تقييد الحج بسبب إنفلونزا الخنازير يثير جدلا بين علماء الأزهر

بعضهم اعتبره مجرد تهويل.. وآخرون دعوا إلى التحوط

الحجاج.. وضرورة التطعيم من إنفلونزا الخنازير
TT

أثار التطبيق الفعلي لقرار منظمة الصحة العالمية بمنع كبار السن والسيدات الحوامل والأطفال في مصر من الذهاب لأداء مناسك الحج جدلا بين علماء الأزهر حول حكم الشرع في هذا القرار الذي ينال من العبادات والشعائر الدينية، ففيما يرى فريق من العلماء أن الحج عبادة، وركن من أركان الإسلام واجب على المسلم المستطيع، وأن الحديث عن خطر الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير أمر فيه تهويل، خاصة أن هذا المرض لم ينتشر كوباء عالمي، يرى فريق آخر أن قرار منظمة الصحة العالمية يتفق مع الشريعة الإسلامية باعتبار أن الحفاظ على حياة الإنسان مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، وأن من يخالف ذلك يعد ملقيا بنفسه إلى التهلكة.

كان المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة قد عقد اجتماعا منذ شهرين بحضور عدد من وزراء الصحة في دول شرق البحر المتوسط الذين وافقوا من خلاله على «تقييدات» تشمل كبار السن فوق 65 عاما من أداء فريضة الحج، وكذلك الأطفال أقل من 12 عاما، والمرضى بأمراض مزمنة. وعلق الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر على هذه التقييدات قائلا «إننا نؤيد قرار وزراء الصحة العرب بفرض هذه القيود لأنهم هم أهل الاختصاص في هذه المسألة وهم الذين يعلمون بما لديهم من خبرة وعلم في هذا المجال مدى خطورة وضرر الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير». مضيفا أن الشريعة الإسلامية جاءت بنصوص وقواعد شرعية تؤكد على أهمية المحافظة على صحة الإنسان وحياته وعدم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة.

وأشار شيخ الأزهر إلى أن هذه القواعد الشرعية تنص على أنه «لا ضرر ولا ضرار» وأن «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة» لا يختلف عليها العلماء، وبالتالي فإن اتخاذ هذه الإجراءات لمنع الضرر والحفاظ على صحة المسلمين أمر شرعي أوجبته الشريعة الإسلامية.

وقال الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية إنه إذا كان وباء مرض إنفلونزا الخنازير شديدا أصبح الذهاب إلى الحج من الأمور المساعدة على انتشار هذا المرض، واعتبر ذلك بمثابة الإلقاء بالنفس إلى التهلكة لأن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، كما قال بذلك الإمام العز بن عبد السلام. ولفت مفتي مصر إلى أنه قد تم تأجيل الحج أكثر من مرة في التاريخ، ودعا المسلمين في العالم كله إلى توخي الحذر والالتزام الكامل بنصائح وإرشادات الوقاية الصحية التي تصدرها السلطات الوطنية في ذلك الخصوص، والتشديد في تنفيذ هذه الإجراءات الصحية.

ومن جانبه قال الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الحفاظ على حياة الإنسان مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، وتطبيقا للقاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار»، فإن الحفاظ على النفس البشرية أصل من الأصول التي بني عليها التشريع الإسلامي، مؤكدا أن الإفتاء بتأجيل الحج أو إلغائه في حالة تفشى إنفلونزا الخنازير عالميا وتحوله إلى وباء هو لون من الالتزام بالوصايا والتعاليم الإسلامية الداعية إلى الحرص الدائم والمستمر على البعد عن مسببات نقل أو انتشار هذا الوباء، لأن في عدم الالتزام بتعاليم الإسلام في هذا الشأن «تعريض النفس للتهلكة»، لافتا إلى أن إنفلونزا الخنازير مرض انتشر في العالم كله، وأن الحجاج يأتون من العالم كله ومن كل فج عميق، وبالتالي فإن احتمالات الإصابة تكون كبيرة في حالة المخالطة بين الحجاج الأصحاء، مؤكدا على ضرورة التزام الحجاج بالاشتراطات الصحية قبل مغادرتهم بلادهم وحتى عودتهم إليها.

وأضاف أن السفر إلى البلاد التي يخشى فيها من الأوبئة الضارة بصحة الإنسان وتؤدى لتهلكته مخالف للشرع، ويندرج تحت من يعرض نفسه للتهلكة عملا بقول الله تعالى: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى أنه إذا وقع الطاعون في بلد ألا ندخله، وإذا وقع ونحن فيه ألا نخرج منه، وبالتالي فإن الإنسان مأمور شرعا بالحفاظ على صحته وصحة مجتمعه الذي يعيش فيه. وقال إن أحكام الشرع الإسلامي يقصد بها تحقيق مصالح الإنسان، وأي أمر يؤدي إلى الإضرار بالفرد أو الجماعة تمنعه شريعة الإسلام شأنها في ذلك شأن الشرائع الإلهية الأخرى. وقال الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق في جامعة الأزهر، مقرر لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية: إن استثناء القرار الذي اتخذه الوزراء في منظمة الصحة العالمية مجموعة معينة من الذهاب لأداء فريضة الحج والعمرة هذا العام ليس له مبرر. وقال متسائلا: كيف نتصور هذا الأمر لو انتشر وباء إنفلونزا الخنازير فهل سيستثني أحدا؟، وهل سيصيب طائفة دون أخرى. وأكد الدكتور عثمان أن وباء إنفلونزا الخنازير شأنه شأن أي مرض آخر يصيب كل إنسان وهو عام في ضرره. ويرى الدكتور عثمان أنه طالما ثبت لدى الأطباء ضرر الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير جاز تأجيل أداء مناسك الحج والعمرة وذك لأمرين، الأول أن هناك قواعد عامة في الشريعة الإسلامية كقاعدة منع الضرر «لا ضرر ولا ضرار» فإذا ما ترتب على أي أمر من الأمور ضرر للإنسان فإنه لا يجوز حتى في مقام العبادات، حيث أعطى الشرع الإسلامي رخصة للإنسان لأدائها بطريقة بعيدة عن الضرر، فإذا بين المختصون وعلى رأسهم منظمة الصحة العالمية أن التجمعات التي تحشد أثناء الحج والعمرة تؤدى لانتشار هذا المرض وجعله وباء عاما، فإنه سيكون من أكبر الأضرار، ويكون مبررا لتأجيل الحج والعمرة وأدائه في عام قادم. والأمر الثاني: أن فريضة الحج والعمرة على الرأي القائل بفرضيتها هي على القول الراجح على التراخي، بمعنى أن الإنسان إذا توافرت له الشروط الواجبة في أداء الحج أو العمرة فإنه إذا كان مستطيعا لأداء هذا الفرض في العام التالي فليس عليه شيء في تأجيل الحج والعمرة.

وقال الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة: إن شريعة الإسلام دعت إلى وجوب إقامة الشعائر كاملة، ولكن إذا كانت هناك معوقات فإن الإسلام خفف على أصحاب الأعذار وأمر بالحجر الصحي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فرارا منه». وقد تذكر ذلك الصحابة عندما وقع طاعون عمواس في الشام فلم يدخل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورجع مرة أخرى بسبب هذا الحديث النبوي، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يوردن ممرض على صحيح»، مشيرا إلى أنه استنادا إلى هذا الحديث النبوي قد ذكر في التاريخ القديم أنه قد توقف أداء ناسك الحج والعمرة بسبب الأوبئة العامة التي انتشرت آنذاك. وتابع قائلا: وعليه فإنه إذا أقر الطب بأن الوباء المنتشر بسبب إنفلونزا الخنازير يكون سببا في أذى الحجاج والمعتمرين فليس لنا من خيار إلا استعمال الحجر الصحي ثم التخفيف. بينما قال الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ في كلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر: إن الحج ركن من أركان الإسلام وعبادة لا يجوز تعطيلها، لمجرد الظن أو الخوف من الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير. وأضاف أن أداء فريضة الحج هي لمن استطاع إليه سبيلا، وهى واجبة على المسلمين لأنها تعتبر مؤتمرا عاما للأمة.

وقال إنه يجب على جماهير وعلماء المسلمين أن ينظروا إلى الأمور نظرة واقعية كما علمنا الإسلام، وأنه لا داعي للفزع والرعب عند الحديث عن إنفلونزا الخنازير، وبالتالي فإن الكلام عن منع فئات معينة من الذهاب إلى الحج أو تأجيل الحج وغير ذلك بحجة أخذ الاحتياطات اللازمة أمر مبالغ فيه، أما إذا أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانا يؤكد أن الذهاب إلى الحج محفوف بالمخاطر، وأقر بذلك أطباؤنا حينئذ يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على صحة وحياة الحجاج.

ويتفق مع هذا الرأي الدكتور عمر القاضي الأستاذ في جامعة الأزهر وعضو الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية، مؤكدا أن الحج فرض على المسلمين لتحقيق أهداف عظمى، وتحقيق منافع كثيرة للمسلمين، معتبرا التحذيرات للحجاج من خطر الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير أمرا فيه تهويل، خاصة أن هذا المرض لم ينتشر كوباء عالمي.

وقال القاضي: ليس صحيحا أن من يصمم على أداء فريضة الحج حتى مع الإعلان بأن مرض إنفلونزا الخنازير تحول إلى وباء عالمي يكون قد ألقى بنفسه إلى التهلكة، وذلك لأن الرأي الشرعي في هذه المسألة معروف، وجاء في حديث نبوي صحح «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فرارا منه».

وأضاف أن هذه القاعدة العظيمة في التشريع الإسلامي هي التي حمت وصانت الأمة الإسلامية، وأنه لا داعي أن نرفع درجة الهلع بين المسلمين وإلا ستتعطل عبادات كثيرة.