مصطفى تسيريتش: تفجير الأسواق وقتل الأبرياء أمر منكر يعارض رسالة الإسلام

علماء ودعاة أوروبيون يوجهون نداء لوقف العنف في باكستان ودول إسلامية أخرى

د. مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البوسنة («الشرق الأوسط»)
TT

وجَّه علماء ودعاة أوروبيون، في مقدمتهم الدكتور مصطفى تسيريتش، رئيس العلماء في البوسنة وغرب البلقان، والشيخ نعيم ترنافا، المفتي العام في كوسوفو، والشيخ سليم موقاي، المفتي العام في ألبانيا، والشيخ سليمان ركسبي، المفتي العام في مقدونيا، والدكتور منصور اسكودبرو، رئيس المجتمع الإسلامي في إسبانيا، والداعية حليمة كرواسن، من ألمانيا، والداعية حسن لاغاي إيتون، من بريطانيا، والداعية يوسف إسلام من بريطانيا، بيانا إلى الباكستانيين، والعراقيين، والأفغان، والصوماليين، واليمنيين، يدعونهم فيه إلى المصالحة وترك العنف، والتوافق على حلول تؤسس للأمن والاستقرار والسلم، جاء فيه: «نوجه إليكم هذه الرسالة بصفتنا مسلمين نعيش بعيدين عنكم في قارة أخرى، وفي عالم مختلف الثقافة، ومع ذلك فأنتم في قلوبنا، قريبون جدا إلينا»، مشيرين إلى أن رسالتهم تأتي في إطار النزول عند أوامره سبحانه وتعالى: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وعن دوافع الرسالة وأهدافها وخلفياتها، قال رئيس العلماء في البوسنة، والذي له تأثير على مسلمي غرب البلقان، وأوروبا، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن - مسلمي أوروبا - نواجه تحديات كثيرة، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية واجهنا خطر الإبادة الجماعية، وقد اضطررنا إلى الدفاع عن أنفسنا، وفاوضنا من أجل السلام. وبفضل الله – تعالى - استطعنا البقاء، ودفعنا في سبيل ذلك ثمنا باهظا من دمائنا ودموعنا ومعاناتنا التي لا تزال آثارها حتى اليوم، وستبقى إلى ما شاء الله»، وأضاف: «مجتمعاتنا المسلمة تتكون من شتى المذاهب الفقهية، ولذلك يجب علينا أن نحترم التنوع، مع وجوب وحدة الصف. وهناك ذئاب تتربص بمجتمعاتنا وتنشر التفرقة والخلافات بينها».

وحول التهديدات التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا، لا سيما في غرب البلقان، وتحديدا في البوسنة، وما يجري في باكستان وغيرها من الدول الإسلامية كاليمن والصومال وغيرها، قال: «قد يبدو التهديد بالإبادة والاجتثاث، كما حدث في نهاية القرن الماضي، أمرا بعيد الحدوث، بيد أننا نواجه تحديات من قبل الحركات المتطرفة والمتنامية، والتي تسعى إلى تقييد حرياتنا والتكلم ضدنا بكراهية. وقد تعلمنا بأن التناحر الداخلي يخدم فقط الأعداء. ومهما تكن الاختلافات في الآراء بيننا، فإنه يجب علينا ألا نقع فريسة للغل والنزاع. وإذا ظهرنا للعالم بصورة موحدة، فإن أمتنا ستزدهر، وسيقبل الناس على رسالة الإسلام السمحة ويحبونها، أما إذا بقينا في حال نزاع دائم فإن أمتنا ستذوي ويذهب ريحها، والدعوة للإسلام لن تجد من يصغى إليها».

وعن آثار النزاع الداخلي بين المسلمين، ودوره في الفشل على المستويات كافة، قال: «نحن نعلم أن كل ذلك صحيح بفضل الخبرة الطويلة، فإذا هاجم بعضنا بعضا فالنتيجة هي إصابة الأمة بالوهن، وإذا اتحدنا فسنقوى ونتقدم، وهو ما يدعونا إليه الحديث النبوي: (يد الله مع الجماعة)، ولذلك نعتبر أنه من واجبنا أن نذكر بأنه يجب أن تبقى باكستان وأفغانستان واليمن والصومال، وغيرها من الدول الإسلامية، قوية وموحدة ومتآلفة».

وعن سبب التركيز على باكستان، ذكر أن «باكستان، على وجه التحديد، تأسست لتكون دولة للمسلمين، وفي مكان يمكنهم أن يعيشوا فيه بأمان، ويبنوا مجتمعا يعكس القيم الإسلامية، ومنها الرحمة والعدل. وقد قامت لتكون نموذجا للعالم يظهر قوة التوحيد الخالص، ومساعدة البشرية على التخلص من الظلم والفقر. وقد تأسست وهي تحمل ذاكرة جليلة لماضي الإسلام المجيد، بممالكه العظيمة وحضارته المتنوعة وأصواته الكثيرة، التي تعلو بالحمد والثناء، وقوة العمل لتحقيق التنمية تحت راية الإسلام».

وعن رسالته للباكستانيين، وغيرهم من المسلمين الذين تعيش بلادهم صراعات دموية، قال: «إننا نقول لهم لا تستخفوا بما نشعر به من الهم والقلق، نحن في أوروبا نتابع الأحداث في بلادكم. وعلى الرغم من أننا نحمل جوازات سفر مختلفة، فإن قلوبنا معكم، والألم الذي يصيبكم نشعر به جميعا، والآمال التي تحملونها للمستقبل الأفضل، هي آمالنا. وأنتم لستم وحدكم، فقلوب المسلمين معكم، وعيونهم متجهة نحوكم، وألسنتهم تلهث بالدعاء لكم».

وعن حوادث العنف التي تأتي على المساجد والأسواق وتستهدف المدارس، قال: «إن تفجير المساجد والأسواق وقتل المدنيين الأبرياء واستهداف المدارس وتنفيذ الهجمات الانتحارية لأمر منكر بغيض، يعارض رسالة الشريعة وروح الإسلام، إذ لا يمكن قبول ذلك بحال من الأحوال، مثل قتل المدنيين بقصف الطائرات والتفجير العشوائي، إذ إن الأضرار الجانبية خطيئة وجريمة في حق الإنسانية».

وعن دعوات بعض علماء المسلمين إلى وقف العنف في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال وغيرها، أفاد: «إننا نقف مع علماء الإسلام الذين يناهضون هذه الأعمال غير المشروعة الظالمة، ونتوجه بالدعاء من أجل الأرامل والأيتام الذين فقدوا ذويهم وأحباءهم في تلك الهجمات، ونتعهد بدعم وتأييد أولئك الذين يودون أن يروا باكستان واليمن والصومال وأفغانستان والعراق وقد زال عنها العنف والخوف». وعما إذا كان يتوقع استجابة من قبل من يمارسون العنف، أو الذين يبادرون باستفزاز مقترفيه، قال: «يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)، وأفضل نصيحة نقدمها هي الدعوة إلى التمسك بالقيم الإسلامية، التي وحدت العرب في فجر الدعوة، وكانوا متفرقين ومشتتين وقد فتت في عضدهم الأحقاد القبلية. واليوم يجب ألا يكون بين المسلمين نزاعات إقليمية ولا إحن ولا ضغائن من بقايا الجاهلية، فالوحدة نعمة من عند الله عز وجل، وعلينا أن نجتهد ونسعى من أجل تحقيقها».

وفي رده على سؤال بخصوص ما الذي يجب القيام به لفض النزاعات ونزع الضغائن والإحن، قال: «أولا يجب رفض القبلية القاسية، والتكبر والزهو والفرح بالحزبية أو اللغة أو العرق أو الطبقة الاجتماعية، «كل حزب بما لديهم فرحون»، لأن مثل هذه النزعات من خبائث الوثنية التي لا تليق بالمسلمين أو النفوس الراقية المتحضرة (دعوها فإنها منتنة). ثانيا يتعين أن نتعلم التغلب على الخصومات والنزعات الطائفية حول تأويلات نصوص القرآن والسنة، فأعداؤنا يحبون أن نتناحر ونتقاتل، بينما يسعد علماؤنا المخلصون برؤية المسلمين وقد امتلأت قلوبهم بالنور والمحبة، بحيث يمكنهم بعد ذلك مودة مسلمين آخرين، وإن اختلفوا معهم اختلافا كبيرا في مسائل تتعلق بالتأويل». وحول الاختلافات المذهبية بين المسلمين ودورها في الصراعات أو التهدئة، قال: «يدرك العلماء وأولو النُّهى والباحثون في تاريخ التشريع الإسلامي أن الشريعة كانت، ولا تزال، وستبقى مظنة للتأويلات المختلفة، وكذلك تفسير الكثير من الآيات والأحاديث، ولذلك حفظ شرع الإسلام حق الاختلاف في إطار التنوع، وهو ما يعرف بأدب الاختلاف واختلاف التنوع».

وبخصوص الأسس التي يجب أن يدار بها الخلاف والقبول بالرأي الآخر، قال: «ينبغي أن تكون الرحمة هي المبدأ الموجه إلينا، متأسين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي وصفه الله – تعالى – بقوله: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، ومن معاني الرحمة الشعور بالتعاطف العميق تجاه المعاناة الحقيقية أو المحتملة للناس الآخرين، إذ إن أحد مقاصد الدين الأساسية إزالة الضرر وتخفيف المعاناة، وذلك يستلزم منا أيضا أن نرفع العبء عن كاهل الآخرين. ويجب علينا في الأوقات كلها ألا تغيب عن بالنا القواعد الجامعة الخاصة بالشفقة والعدالة، فالهمة المبذولة في التنديد بالطوائف والآراء الإسلامية الأخرى هي على الأرجح طاقة ضائعة، أما الهمة المبذولة في إطعام الجائع وإعانة الضعيف وتعليم الجاهل فهي طاقة لا تضيع أبدا. وبدلا من فرض آرائنا على كل إنسان، يفترض بنا أن نتحد لمساعدة الفقراء والمساكين وإعانة الضعفاء وكفالة الأيتام والأرامل، وإيواء اللاجئين، وبث الأمل في الأمة. وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله في دعائه: (واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، أحبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة)».