علماء دين: يجب عدم وضع الغرب كله في سلة واحدة.. وإعلاء المشترك الإنساني كركيزة للحوار

شددوا على ضرورته لإعادة بناء جسور الثقة والتفاهم

مسلمون هنود يطلقون مجموعة من الحمام في مظاهرة احتجاجية ضد العملية الإرهابية في فندق مومباي باحمد آباد في نوفمبر 2008 (أ.ب)
TT

على أي أسس يمكن أن ينهض الحوار بين الإسلام والغرب، الذي أصبحت الحاجة ماسة إليه في ظل متغيرات كثيرة طرأت هنا وهناك، أبرزها تنامي وجود وثقل الجاليات الإسلامية في الغرب، بشكل يراه الكثيرون أنه بات يهدد الثقافة الغربية نفسها، ثم تزايد نبرة العداء للإسلام، وإلصاق تهم العنف والإرهاب به، وبخاصة بعد تزايد الهجمة الشرسة على الإسلام في الغرب، واتساع نطاق الصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام هناك.

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء نخبة من رجال الدين والفكر الإسلامي، لمعرفة آرائهم في كيفية إعادة بناء جسور الثقة والتعاون بين الجانبين وإزالة الكثير من العقبات وإفساح الطريق أمام الفهم والاحترام المتبادل، من منطلق التعايش الإنساني بين أبناء الأديان الثلاثة.

بداية يقول الدكتور أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر، مفتى مصر السابق: «لقد كتب علينا - نحن المسلمين - في الآونة الأخيرة أن نوضع جميعا في قفص الاتهام بإسلامنا ونبينا الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام، من قبل مؤسسات غربية سياسية ودينية، واتهم الإسلام زورا وبهتانا، أو جهلا، بأنه دين العنف والتطرف والسيف والحرب، وهى تهم قديمة بالية، كنا نظن أن العقل الغربي المعاصر قد تخطاها وضرب عنها صفحا بعدما توافرت لديه الحقائق والوثائق العلمية والتاريخية على زيف هذه الادعاءات، وقد بذلت جهود ومحاولات من أجل توضيح الحقيقة على الجانبين الغربي والإسلامي، لكنها لم تؤت ثمارها المرجوة، وحالت دون ذلك عقبات كثيرة منها، عقبة التعميم المعيب من بعض الغربيين الذين يعممون أحكامهم المسيئة على الإسلام والمسلمين انطلاقا من تصرفات فئة شاذة انحرفت بفهم الإسلام، فإما حرفية شديدة الانغلاق والتزمت، وإما عنف مسلح اتخذته أسلوبا في التعبير ومنهجا في الحوار، وفى المقابل فإن بعض المسلمين في الشرق لم يتخلصوا من عيب التعميم حين وضعوا الغرب كله في سلة واحدة وحكموا عليه حكما كليا بأنه شر مستطير وعدو متربص بالإسلام والمسلمين تجب مواجهته وتحين الفرص لتحجيم آثاره قدر المستطاع، هذا بالإضافة إلى عقبة أخرى نتفهمها - نحن المسلمين - وهى أن بعض الغربيين يتوجسون خيفة من تكاثر الجاليات الإسلامية في الغرب والخشية من غلبة أنماطها الثقافية على الشارع الغربي».

ويرى الدكتور الطيب أنه من الممكن أن نتغلب على هذه العقبة إذا ما اقتنع العقلاء في الغرب والشرق بأن حضارة الغرب تقدس الحريات الشخصية وتحمى التنوع، وفهموا أن الإسلام بطبيعته دين له تجارب تاريخية معلومة في تجاور الحضارات وتعدد الأديان والتشريعات والطقوس والأنظمة الاجتماعية تحت سماء الدولة الواحدة، دون إقصاء لهذه الحضارات أو إزاحتها أو حتى مزاحمتها.

ودلل الطيب على ذلك بنماذج مشرقة من التسامح والتعايش قائلا: «إن زواج المسلم بكتابية، يهودية أو مسيحية، تبقى على دينها ليس إلا نموذجا مضيئا لامتزاج الأديان السماوية وتعايشها في مودة ورحمة تحت سقف واحد، والإسلام في الأندلس يثبت هذه الحقيقة، فلم يحدث أن طارد حضارة اليهود أو المسيحيين أو تعامل مع أي منهما بروح العداء، ومن ثم فإنني أطالب المسلمين الذين يعيشون في الغرب أن عليهم أن يعلموا أنهم - أولا وأخيرا - ضيوف على حضارات لها أنماطها الاجتماعية الخاصة، وعليهم أن يحترموها ويسلموها لأهلها، حتى وإن لم يلتزموا بها في سلوكهم الشخصي أو الجماعي».

وخلص الطيب إلى أنه «لكل هذه الأسباب التي ذكرت طرفا منها أصبحنا جميعا في أشد الحاجة إلى حوار مباشر بين الطرفين يضع النقاط على الحروف، ويوفر الفرصة لرؤية مشتركة تكون إعلانا عن بدء مرحلة جديدة لحوار عقلاني موضوعي بين الأزهر كمرجعية كبرى للعالم الإسلامي، ونخبة متميزة من المفكرين والمثقفين الغربيين».

أما الدكتور جعفر عبد السلام، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، نائب رئيس جامعة الأزهر سابقا، فيقول: «إنه من المؤسف جدا أن تتبنى بعض دوائر الفكر والثقافة والإعلام في الغرب الترويج لأفكار واتهامات خاطئة للإسلام، ووصفه بأنه دين يدعو إلى التطرف والإرهاب وسفك الدماء ومعاداة الحضارة والتقدم.. إلخ». مشيرا إلى أن الحملة التي يشنها الغرب على الإسلام بدعوى الإرهاب تأتى في إطار مخطط واسع لتحجيم الوجود الإسلامي في الغرب بعدما ازداد الإسلام في الانتشار بشكل أذهل كثيرا من المتعصبين ضده في الغرب، وأنه مما يؤسف له أن يقف الإسلام موقف المدافع عن نفسه مع أن التاريخ يشهد بإنصاف أن المسلمين ما جاءوا ليفسدوا في الأرض، وإنما جاءوا ليعمروها بالعلم والحضارة، فكيف يرمون الإسلام بالإرهاب؟.

وفي رأي الدكتور عبد السلام أنه «إذا فهم الغرب الإسلام على حقيقته فهما موضوعيا من خلال مصادره الأصلية وتعاليمه المقررة، لا من خلال تصرفات خاطئة تصدر عن بعض أبناء المسلمين هنا أو هناك، فإن هذا الفهم الموضوعي سيكون له أثره الإيجابي في إزالة الكثير من أسباب سوء الفهم التي ترسخت في الذهنية الغربية من خلال كتابات المستشرقين غير المنصفين على مدى قرون كثيرة، وبذلك يكون السبيل ممهدا لإقامة التعاون البناء على أسس سليمة وقواعد متينة، دون توجس أو سوء فهم من جانب إزاء الجانب الآخر، وأنه لا بد من تفعيل الحوار بين الإسلام والغرب على الأصعدة كافة، بالإضافة إلى العمل على تنمية أطر التعاون في مختلف المجالات والعلاقات التي تربط بين أقطار العالم الإسلامي والغرب. كما أنه يتعين علينا أن نحدد الموضوعات التي يتناولها الحوار في ضوء الهدف منه، وهو تحقيق التعايش والتعاون بين أتباع الأديان والحضارات في حدود المبادئ والقواعد المرعية في المجتمع الدولي، وعلى رأسها حرية العقيدة ومبدأ المساواة».

ويؤكد الشيخ محمد محمود حمودة، الداعية الإسلامي، موجه علوم القرآن في الأزهر، أن التعايش السلمي بين الشعوب والحضارات يقتضى بالضرورة التعايش والتسامح بين الديانات السماوية الثلاث، وأن تقدم البشرية رهين بتحقيق هذا التعايش وهو ما تأمر به كل الديانات السماوية وعلى رأسها الإسلام.

أضاف الشيخ حمودة: «الحوار الإيجابي البناء بين العالم الإسلامي والغرب، وتوقف النظرة السلبية للإسلام في الغرب، ونبذ ثقافة الكراهية بين الأديان والتعصب هو وحده كفيل بتحقيق ذلك. فالحوار بين الحضارات الأديان يهدف إلى التأكيد على القيم المشتركة بينها، وعلى رأسها الإيمان بالله، كما أنه يجب أن يعلي من شأن الأخلاق الفاضلة، ويدعو إلى تكريم الإنسان والاعتراف بحقوقه».