كيف نقرأ القرآن ولا نسيء تفسيره؟

TT

مجموعة من المقاتلين العرب تقود طائرات مختطفة لتصطدم بها في أبراج إدارية، ومجموعة من المهاجرين الأكراد تنحر فتاة من أجل الشرف، وأحد الملالي الإيرانيين يصدر فتوى بقتل روائي يكرهه.

تعقب كل واحدة من تلك القضايا، وآلاف القضايا الشبيهة أسابيع وأشهر، وربما سنوات من الجدال في العالم حول سؤال واحد: هل الإسلام وتشريعه الأساسي القرآن يقر هذه الأعمال؟

ذلك النوع من النقاش والجدال حول النصوص قديم بقدم الحضارة ذاتها، بل ربما يمكن القول بأن فن الجدال قديم بقدم فن الكتابة ذاتها. فقد سجلت في الماضي أدلة لذلك على لوح صلصال كما هو الحال في الحضارة السومرية وعلى أوراق البردي المصرية، أو كما هو الحال اليوم على صفحات الويب في فضاء الإنترنت، حيث تتحول فكرة ما إلى تحدٍ ودعوة. فهي تتحدى الرؤى غير المكتوبة منها، وتقوم في الوقت ذاته بدعوة الأفكار الأخرى لمقارنة أنفسها بها.

بيد أن النص قد يتعرض للبتر أو تحميله ما لا يحتمل أو تحريفه لدى الاقتباس منه، وفي هذه الحالة يصبح سلاحا فيما اعتدنا أن نسميه بـ«صدام الحضارات».

قد لا يوافق البعض منا على وجود ذلك الصدام، لكن المفكر الإسلامي سيد زاهور أحمد يعتقد أننا نمر بذلك الصدام فقال: «هناك، بالفعل، صدام حضارات وثقافات تدور رحاه الآن». بيد أنه يوضح أن هذا الصدام متعدد الأبعاد: فهو ليس مقصورا على الإسلام وغير الإسلام، ففي كثير من القضايا يكون الصدام بين الطوائف الإسلامية ذاتها».

ولا يدعي أحمد أنه يرغب في إنهاء هذا الصدام أو أن يقوده إلى اتجاه معين، فتلك أمور يجب أن تأخذ مسارها الطبيعي الذي لم يحدد بصورة مسبقة على الإطلاق. أما طموح أحمد فهو أكثر تواضعا وطموحا لأنه لا يدعي اكتشاف مفردات السلام، لكنها طموحة في الوقت ذاته لأنه يحاول استعادة كرامة النص وتمكينه من الاضطلاع بدوره الصحيح كموجه عام للمؤمن وغير المؤمن.

جاءت أفكار أحمد على هيئة كتاب يتجاوز الثلاثمائة صفحة، يقدم فيها بصورة مباشرة النصوص القرآنية في عدد من القضايا الجوهرية (التي يسميها أحمد «ملامح» بدلا من قضايا)، فكتابه «ملامح القرآن» سيطرح في أسواق الولايات المتحدة وأوروبا أواخر هذا الشهر.

تعرض الملامح الثلاثة الأولى في الكتاب تقدمة موسعة للإسلام كدين، أما الملمح الرابع فيتناول علاقة الإسلام بالأديان الأخرى، خاصة الديانات السماوية كاليهودية والمسيحية، ثم يأتي بعد ذلك ملمحان يتناولان بنوع من التفصيل المجتمع المسلم ومفهوم الإسلام «للعدالة الاجتماعية» والذي، إن لم نكن قد جانبنا الصواب، المفهوم العلماني بالأساس. يفرد بعد ذلك ملمحا بذاته للنساء، التي كانت قضاياهن على الدوام مثار جدل في كل الحضارات، لكنها برزت في الإسلام بوجه خاص الذي اتهم على الدوام بكراهيته للنساء.

أما الملمحان الأخيران فيتناولان القضايا الشائكة لما يسمى بصدام الحضارات الحالي سواء أكان ذلك حقيقيا أم محض خيال، وقام بتعريف الجهاد وأهدافه وموقف السلام من الإرهاب.

ينحدر أحمد من عائلة عريقة من القضاة الشرعيين في بنغالور بالهند، وقد نجح في شيء لم يتقنه سوى عدد قليل من المناظرين سواء أكانوا من المتدينين أم لا هذه الأيام، فلم ينخرط في غمار النقاشات المتعنتة التي يتمسك كل فيه برأيه.

وفي مقدمته يسوق بعض الأمثلة على هذا التعنت في الرأي الذي يفضي إلى نتائج مدمرة، وبرهن كيف أن بإمكان الفرد أن يحصل على نتائج مختلفة من خلال السبل المختلفة للاستشهاد بآيات القرآن الكريم.

لن ينهي كتاب أحمد «الصدام»، كما أنه لن يزيل اللبس في الفهم أو أن يقدم حلولا لمشكلاتنا، لكنه يقدم لنا مرجعا منهجيا لقضايا متنوعة يمكن من خلالها الكشف عن الاستشهاد الكامل لأي آية من القرآن الكريم. تلك الطريقة شيقة لأنها تساعد في تشكيل سياق من النص والمعاني الضمنية، فلم نعد نعاين استشهادا بجملة بمفردها حول قضية معقدة، لكنه يقدم كل الإشارات التي تضمنها القرآن حول ذات القضية. فعندما يتم اقتباس عبارات بذاتها، خارج سياقها تبدو الكثير من المواقف التي تعزى إلى الإسلام ربما تبدو غريبة. بيد وضع تلك الكلمات في سياقها كما في كتاب أحمد التحليلي فإن العديد من تلك الآيات حول نفس الموضوع تدعم تفسيرا آخر في سياق الآية ككل تقضي على ما يبدو من تناقضات فيها. من الخطأ أن يحمل الكتاب على أنه اعتذار عن الإسلام الحقيقي مهما كانت معانيه، ونحن بالفعل لدينا العديد من ذلك والعديد من الأشخاص الذين يدعون أن فهمهم وحدهم للإسلام هو الصحيح.

محاولة أحمد المتواضعة قيمة للغاية لأنها لا تهدف أن تكون أكثر من موجّه للمواقف الإسلامية، والطريقة التي تقرأ بها النص القرآني تقدم، والأهم من ذلك، الطريقة التي تفسر بها هذه الآيات.