علماء دين: قاعة العلم في الجامعات مظلة شرعية للجنسين على حد سواء

تساءلوا: هل نخصص شوارع للرجال وأخرى للنساء؟!

مسلمات محجبات أثناء حضورهن مؤتمرا دوليا حول «الاسلام المعتدل» عقد في العاصمة الاردنية عمان الشهر الماضي (رويترز)
TT

انتقد علماء دين في مصر الدعاوى التي يرددها بعض العلماء للمطالبة بمنع الاختلاط في التعليم، خصوصا التعليم الجامعي، معتبرين قاعات الدرس في الجامعات بمثابة مظلة شرعية للجنسين على حد سواء، ولفتوا إلى أن هناك ضوابط وآدابا حث عليها الإسلام في العلاقة بين الرجل والمرأة في ميادين الحياة كافة، سواء كان ذلك في التعليم أو العمل لمنع الخلوة المحرمة شرعا. كما أشار العلماء إلى أن ذهاب الشباب والشابات لتلقّي التعليم في الجامعات التي تفتح أبوابها للجنسين ليس حراما، لأنه لا ينطبق عليه مفهوم الاختلاط المحرم شرعا، قياسا على حال النساء في عهد النبي صلى الله علي وسلم، حيث كن يصلين مع الرجال في صفوف خلف صفوف الرجال، وكن يحضرن معهم دروس العلم ويخضن المعارك.

وقالت الدكتورة عبلة الكحلاوي عميدة كلية البنات الإسلامية في جامعة الأزهر وعضو مجمع فقهاء الشريعة في أميركا، إن «التعليم في الجامعات التي تفتح أبوابها لتعليم الطلاب من الجنسين ليس محرما كما يدّعي البعض، ولا يمكن أن نسمّي هذه الجامعات مختلطة، أو تعلم الاختلاط، لأن الفرق بين الاختلاط وعدم الاختلاط واضح جدا، فالاختلاط المحرم معناه الخلوة المحرمة شرعا بين الشاب والفتاة، وهناك ثلاثة عوامل أساسية تنفي شبهة الاختلاط، وهي عدم الخلوة وعدم التبرج وارتداء الفتاة لزي محتشم، فضلا عن ارتداء الفتاة للحجاب الشرعي، وهذا بفضل الله متوافر لدى كثير من فتياتنا الدارسات في الجامعات، بالإضافة إلى أن هؤلاء الدارسين موجودون في أماكن ليست مغلقة، بل هي أماكن مفتوحة الجميع يرى فيها بعضهم بعضا، وبالتالي فلا توجد خلوة لأن هذه الأماكن غير مهيأة لذلك.

وأضافت الدكتورة عبلة: «للآسف نحن قاصرون ومقصّرون في استيعاب مدركات الفكر الإسلامي الصحيح، وأن الإسلام دين عالمي جاء بتعاليم صالحة لكل زمان ومكان، ولكن الكثير منا لا يفقه الواقع وما يتطلبه هذا الواقع من أحكام شرعية تتناسب مع هذا الواقع بمتغيراته، وبالتالي فإن عجزنا وتخلفنا أصبح واضحا». وقالت: «لا بد أن نهتم بجوهر الأشياء بمعنى أن نركز على التربية الإسلامية للنشء وتوعيته بآداب الإسلام وتحصينهم بالأخلاق الإسلامية بدلا من أن نقول التعليم في الجامعات التي تفتح أبوابها لتعليم الطلاب من الجنسين حرام أو غير جائز». ويتفق مع الدكتورة عبلة الداعية الإسلامي الشيخ رضا طعيمة عضو المجمع العلمي المصري لبحوث القرآن والسنة، مؤكدا أن الاختلاط في التعليم بمعنى وجود طلاب علم من الجنسين يتلقون محاضرات في مكان واحد أمر جائز ولا شيء فيه، لأنه لا توجد خلوة بين فتى وفتاة ولأنهما يشاهَدان من الجميع ومع من يتعاملان، وبالتالي فإن الاختلاط في الطاعة لا شيء فيه». ويشبّه ذلك بالطواف حول الكعبة، فالرجال والنساء يطوفون حول الكعبة معا، فهذا طواف حول الطاعة وللطاعة، فإذا كان تعلم العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة طاعة لله فإن السعي لتحصيل العلم يكون وسيلة لدخول الطالب الجنة.

ويطالب الشيخ طعيمة بأن نجعل ساحات الدراسة للطلبة والطالبات محرابا لتعلم العلم والعبودية كما نجعل الطواف حول الكعبة للرجال والنساء محرابا للعبودية. وأضاف: «ولندَع الدين الذي نربي أبناءنا عليه يتفاعل بينهم من الأدب والاحترام ومحاسبة النفس، ولذلك يكون لدينا طالب ينهض بأمته علميا».

وقال الشيخ طعيمة: «إنني فخور بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، هذا الصرح العلمي العملاق الذي يعد فخرا لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، كما أرجو من شيوخنا الأفاضل أن لا يسرفوا في النقد لهذه الجامعة الفريدة من نوعها، بحجة أنها تفتح أبوابها لطلاب العلم من الجنسين من دون أن ينظروا إلى الدور العظيم الذي تؤديه هذه الجامعة العملاقة في خدمة الأمة والنهوض بها علميا وحضاريا، بدلا من أن نكون أمة ضائعة متخلفة تعيش عالة على غيرها بسبب النقد غير الموضوعي لبعض مشايخنا الأجلاّء الذين هم للأسف لا يستطيعون تقييم الموقف تقييما صحيحا، بسبب ضيق الأفق الذي جعلنا أمة متخلفة، فهؤلاء الشيوخ الأفاضل ربما لا يفهمون واقع الأمة فهما صحيحا، كما أن أعداء الأمة يريدونها أمة جاهلة يتسيدون علينا بالعلم والمعرفة.

واختتم الشيخ طعيمة حديثه قائلا إنه «ما دام الشباب من الجنسين يلتزمون بغض البصر وبالتقاليد والآداب الإسلامية، والتزمت الفتاة بالحجاب الشرعي، فلا بأس من أن يتلقوا العلم في مكان واحد، وأن يسعى هؤلاء إلى أن يكون تعلمهم هذا العلم من أجل خير الإسلام والمسلمين، ويكون طاعة لله تعالى رب العالمين».

أما الدكتور محمد الدسوقي عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة وأستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة فيرى أن ذهاب الشباب والشابات لتلقّي التعليم في الجامعات التي تفتح أبوابها للجنسين ليس حراما، لأنه لا ينطبق عليه مفهوم الاختلاط المحرم شرعا.

وقال إن «الرجل والمرأة يوجدان في الشارع وفي المواصلات وفي المصالح الحكومية، وفي سائر الأعمال الأخرى، فهل نسمّي ذلك اختلاطا؟ فإذا ما قلنا عن وجود جامعات تفتح أبوابها لتعليم الطلاب من الجنسين إنها أماكن للاختلاط فيجب أن نقول إن الشوارع التي يسير فيها الرجال والنساء فيها اختلاط أو شوارع مختلطة، وبالتالي فلنحدد شوارع تسير فيها النساء وشوارع للرجال». وأضاف الدكتور الدسوقي أن «الاختلاط من وجهة نظري لا يزيد عن كونه (خلوة)، أي انفراد الرجل بالمرأة، وهذا لا يحدث في الجامعة، أن يختلي رجل بامرأة، لأن قاعات الدرس أماكن مفتوحة للجميع وليست معدة للخلوة، وإنما هي محاريب للعلم، والأمر يحتاج إلى توعية وتثقيف خصوصا للفتيات وتوعيتهن بحرمة التبرج، وبالالتزام بآداب الإسلام»، مشيرا إلى أن النساء في عهد النبي صلى الله علي وسلم كُنّ يصلّين مع الرجال في صفوف خلف صفوف الرجال، وكن يحضرن مع الرجال دروس العلم، وعندما ازدادت أعدادهن قلن للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا يوما، فخصص لهن النبي يوما ليعظهن فيه. كذلك فإن المرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت تشارك في المعارك، وفي سائر ميادين الحياة، وبالتالي يجب أن نفهم معنى الاختلاط وأن لا ندعو إلى حبس المرأة والحد من طاقاتها الخلاّقة، وحتى لا نسيء إلى الإسلام، وكفانا التهم الزائفة التي يوجهها الغرب إلى الإسلام بحجة أنه جاء بتشريعات كبحَت المرأة وقيّدت حريتها، فيجب أن لا نعطيه المبرر لتأكيد تهمه الزائفة.