجتماعي».

لكن جماعة مسيحية شذّت أخيرا عن هذه القاعدة، إذ ينشط شبان وفتيات من جماعة تعرف باسم «شهود يهوه»، يذهبون إلى المنازل والمحلات والأماكن العامة، يبشرون بـ«الحقيقة» كما يقولون، ويدعون الناس إلى دروس مجانية في الكتاب المقدس.

يقولون إنهم رسل الله إلى الناس، وقد اختارهم الله ليخلّصوا الناس من شر أنفسهم. وقال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «نحن صوت الله». ويرى هذا «المبشر» أن الأديان الأخرى، تخطيء عندما تقول للناس إن المصائب التي تصيبهم هي مشيئة الله، بل إنها ـ كما يقول ـ من فعل الناس الذين لا يتبعون الله. وتابع: «الله أرسلنا لنجلب للناس السعادة ونعلمهم كيف يصلّون وكيف يستجاب لهم».

وأثار الدكتور حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في حكومة غزة، جدلا، باتهامه الحكومة الفلسطينية في رام الله، بأنها تدعم جهات نصرانية، تقوم بأعمال تنصير في الضفة الغربية.  لكن الجوجو لم يتطرق إلى جماعة «شهود يهوه» بل إلى جمعية مسيحية معروفة. ودعا الجوجو، إلى أن يتداعى جميع الدعاة المسلمين للتصدي لهذه الأعمال، وأن يصدروا بيانا وموقفا في مثل هذه القضايا الحساسة.

وراح الجوجو ينتقد رجال الدعوة في الضفة الغربية «لسكوتهم غير المبرر على مثل هذه الأعمال». وقال: «الأصل أن يقوم رجال الدعوة بواجبهم، وأن لا يرتموا في أحضان السلاطين، ولكن ليس غريبا عليهم أن يسكتوا عن هذه الأعمال، وقد سكتوا سابقا».

 كما وجّه الجوجو انتقاده إلى علماء قطاع غزة لغيابهم عن مثل هذه القضايا وتغييب رابطة علماء فلسطين، ورابطة الجامعة الإسلامية، وعدم إصدار فتوى وموقف واضح منها.

إلا أن الشيخ تيسير التميمي، قاضي قضاة فلسطين، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يوجد في الأراضي الفلسطينية، أي عمليات تنصير. وأضاف: «بل بالعكس، نحن نعاني من نقص في عدد النصارى بسبب هجرتهم إلى خارج البلاد». وتابع: «نحن ننظر بقلق إلى تناقص عدد المسيحيين لأن هذا لمصلحة الإسرائيليين الذين يعملون على التفوق الديمغرافي». وقلل التميمي من أهمية تعليق لافتات تحمل آيات من الإنجيل، وقال: «هذه لا تؤثر أبدا، وهناك احترام متبادَل، ونحن نعاني من ويلات الاحتلال معا، والعهدة العمرية نظمت العلاقة بين المسلمين والمسحيين، وآمنت المسيحيين على كنائسهم وصلبانهم».

واعتبر التميمي أن الجوجو، الذي وصفه بأنه منشق عن المحاكم الشرعية وقد سيطر على المحاكم بالقوة مستغلا حالة الانقسام، «وظف الإسلام في تكريس الانقسام، وهو يوظفه الآن لضرب الوحدة بين المسلمين والمسيحيين».

وتابع: «هذا خطاب غير فلسطيني وغير إسلامي». أما حول جماعة «شهود يهوه»، فقال التميمي: «هذه جماعة صهيونية وليست مسيحية، ومنبوذة من كل الطوائف المسيحية ويعملون لصالح الحركة الصهيونية، والدين المسيحي منها براء». ومن جهته أكد ديمتري دلياني رئيس التجمع الوطني المسيحي، أن الجمعيات التي اتهمها الجوجو بالعمل على التنصير، هي «جمعيات مرخصة ومراقبة، وأداؤها تربوي اجتماعي تعليمي».

وقال دلياني لـ«لشرق الأوسط»: «ليس من تخصص الجمعيات نشر الدين، هذا من تخصص الكنيسة، لكن أي كنيسة لا تمارس التنصير في فلسطين». وأضاف: «هذا الجوجو لا يدري ما يقول» . وتعقيبا على اللافتات المسيحية التي تنتشر في الشوارع قال: «هذا ليس هدفه تحويل الدين بل نشر للفكرة، وهناك فرق كبير بين نشر رسالة والعمل على تغيير دين الآخر». ومضى يقول: «أنا ما سمعت أن أحدا ترك دينه بسبب لافته في الشارع». وهاجم دلياني جماعة «شهود يهوه»، وقال إنهم «لا ينتمون إلى الديانة المسيحية، هؤلاء ليسوا مسيحيين، هؤلاء يحملون نعرات صهيونية، ولديهم أهداف خطيرة».

ويرى دلياني أن هذه الجماعة، تهدف أولا إلى إخراج المسيحيين من كنائسهم، قبل أي أحد آخر. وقال دلياني: «إنهم يستهدفون العقيدة المسيحية، ويعملون على تهجير المسيحيين من الأراضي المقدسة». ولا يؤمن «شهود يهوه» بالثالوث المقدس لدى المسيحيين، ولا بكثير من العقيدة المسيحية، وتُعتبر جماعة متشددة. وتعمل الكنائس على توعية المسيحيين وتحذيرهم من هذه الجماعة. وتتفق الكنائس على أن هذه الجماعة لا تمت إلى المسيحية بصلة، بل إن الكنائس شكلت مجموعات من الشبيبة المسيحية للتصدي لجماعة الشهود.