داهش والقابلية لتصديق الشعوذة!

TT

اعترف انني من ضمن الذين غيروا قناعاتهم بعد قراءة التحقيق المثير الذي اجراه كمال قبيسي في «الشرق الأوسط» حول شخصية د. داهش المثيرة للجدل والمنسوب اليها عدد من الخوارق، فهو الذي تحول في نظر المعجبين به الى «ماكينة» تحول الاوراق البيضاء الى دولارات بدون حبر طباعة ولا صيانة ولا حتى ترخيص لطبع هذه العملات. وقالوا عنه انه يحول الخشب الى برونز او ذهب.. يعني ان شركات التنقيب والمعادن ستموت كمدا وحسرة وهي التي تحفر في اعماق الارض ويموت او يختنق من عمال مناجمها العشرات في سبيل عدد من الاوقيات، وسعادة الدكتور داهش يحول الخشب في ومضة عين الى مئات الكيلوغرامات من الذهب، يفعلها وهو يستنشق الجو البيروتي المنعش!! مع وجود الدكتور داهش فلا معنى لوجود ادارات تعنى بالمفقودات!! فقد اعاد ساعات ومعاطف ثمينة فقدها اصحابها لسنوات طويلة ومن اماكن تبعد عن داهش آلاف الكيلومترات.

واعجب من اعادة المفقدوات اعادة من فقد حياته، فيذكر احد مريديه ان حمامة قطع رأسها اعاد لها الحياة بدون مبضع ولا مشرط ولا عملية تخدير، ولا ادري كيف فاتت القانونيين والحقوقيين الاستفادة من هذه القدرة الخارقة لاعادة الحياة الى الذين اعدموا ظلما او خطأ؟

وتقول عنه احدى مريداته انه حول نواة مشمش رماها في حديقة منزله الى شجرة يانعة تتدلى منها ثمار المشمش في ثوان معدودة.. فأكلوا منها اطيب ما ذاقوه!! وخطأ هذه المرأة المعجبة انها لم تتصل بمنظمات الاغاثة العالمية لتطلب منهم توفير جهودهم في اغاثة الجوعى في العالم وتقترح عليهم ان يأخذوه في طائرة مملوءة بالبذور المتنوعة فيمرون به على مناطق المجاعة فينثر بذوره العجيبة عليهم والتي لا تحتاج الى ري ولا تسميد ولا تلقيح ولا قطف، بل ان ثماره من نوع الـorganic غير المطعم بالكيماويات.

ومن عجائب هذا الداهش العجيب ما ذكره احد مريديه حين رأى لوحة زيتية جميلة فذكر له انه احضرها بطريقته من متحف بوسطن بالولايات المتحدة ليستمتع بها مع ضيوفه. وقال لهم انه سيعيدها الى المتحف بعد قليل في لمح البصر حتى لا يظن القائمون على المتحف ان اللوحة سرقت. وانا اتساءل كيف فات على هذا المريد المغفل موضوع فارق التوقيت بين بيروت وبوسطن؟! ويبدو ان هذا الداهش المدهش من المؤمنين بالتخصص، فهو يقول في مقابلة قديمة انه يستطيع تنويم الدجاج فقط دون سائر الطيور!! وانا اظن ان قدرته تجاوزت تنويم الدجاج المعروف الى تنويم «الدجاج البشري»؟! بدليل هؤلاء الالوف من البشر الذين نومهم بترهاته وخزعبلاته ويتناقلونها بألسنة المتصل وكأنهم ينسبونها الى نبي!! كنت اظن اننا معشر المسلمين، وخاصة المثقفين ابعد الناس عن تصديق المشعوذين والمستعينين بالسحرة والدجالين وكنت اظن ان الالعاب السحرية والبهلوانية وحركات اليد الخفيفة موضوع تندر وسخرية، بل كنت احسب ان بعض الغربيين بسبب بعدهم عن مصادر التلقي الصحيحة هم اقرب الناس الى تصديق المشعوذين. فلا ازال اتذكر ما فعله دجال اوريجن الهندي الذي انطلت حيله واكاذيبه وشعوذته على الوف الاميركان، فصار يديرهم كما يدير خاتم اصبعه فانهالت عليه ملايين الدولارات من التبرعات، جعلته احد اكبر اثرياء اميركا، اذ اشترى اسطولا من سيارات «الرولز رويس» بلغ عددها حوالي مائة.. ولعلكم لا زلتم تذكرون دجالا آخر في ولاية تكساس الذي جعل عددا كبيرا من اتباعه ينتحرون طوعا معه بسبب امر صدر عنه.

وحين قرأت تحقيق داهش وتسليم عدد من بني قومنا بخزعبلاته وطلاسمه ايقنت ان لدينا ـ بسبب ضعف الايمان وقلة اليقين بالله ـ مجموعة كبيرة لديها القابلية لتصديق الخرافات. والمدهش ان مجموعة كبيرة من المثقفين والسياسيين يصدقونها ويباركونها رغبا او رهبا.. خوفا او طمعا.. وهذا يذكرني برجل عربي تمركز في احدى العواصم الاوروبية ليدعي علم الغيب وقراءة الكف والفنجان. ومن ابرز رواده ومريديه عدد من الزعامات السياسية والثقافية والفكرية، ومن السهل ان تعرف علاقتهم به من خلال اختيار حسن الطالع لهم، وإن وجد منهم صدودا بشرهم بسوء الطالع.

اجمل ما في تحقيق «الشرق الأوسط» عن هذا المخرف المدعو داهش انه بدأ بكلمة «يزعمون».. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول «بئس مطية الكذب زعموا».. واحمدوا الله ايها القراء أن لم يجعلكم ضمن الدجاج البشري الذي نومهم هذا الداهش الغريب. قالوا عنه انه يحيي الموتى، وها هو مدفون تحت الثرى «قل فادرأوا عن انفسكم الموت ان كنتم صادقين».