معدلات الطلاق تنافس أرقام نسب الزيجات في العالم الإسلامي

TT

مع اتساع ظاهرة الطلاق التقت «الشرق الاوسط» بعدد من العلماء لمعرفة رأيهم حول هذا الموضوع.

بادئ ذي بدء تحدث الشيخ سالم بن مبارك المحارفي الداعية في القاعدة الجوية بالرياض وإمام وخطيب جامع حمزة بن عبد المطلب بالحرس الوطني، فقال: يحكي واقع كثير من الناس اليوم صوراً شتى من اللا مبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام. وأثر المعاني وثمراته ونتائجه المترتبة عليه، تسمع الكلمة تخرج من فم المرء لا يلقي لها بالاً، ربما هوت به في مسالك الضياع والرذيلة وأقحمته في دهاليز الهموم والغموم، وفقدان الشعور، وأعقبته حسرةً وندامة ... ولات حين مندم. إن كلمة من الكلمات قد تكون معولاً يهدم به صرح أسر وبيوت ترعد الفرائص بوقعها، وتقلب الفرح حزناً، والبسمة عبوساً، والأمل يأساً .. إنها كلمة «طالق»... فالله كم قطعت من أواصر الأرحام والمحبين. وكم قضمت وشائج المحبة والعشرة لسنين غابرة.

واضاف: الطلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة كلٍ من الزوجين إليها حينما يتعذر العيش تحت ظل سقف واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغاً يصعب معه التودد، فالواجب والحالة ما ذُكر، أن يتفرقا بالمعروف والإحسان. كما اجتمعا بهذا القصد أول الأمر (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ من سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا). إن الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنان أن مشاعرهما ورغباتهما واحدة لا تتصادم يعيشان في أوهام، ويسبحان في أحلام النيام. إن النسيم العليل لا يهب داخل البيت على الدوام .. فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، وتدلهم الأمور وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وقال «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره خلقاً رضي منها آخر» (رواه مسلم). لقد كثر الطلاق اليوم حتى أصبحت أرقام نسب الطلاق تنافس أرقام نسب الزيجات، ولذلك حين فقدت قوامة الرجل في بعض الأزواج، إبان غفلة وتقهقر عن مصدر التلقي من الكتاب والسنة، وركن فئات من الناس إلى مصادر مريضة، قلب عليهم مفهوم العشرة وأفسدت الحياة الزوجية، وتولى كبر تلك المفاهيم المغلوطة الأعلام بشتى صورة من خلال مشاهدات متكررة، تقعّد فيها تصورات خاطئة، ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية. واشار الى ان الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس يرجع إليه عند الاختلاف في الرأي، والرجل أحق بالرئاسة لأنه أخبر بالمصالح، وأقدر على التقيد، بما أودع الله فيه من الخصائص والقدرات التي لا توجد في المرأة .. وإن ما تتلقفه المرأة من الأجواء المحيطة بها على منازعة الرجل قوامته، لمن الانحراف الصرف، والضلال البيّن، ومصادمة الواقع الذي هو دليل على ما نقول وزيادة. وإن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق، ولا عقد متعة ينتهي بمدته. إنه أزكى من ذلك وأجلّ، فواجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الزوج (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولا غنى للزوج عن امرأته، والزوجة عن بعلها (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ). وقد كثر الطلاق اليوم، لما صار المطلق أحد رجلين. إما هو رجل أعمل سلطته، وأهمل عقله وعاطفته، فكان في منزله عسكرياً يسود فيه نظام الدكتاتورية، قد ينجح في جعل البيت يسير وفق ما يريد، ولكنه لا يذوق طعم المحبة والسعادة، ولا يعرف الصفاء والهناء فيه. وإما هو رجل تبع عاطفته فأطاعها، وأهمل سلطته فأضاعها، فعاش في داره عبداً رقيقاً يوجه من غيره فينساق، تقوده امرأته، حيث أرادت ولربما أودت به مهالك ومهازل. لقد كثر الطلاق اليوم لما كثر الحسّاد والوشاة، فصيروا أسباب المودة والوئام عللاً للتباغض والانقسام، ولربما كان لأهل الزوجين مواقف ظاهرة بدت سبباً مباشراً في كثير من الخلافات، فأذكت نارها، وقطعت أواصرها، وأعانت الأحمق على حمقه. وقال الشيخ المحارفي إن العلاقات الزوجية عميقة الجذور، بعيدة الآماد، فرحم الله رجلاً محمود السيرة، طيب السريرة، سهلاً رفيقاً، رحيماً بأهله، لا يكلف زوجته من الأمر شططاً، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطاً، ولا تحدث عنده غلطاً، اذ قال رسول الله «إن شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشرها» (رواه أبو داود)، وقال عليه الصلاة والسلام «إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبوب الجنة شاءت» (رواه ابن حبان)، وقال عليه الصلاة والسلام «استوصوا بالنساء خيراً». (متفق عليه). وسئل «ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، وتهجر إلا في البيت» (رواه أبو داود).

ثم تحدث الشيخ صالح بن إبراهيم الدسيماني عضو الدعوة والإرشاد وخطيب جامع العويضة في الرياض، قائلاً: إن الله شرع الطلاق كما شرع الزواج وجعله حلاً ونهاية للمشاكل الزوجية، وهذا من كمال الشريعة ويسرها وقد تندرج عليه الأحكام كاملة، فتارة يكون مباحاً وتارة يكون مكروهاً وتارة يكون مستحباً وتارة يكون واجباً وتارة يكون حراماً، فتأتي عليه الأحكام الخمسة. فيكون مباحاً إذا احتاج إليه الزوج، لسوء خلق المرأة والتضرر بها مع عدم حصول الغرض من الزواج. ويكره إذا كان لغير حاجة بل كانت حال الزوجين مستقيمة وبعض العلماء يحرمه لحديث «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ولكن الحديث ضعيف فلا يؤخذ به. ويستحب الطلاق في حال الحاجة إليه بحيث يكون في البقاء على الزوجية ضرر على الزوجة كما في حال الشقاق بين الزوجين أو في حال كراهتها لـه. ويجب الطلاق على الزوج إذا كانت الزوجة غير مستقيمة في دينها أو كانت غير نزيهة في عرضها ولم يستطع أن يقومها فيجب عليه الطلاق في هذه الحالة. وإذا كان الزوج غير مستقيم في دينه وجب على الزوجة طلب الطلاق منه ومفارقته ولا يجوز أن تبقى معه وهو بهذه الحال من تضييع دينه. وكذلك يجب الطلاق على الزوج إذا آلى من زوجته بأن حلف على ترك وطئها ومضت أربعة أشهر، وأبى أن يطأها ويكفر عن يمينه فإنه يجب عليه إما يطأها وإما يطلق. ويحرم الطلاق على الزوج في حال حيض الزوجة أو نفاسها وفي حال طهرها الذي جامعها فيه حتى يتبين حملها.

من جانبه، حذر الشيخ محمد بن سليمان البرقان مدير إدارة محكمة الضمان والأنكحة في الرياض وإمام وخطيب جامع التركي بحي الفارابي بالرياض من استخفاف بعض الأزواج بالطلاق وذكر عدداً من الأسباب التي تؤدي إلى كثرة وقوع الطلاق، فقال: إن لكثرة الطلاق في المجتمع أسبابا عديدة لعلنا نذكر بعضاً منها: تناول المخدرات: فتناولها سبب كبير لكثرة المشاكل بين الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق وهذا واضح وجلي.والاختلاف الفكري والعلمي بين الزوجين. وانشغال الزوج وتقصيره في حقوق الزوجة.