تنمية موارد الجامعات من منظور الوقف الإسلامي

TT

د. عوض امين عباس الجامعات تلعب دورا قياديا مؤثرا في المجتمعات في (الشرق والغرب) وتعتبر من الركائز المهمة لنشر المعرفة والثقافة ومن اهم وظائفها الوظائف التدريسية والبحثية وخدمة المجتمع بالاضافة لوظائف اخرى عديدة ومتنوعة لا يتسع المجال لذكرها. ونظرا للدور الجوهري للجامعات في اشاعة المعرفة وفي القضاء على الامية في صورها كافة باعتبارها عقبة كأداء امام التنمية بمعناها الشامل وفي تحقيق التطور في مناحي الحياة كافة باعتبارها مركزا اشعاعيا للثقافة والفكر، تخصص الحكومات ميزانيات لها لكي تؤدي دورها في المجالات التدريسية والبحثية وخدمة المجتمع وفي مواكبة المستجدات في المجالات كافة، لا سيما ان عدم المواكبة لتلك المستجدات يعتبر من اخطر انواع الامية على الاطلاق. لكن الميزانية التي تخصصها الحكومات للجامعات لم تعد كافية ولا تحقق طموحات الجامعة نظرا لتزايد اعداد الطلاب والطالبات بمتوالية هندسية وتزايد المقاعد الدراسية والمدخلات الجامعية بمتوالية حسابية. وامام هذه المعادلة الصعبة لجأت الجامعات الى تنويع مصادرها المالية لكي تحقق استقلالها المالي وبالتالي في تحقيق اهدافها المتمثلة في توفير التعليم الجامعي لابناء الوطن كافة، لا سيما ان الجامعة هي معقل العلم ومبعث النور في المجتمع وهي المناخ الصالح الذي يتزود منه الطالب بالعلم والمعرفة عن طريق الدراسة والاطلاع والبحث المستقل، وهي البيئة التي ترعى البحث العلمي وتشجعه. وتحقيقا لرسالة الجامعة فانها تبذل قصارى جهدها لتوفير جميع الامكانات المتاحة التي تساعد على تحقيق الاهداف التي تسعى اليها في تزويد الدول بالاخصائيين والفنيين والخبراء في فروع العلوم المختلفة مع تهيئتهم ليكونوا مواطنين صالحين يسهمون في بناء المجتمع وتطويره الى مستقبل افضل ومشرق، كما تعنى الجامعة بشؤون البحث العلمي وذلك عن طريق اجراء البحوث العلمية المتنوعة وتشجيعها وتوجيهها لخدمة المجتمع، وايجاد الحلول العلمية لقضاياه الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع للوصول الى افضل الحلول لهذه المشاكل كسبا للوقت وتوفيرا للأموال. كما تعمل الجامعة على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون والاخلاق وتهتم ببحث الحضارة الاسلامية والعربية وتوثيق الروابط والصلات الثقافية والعلمية في الداخل والخارج، سأتحدث عن الوقف الاسلامي باعتباره من القنوات المهمة في مد الجامعات بالامكانات المالية لكي تؤدي رسالتها بصورة منتظمة، فقد اهتم به المسلمون قديما وحديثا على مختلف المستويات فأولوه عناية فائقة، وكان منهم محل رعاية دائمة ومتواصلة وابرزوا رسالته الدينية وأهميته الاجتماعية والاقتصادية في حياة المسلمين. ذلك ان الوقف الذي نحن بصدد الحديث عنه يعتبر في عداد الاعمال الصالحة والمهمة التي شرعها الاسلام وأمر بها ومن الطاعات والقربان التي دعا اليها ورغب فيها أمته المحمدية المؤمنة، فكان المسلمون في كل مكان وعلى مختلف العهود والاعصار يبادرون اليه ويتسابقون فيه ابتغاء فضل الله ومرضاته ورجاء عظيم ثوابه وواسع رحمته ومغفرته واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح من أمته واستباقا الى المحامد والمكارم والى فعل الخيرات الذي يقبل عليه المؤمنون ويتنافس فيه العباد الصالحون في كل زمان ومكان عملا بقوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وقوله سبحانه وتعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا).

وهكذا ومنذ الصدر الأول للإسلام والى ما شاء الله أقبل المسلمون ويقبلون في كل زمان على هذا العمل الخيري المهم والتسابق في هذا المضمار، فكانوا يبادرون الى وقف بعض ممتلكاتهم المهمة ويسارعون الى تحبيسها ليصرف ريعها على بعض المجالات الخيرية، الدينية والاجتماعية، ويتحقق عن طريقها الخير والصلاح والهداية والنفع العام للمسلمين، وفي مقدمة تلك المجالات بناء المساجد وتشييد بيوت الله التي أذن الحق سبحانه وتعالى ان ترفع ويذكر فيها اسمه، والعمل على تجهيزها بكل ما تحتاج اليه وتعيين القيمين علىها من أئمة وخطباء ووعاظ ومرشدين ومؤذنين، وعمارتها بالصلاة والعلم والذكر وتلاوة القرآن الكريم والتفقه في الدين، وليبقى ذلك العمل الوقفي عملا صالحا وذكرا طيبا وحسنة دائمة لصاحبها يصله اجرها وثوابها عند الله تعالى الى يوم الدين مصداقا لقول نبينا المصطفى الأمين (اذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).

ولكي يؤدي الوقف دوره الفاعل والمؤثر في الانفاق على المشروعات الخيرية نرى بث الوعي بين المواطنين عن طريق مختلف وسائط الاعلام وعن طريق ائمة المساجد والندوات والمحاضرات المكثفة، بالاضافة الى التنويه بأولئك الذين يوقفون اموالهم للانفاق على المشروعات الخيرية المختلفة وذلك لتقديم القدوة لبقية افراد المجتمع، لا سيما اولئك الذين لديهم امكانات مالية. والوقف كما ذكرنا يعتبر من الركائز الجوهرية المهمة في الانفاق على مختلف المشروعات ويتسم بالدوام والاستمرارية. ومن هذه الزاوية في امكان الدوائر التعليمية المختلفة مثل الجامعات والمعاهد العليا ان تستفيد بالوقف وفي هذا الاطار يجب عليها ان تتصل بالاثرياء لكي يعملوا من اجل تقديم تبرعات عينية في اطار نظام الوقف الاسلامي، لا سيما ان الجامعات تقدم خدمات بحثية وتدريسية وخدمة المجتمع لكافة افراد المجتمع بدون تمييز. ويعتبر الوقف في اعتقادي من اهم الاساليب التي يمكن لها ان تعمل على تنمية موارد الجامعات عن طريق تقديم الدعم المالي لكي تقوم الجامعات بالخدمات البحثية والاستشارية. وفي هذا الاطار نرى ان تعد الجامعات دليلا تحمل في طياته معلومات وافية ومركزة عن الخدمات المختلفة التي تقدمها لكافة افراد المجتمع، وان تقوم بتوزيع هذا الدليل للمؤسسات المالية المختلفة بالاضافة الى الاثرياء لكي يقوموا بوقف اموالهم لتمويل مختلف مشروعات الجامعة لكي تحقق الجامعات استقلالها المالي، لاسيما ان المال يعتبر من الامور الجوهرية المهمة التي تمكن الجامعات من ان تؤدي وظائفها بطريقة فعالة لصالح افراد المجتمع.

ونظرا لاهمية الوقف في تمويل مختلف المشروعات الانمائية والاجتماعية في المجتمعات الاسلامية سنتحدث بشيء من التفصيل عن الوقف ونشأته في التاريخ الاسلامي. يروى ان اول وقف في الاسلام كان صدقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التي تمثلت في اراضي مخيريق اليهودي الذي اعلن قبل معركة احد انه اذا اصيب فإن امواله، وكانت سبعة بساتين بالمدينة، لمحمد يضعها حيث اراه الله. وقتل الرجل في غزوة احد فأصبحت امواله عامة صدقات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فوقفها صلى الله عليه وسلم. وترسم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم خطى المصطفى في حبس اموالهم على اعمال البر، وقد حبس ابوبكر رضي الله عنه رياعا له بمكة، ولكن سكنها من حضر من ولد ولده ونسله. ووقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه الارض التي اصابها بخيبر في ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضى الله عنهما ـ قال: قال اصاب عمر رضي الله عنه ارضا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال: يا رسول الله اني اصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط هو انفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال صلى الله عليه وسلم: ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها، قال: تصدق بها عمر انه لا يباع اصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. لا جناح على من وليها ان يأكل منها بالمعروف او يطعم صديقا يستحقها، واوصى به الى حفصة ام المؤمنين ثم الى اكابر من آل عمر رضي الله عنهم. ومن منهج عمر في الوقف استنبط كثير من فقهاء الاسلام الاحكام المتعلقة بالوقف. وقد سارت الدول الاسلامية في الاهتمام بامر الوقف، فالامويون اهتموا اهتماما شديدا بأمر الوقف وكانوا يخصصون الاوقاف للفقراء والمساكين ثم تطورت ادارة الاوقاف حتى شملت الاراضي الزراعية والحوانيت والبساتين مما ادى الى اتساع نطاق الاحباس وجهات التصدق، والمماليك والعباسيون والعثمانيون بدورهم اهتموا اهتماما بالغا بالاوقاف. ويمكن تلخيص اهم اثار الوقف في الجوانب الاقتصادية في ما يلي:

1 ـ الاسهام في حفظ الاصول المحبسة من الاندثار ولذلك تعطى الاولوية في الصرف للمحافظة عليها وانمائها قبل الصرف على مصرف الوقف فهو ينظر للحاضر والمستقبل.

2 ـ حفظ اجزاء من اعيان الاموال لنفع الاجيال المقبلة.

3 ـ نفع المستحقين باعانتهم على تلبية احتياجاتهم.

وهذه الاثار تبين مدى اهتمام الاسلام بالانسان لاهميته في مجالات التنمية المتعددة كما تظهر مكانة الوقف في التنمية لا سيما ان الانسان هو اساس التنمية وهدفها.

اثر الوقف في محاربة البطالة: تمثل ظاهرة البطالة في المجتمعات الحديثة في كل مكان مشكلة حقيقية تؤرق الافراد والحكومات وتأخذ ابعادا اجتماعية واقتصادية وسياسية مهمة جدا، ولقد أدى الوقف عملا تاريخيا مهما ومؤثرا في تعليم افراد المجتمع وتنمية مهاراتهم وزيادة قدراتهم وتوفير فرص العمل لهم. فعلى صعيد التعليم والتدريب والتأهيل فإن الاوقاف مهيأة لتأسيس مراكز تدريب تطور مهارات افراد المجتمع وتؤهلهم لشغل المهن المطلوبة وذلك بحسب ظروف كل مجتمع، خاصة مع وجود فرص عمل في كثير من المجالات المهنية، فالبطالة في عصرنا الحاضر عملية تتمثل في انماط كثيرة منها تكدس خريجي المدارس والجامعات في تخصصات معينة مما يجعلهم يعتمدون على الحكومات.