مفتي توزلا حسين ألازوفيتش : المدرسة هي حجر الأساس للعمل الدعوي الإسلامي

TT

محافظة توزلا اكبر مساحة واكثر سكانا من جمهورية الجبل الاسود، كانت قبل الحرب معقلا كبيرا من معاقل الشيوعيين، وللمقاربة فإن عدد الشيوعيين في البوسنة والهرسك، كان يفوق عددهم في بقية الجمهوريات الأخرى متفرقة، رغم الفارق في عدد السكان، وبعد تلاشي الشيوعية، تحول معظمهم الى حمالين في سوق الامبريالية التي كانوا يحاربونها، مقابل كراس في السلطة، وحفنة من الدراهم، ودعوات لحضور المآدب، واصبح بذلك (الفكر الثوري) زمارا مأجورا يعزف اللحن الذي يختاره من يدفع الثمن. في البوسنة، وفي العالم اجمع، تحول ما يزيد على %95 من الشيوعيين لخدمة الانظمة الرأسمالية، وحتى الذيول الرأسمالية المتمثلة في الانظمة المتخلفة سياسيا، والاحزاب الانتهازية، التي لا تهتم بمصالح شعوبها بقدر اهتمامها بمصالح الاستعمار، الذي تعلق عليه لا على الشعب الآمال في الوصول للسلطة، او الاحتفاظ بها، خاصة في البلاد التي تشرف على انتخاباتها منظمة الامن والتعاون الاوروبي، أي الاستخبارات الاوروبية التي لا تعرف حدودا اخلاقية في تعاملها السياسي، مع الدول الأخرى، ومنها البوسنة والهرسك. مفتي توزلا من الشباب الذين تخرجوا في الازهر، وعادوا بالعلم والرغبة بتغيير مجتمعهم نحو الافضل، ونشر الوعي الاسلامي بين المسلمين، التقينا به في توزلا وكان السؤال الاول عن الموزاييك السياسي في البوسنة والهرسك فقال: نجحنا والحمد لله في اختراق ذلك الجدار النفسي السميك، الذي بنته الشيوعية لتفصل الانسان عن عقائده، وهذا ما جعل الغرب يدعم الاحزاب اليسارية في المنطقة، وقد اعترف الكثير بأنهم كانوا يحرضون على النيل من الاسلام والرموز الاسلامية، مقابل دعم من جهات غربية بما فيها الاحزاب الاشتراكية في اوروبا، لقد اعتمد الشيوعيون على رصيد الارهاب الشيوعي الذي ظل يرعب الناس 50 سنة، ومهمتنا تبدأ بتحرير الناس من الخوف، الشيوعيون القدامى يبحثون في السجلات هل تلقينا نحن اموالا من الخارج، ليدعوا اننا اهدرنا المال العام، وكل ذلك من اجل جعل الناس يكرهون القائمين على امر الدعوة في البوسنة والهرسك، وحصر مظاهر التدين في المسجد، والمسجد فقط، اما في مناحي الحياة كافة فهم يحاربون ذلك، وعند ذلك ينسون حرية التفكير والتنظيم، والتدين، والاعتقاد، ومواثيق الامم المتحدة، ونحن نسعى ان يكون الانسان مسلما كان، او غير ذلك حرا في كل شيء ما عدا العدوان على الآخرين، ومعتقداتهم، ومشاعرهم، هدفنا ان يكون المسلم حرا في المسجد وخارج المسجد، وهم يحاصروننا بالصحف ومحطات التلفزيون التي تمول من الخارج. هناك موزاييك سياسي وعقائدي وقومي في البوسنة والهرسك، وتدخل اجنبي لا مثيل له في العالم، وفي هذه الاجواء نعمل.

* الى أين سيقود هذا السجال؟

ـ التدافع سنة من سنن الله في هذا الكون، نحن الآن نواصل الجهد الذي توقف منذ 500 عام من اجل ان يبقى ابناؤنا مسلمين، ليس امامنا الا المقاومة، والنتائج بيد الله، اعتقد ان الامر لن يصل الى ما وصل اليه في تركيا او في بلاد عربية كثيرة، لكن الاعداء سيضاعفون من جهدهم لابعاد المسلمين عن سياقهم الحضاري النابع من عقيدتهم التوحيدية، هنا سوق، والسوق الثقافية مثل الاسواق الأخرى تحتاج الى عرض وتسويق وجودة وزبائن ودخول في تنافس مع اصحاب المعروضات الأخرى، ولكن هناك بضائع ثقافية هي بمثابة الايدز الثقافي الذي يهدد جهاز المناعة العقائدي وهذا ليس امامنا الا محاربته بكل الوسائل.

* هل المسجد من الوسائل، خاصة وقد اقمتم مسجدا كبيرا في وسط مدينة توزلا؟

ـ كان اول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم، واول بناء شيده كركيزة من ركائز الدولة هو المسجد، ففيه كانت تقام الصلاة، وتناقش فيه قضايا المسلمين، مثل برلمانات اليوم ومنه انطلقت جيوش الفتح، وفيه تربت الاجيال، والمسجد الذي بنيناه يمثل نقطة تحول في توزلا، ومعلما من معالمها البارزة، وننتظر ان يكون له دور في الدعوة وتربية النشء، وتعزيز هوية توزلا الاسلامية فـ %93 من السكان مسلمون و %7 صرب وكروات اضافة لسبعمائة الف مهجر مسلم، منهم 144 الفا داخل المدينة، كما تعد توزلا اكبر محافظة في البوسنة والهرسك (700 الف كيلومتر مربع).

* توجد في توزلا مدرسة اسلامية، ما هو وضع المدرسة الآن بعد مرور 350 سنة من تأسيسها؟

ـ نعم، مر على المدرسة الاسلامية في توزلا 350 سنة، مرت فيها المدرسة بظروف صعبة للغاية، وتوقفت فيها الدراسة، من سنة 1949 الى سنة 1993، فقد عمل النظام الشيوعي على تحطيم قيمتها التاريخية فدمرها كما دمر 20 مدرسة اسلامية كانت قائمة ولم يبق سوى على مدرسة الغازي خسرو بك في سراييفو والآن لنا 6 مدارس اسلامية والحمد لله منها مدرسة توزلا هذه، عدد الطلبة الآن 350 طالبا وطالبة موزعين على اربعة صفوف يشرف على تربيتهم 30 استاذا من خريجي الجامعات الاسلامية (الازهر، المدينة، الرياض، اسلام اباد... الخ) ومدة الدراسة اربع سنوات، وللمدرسة دور كبير في المساهمة في تكوين من يحفظون لشعبنا دينه ويعلمونه اياه من خلال دراسة 28 مادة علمية، كما يمكن لطلبة المدرسة الالتحاق بمختلف الكليات، دراسات اسلامية او طب او هندسة او غير ذلك.

* الاوضاع السياسية، والاجتماعية في البوسنة والهرسك مرشحة لتقلبات، وسيناريوهات متعددة، هل اعددتم لذلك عدته؟

ـ نحن لسنا متشائمين، انا شخصيا اعتقد ان الافضل سيكون في المستقبل، في الآتي، وكل آت قريب، لكن دعني اخبرك اولا ان مستوى طلبتنا الأفضل والاول على مستوى المحافظة، وجهات كثيرة تطلب منا استقبال طلبة جدد ولكن امكانياتنا لا تسمح، بالكاد نسعى لتأمين سكن للطلبة واكمال المسجد الذي يسع 500 مصل، ونسعى لتكوين مكتبة مركزية كبيرة توفر مراجع للطلبة والاساتذة، واعود لما تقصده من سؤالك، وهو تكوين وقف نحن نعمل على ايجاد وقف للمدرسة وقطعنا في ذلك مراحل، من أجل مستقبل افضل للمدرسة، يضمن لها الاستمرار والاستقرار، نحن نبني محلات تجارية لتكون وقفا للمدرسة ولدينا اراضي وقف مساحتها 3000 متر مربع، ونعمل على بناء سكن للمدرسين، ولدينا افكار كثيرة لمواجهة المستجدات المختلفة.

* المستقبل هو التعليم، والتعليم هو المستقبل، فلا مستقبل من دون تعليم، ولا تعليم يحقق المستقبل المأمول من دون مناهج قادرة على ذلك، فماذا عن المنهج المعد للمدرسة؟

ـ جميل جدا، طرق التعليم مختلفة، والوسائل البيداغوجية كذلك، بالنسبة لنا يهمنا امران، اتقان الطالب للغة العربية، ليتواصل مع جذور عقيدته، في اصول اللغة التي نزل بها الله كتابه المقدس، واتقان اللغة الانجليزية لتساعده على مخاطبة العالم، ومساعدته في فهم المواد العلمية التي تدرس بالانجليزية، لأن مراجعها كذلك، مثل الطب والهندسة والفيزياء والاحياء وغير ذلك، في هذه المدرسة (مدرسة بهرام بك) يدرس طلبتنا كل شيء حتى الفلسفة وعلم الاجتماع الى جانب المواد العلمية المذكورة، والفقه، والتفسير، وعلوم القرآن، والحديث، واصول الفقه، ومصطلح الحديث، يدرس الطلبة سنة كاملة المصطلح، والفتاوى والاجتهادات المعاصرة.

* ما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه المدرسة في خضم الموزاييك الثقافي السائد في البوسنة والهرسك؟

ـ المدرسة هي حجر الاساس لأي عمل دعوي، فلا يمكن القيام بتعليم الناس، دون زاد، ففاقد الشيء لا يعطيه، والمدرسة لا يمكن ان نطمئن على مستقبلها من دون وقف، المسلمون في البوسنة، يتطلعون للعالم الاسلامي، كلما احسوا بالخطر توقعوا النجدة من العالم الاسلامي، اثناء الحرب تداعت لجراحنا الهيئات الاسلامية، وأدى ذلك التداعي دورا اغاثيا وسيكولوجيا لا يستهان به، الناس اليوم ينتظرون من العالم الاسلامي دعما آخر، في المعترك الثقافي والتعليمي.

* تعد توزلا من المراكز الصناعية في البوسنة والهرسك، ألم تقف البوسنة على قدميها بعد، وتسد حاجياتها بنفسها، ومن اقتصادها؟

ـ الحكومة اعادت تشغيل مصنع الصودا ومصنع الاحماض بالتعاون مع شركة سويسرية وكذلك اعادت الحياة لمصنع الاسمنت ومصنع الكيماويات سوداسو يعمل بكامل طاقته الانتاجية، ومع ذلك يوجد في الاقليم 55000 عاطل عن العمل، اضافة لرواتب الجيش والشرطة، والمؤسسات التعليمية في مختلف المراحل، وقد حققت نتائج جيدة في التعليم العالي، فقد كان ينقص الكانتون الف استاذ وقد سد النقص والحمد لله، الحكومة تهتم بالدراسات الاعلامية والهندسة، وتقيم علاقات جيدة في هذا الميدان مع اليابان وايطاليا والمجر، اقمنا مطارا دوليا، وكانت اول رحلة بين توزلا وسراييفو واول رحلة دولية بين توزلا واسطنبول، والحجاج يمكنهم الآن ان يذهبوا للبقاع المقدسة انطلاقا من مطار توزلا.