مناهج بلا سخف

د. عائض القرني

TT

شاهدتُ قناة «العربية» الأربعاء قبل الماضي عصرا وهي تخبر عن أسئلة سخيفة قدمها بعض الأستاذة في المدينة المنورة لطلابهم في الامتحان، فحمدت الله على نعمة العقل، وكان يسألهم في الامتحان عن أسماء اللاعبين والنادي الزعيم وألوان الأندية إلى غير ذلك من الكلام الفارغ. وبالله عليكم هل هذا الأستاذ مؤهل لتوجيه جيل، وتربية شباب، وحمل أمانة، وتقويم أخلاق، وتصحيح أفكار؟ وأنظر إليه حينما ترك مادته التي يجب أن يقتلها بحثا وتدريسا وتفهيما وقفز إلى ألوان الفنايل وأشكال السراويل وأسماء اللاعبين وكأن الإعلام قصر في عرض المباراة ونشر الثقافة الرياضية وتعليم العجائز بأسماء اللاعبين وتحفيظ الشيبان أسماء الأندية. وهناك سخف في المناهج، كإشغال الطلاب بالآراء المذهبية المقلدة المتعصبة، وهجر التفقه في الكتاب والسنة والاستنباط من الأدلة، ومثل عرض نقائض جرير والفرزدق في الأدب العربي وتدريسها الطلاب على أنها من تراثنا وهي سب وشتم وفحش وقذف، ومن السخف تدريس الطلاب الجوانب المظلمة في تاريخنا الإسلامي مثل خمريات أبي نواس وإلحاديات أبي العلاء المعري وأبي حيان التوحيدي وابن الريوندي.

ومن السخف إشغال الطلاب بأخبار مغني هارون الرشيد وجواري الأمين وحكايات الأعراب ودقائق وتفاصيل أصول بني أمية وبني العباس وأخبار الشعراء المرتزقة الذين ينتظر أحدهم صرخة الخليفة «أعطه يا غلام ألف دينار» بعدما يسكر الخليفة بخمر المديح. ومن السخف في المناهج، وقد درسنا ذلك في المتوسط والإعدادي، إرهاق أذهان الطلاب بالصادرات والواردات في دول فقيرة لا ترى بالعين المجردة على الخارطة كمدغشقر وبوركينا فاسو وداهومي (بنين) وموزمبيق، وتحفيظ الطلاب المطاط والأناناس والكاكاو والنحاس ونسبة كل مادة لدولة من هذه الدول، مع هجر أصول المعرفة وسنن الله في الكون وأصول الحضارة وسبل التقدم والرقي، ومن السخف إدخال الطلاب في متاهات التاريخ المعاصر ودقائقه مع هجر قضاياه الكبرى، فهم يدرسون للطلاب انقلابا وقع في دولة، وعسكريا اغتصب السلطة، مع العلم بأن هذه الحوادث تجري كل يوم، بل وصلت الثقافة في بعض المناهج إلى دراسة الأزياء والأكلات الشعبية وأنواع الرقصات القبلية وفنون الأهازيج الحمينية وأغاني رعاة الأغنام، ومن السخف دراسة طلاب المتوسطة في المعاهد الشرعية لدقائق الجبر والهندسة والحساب ثم لا يجيدونها ولا يفهمون الدروس الأصلية التي أُسست المعاهد من أجلها؛ كالعقيدة والتفسير والحديث والفقه. ومن السخف إشغال الطلاب في السنوات الأولى من دراستهم بأسماء الفرق والطوائف كالقدرية والجبرية والجهمية والمعتزلة ونحوها مع عدم دراسة العقيدة الصحيحة باستفاضة وفهم عميق. ومن السخف خروج الأستاذ عن مادته خاصة إذا كانت مهمة إلى مادة ثانوية، ويوم درسنا الابتدائية كان يخرجنا بعض الأساتذة ممن ساهموا في نكسة حزيران من حصة القرآن إلى حصة الرياضة، وكأن التمارين أهم من كلام رب العالمين.

ينبغي أن نرفع مستوى مناهجنا عن السخف والابتذال، ونحافظ على الثوابت العظيمة، مع معطيات العصر الكريمة، والاستفادة من العقول السليمة، والآراء القويمة. ينبغي أن ننافس العالم بمناهج تعيش حياتنا، وتحمل رسالتنا، وتراعي هويتنا؛ لنصل بها إلى المجد في الدنيا والفلاح في الآخرة. وينبغي أن يعلم كل أستاذ أنه مسؤول أمام الله ثم أمته وتاريخه عن أبناء المسلمين وفلذات أكباد المؤمنين الذين يجلسون أمامه خاشعين منصتين، والمناهج الدراسية هي المرآة التي تريك مستوى رقي الشعوب وتقدم الأمم وازدهار الدول.