قبلات وأحضان وانتعاش لسوق «المدونات» في وداع مكة

لكل طريقته في طبع اللحظات الأخيرة

TT

كلٌ على طريقته في وداع مكة، طرقٌ كثيرة تمازجت فيها مشاعر الفرح بالبكاء، والمعتقد الديني بالأسطوري، في وقت تحولت فيه أركان المشاعر المقدسة، إلى استديوهات تصوير انطلقت من عدساتها صور للأرشفة، والتاريخ، والمدونات حيث عمد حجاجٌ مختلفون على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، إلى توثيق الحدث بالصور، وتحرير الرحلة وأرشفتها، وأخذ عينات ترابية من مكة وإدخالها في نماذج متحفية، تروي عن كثب تفاصيل الرحلة بالكامل من المنزل للمنزل.

وما إن دقت ساعة الرحيل أجراسها، حتى انهال حجاج بيت الله يجهشون بالبكاء وتتفطر قلوبهم من ألم الرحيل، يوسف أحمد حاج ـ استرالي الجنسية ـ يقف على الجمرات من أعاليها وعيناه واحدةٌ تدمع وأخرى تكتب وتوثق تفاصيل الرحلة، في «مذكرة» صغيرة، الذي قصد تسميتها «الحج من المنزل للمنزل» في رصدٍ تاريخي يسبر أغوار الرحلة، معلقا أنه الآن أدرك الهدف من شرط الاستطاعة.

يقول حاج: «سأمضي بعد عودتي لسيدني مباشرةً أن أشرح تفاصيل التفاصيل، ما الذي ينبغي للحاج الاسترالي عمله، ماذا يشتري؟، أين يأكل؟، كيف سيتحرك ويتنقل، كل مشاهداتي الإيمانية ستجد حبرا يكتبها ويؤطر صفحاتها، سأجعلها مدونة تحكي أجمل فصول حياتي التي عشتها».

وفي جانبٍ ليس ببعيد يوثق محمد بو حسن، من المغرب رحلته ويسرد التاريخ المغاربي في التوثيق، حيث يروي عن مدونات وكتابات اهتمت بما يعرف بـ«رحلة الشتاء والصيف»، رحلة إيمانية ومدونة عنت بحيثيات الحج، بعيدا عن التجارة وما يتعلق بها، وكانت سببا مباشرا في قيام الآلاف من المغاربيين بتوثيق وتأصيل رحلاتهم إلى مكة والانطلاق بعيدا في المكنونات التاريخية والدلالية.

وسماها كذلك برحلة «الإيلاف» لأنها قبعت بين فصلي الشتاء والصيف، كلنا نتذكر ـ كما يقول ـ في تاريخنا العربي تدوين محمد بن عبد الله العربي في القرن الخامس الهجري، وكيف أنه استطاع سرد حكايته بالتفصيل وكيف أنه دون رحلته للحجاز في ذلك الوقت، والأندلسي في القرن التاسع عشر، ونماذج أخرى كثيرة.

أما فئات آسيوية أخرى فقد اختارت ممارسة طقوس روحانية في عملية الوداع، ونهجت نثر «قبلاتها» على الأماكن الأثرية والتاريخية، وطبعت دقائقها الأخيرة في مكة المكرمة بأحضان دافئة، والصوت يحلو ويعلو راجيا تكرار الزيارة وصيرورتها، بل تداعى الخبر أكثر بضرورة التأمل والوقفات، وتذكار الأهل والأصحاب، وأن الدعوات تدخل حيز الإجابة حينما تلتصق المقدسات أكثر بالشعائر والأماكن المقدسة.