أمين عام هيئة كبار العلماء السعودية: أدنا الإرهاب منذ 22 عاما.. وجرمنا «التمويل» لأنه «الأخطر»

فهد الماجد لـ «الشرق الأوسط»: لا بد أن ننظر لتمويل الإرهاب وفق نظرية كايوس فـ«رفة جناح فراشة قد تؤدي إلى عاصفة»

الشيخ الدكتور فهد الماجد أمين عام هيئة كبار العلماء (تصوير: خالد الخميس)
TT

بنظرية «الكايوس» الفيزيائية، حاول أمين عام هيئة كبار العلماء في السعودية، وهو منصب يعتمد في اختيار صاحبه على خلفيته الفقهية الشرعية، أن يبرز خطورة موضوع تمويل الإرهاب، وهو الموضوع الذي قامت الهيئة بتجريمه في أبريل (نيسان) الماضي، معتمدة على دلائل من الكتاب والسنة.

النظرية مفادها: «أن رفة جناح فراشة في إحدى مناطق العالم قد تؤدي إلى عاصفة في منطقة أخرى»، ومنها يستنتج الدكتور فهد الماجد، أمين عام هيئة كبار العلماء، أن «الريال الواحد من الممكن أن يؤدي إلى تنفيذ عملية إرهابية».

ولم يكن قرار تجريم تمويل الإرهاب، الذي توصلت إليه هيئة كبار العلماء، هو الأول في سياق تجريم العمل الإرهابي بشكل عام. ولكنه قد يعتبر الأول منذ بدء تنظيم القاعدة نشاطه في السعودية في 12 مايو (أيار) 2003، الذي يصادف يوم الغد، الذكرى السابعة للأحداث الدموية التي ضربت العاصمة الرياض.

وامتدح أمين عام هيئة كبار العلماء، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، الطريقة التي أدارت بها القيادة السياسية ملف الإرهاب. وقال «لولا توفيق الله عز وجل ثم حنكة القيادة في إدارة ملف الإرهاب لكان وضعنا غير ما نحن عليه - ولله الحمد - من أمن واستقرار وتنمية شاملة وتطور مطرد».

وكانت هيئة كبار العلماء، قد أصدرت أول قراراتها التي أدانت فيها الإرهاب، قبل 22 عاما. وخطَّأ أمين عام هيئة كبار العلماء، من يعتقد بأن الهيئة تأخرت في تجريم الإرهاب، وقال «الهيئة لم تتأخر في معالجة هذه الظاهرة الآثمة بل كان لها دورها وريادتها في التحذير منها والتنبيه إليها قبل تكونها ظاهرة عالمية ومحلية».

ويصف فهد الماجد، القرار الأخير الذي أصدرته هيئة كبار العلماء حول تجريم تمويل الإرهاب، بأنه «ركز تحديدا على مسألة تحريم وتجريم تمويل الإرهاب بأي صورة وعلى أي مستوى وبأي خطوة».ويرى أمين عام هيئة كبار العلماء، أن «الممول قد يكون في أحيان كثيرة أخطر من المباشر (العمل الإرهابي) فبلا مال تسقط المشاريع ولا تتم الأمور».وإلى نص الحوار

* أشار القرار في مستهلّه إلى قرارات وبيانات سبق أن صدرت عن الهيئة وهذا يدعونا للتساؤل ما مدى أهمية هذا القرار وأين يقع ضمن ما سبق أن صدر عنها؟

- دعني بداية أحمد الله عز وجل على منّ به وتفضل من توفيق وتسديد لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية برئاسة سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في إصدار هذا القرار، الذي وصف فيه الإرهاب باعتبار أنه جريمة تستهدف الإفساد بزعزعة الأمن والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة.. إلخ. وفي هذا الوقت الذي باتت ظاهرة الإرهاب تشكل قلقا عالميا للدول والمجتمعات، وأكبر المتضررين منها هي الدول الإسلامية وبالأخص المملكة العربية السعودية التي تقدم أنموذجا في تطبيق الشريعة الإسلامية بصورتها السمحة والمعتدلة، ولولا توفيق الله عز وجل ثم حنكة القيادة في إدارة ملف الإرهاب لكان وضعنا غير ما نحن عليه - ولله الحمد - من أمن واستقرار وتنمية شاملة وتطور مطرد.

وكما ذكرت في سؤالك فقد أجادت الهيئة في الاستهلال بالإشارة إلى ما سبق أن صدر عنها من بيانات وقرارات حول ظاهرة الإرهاب، وهذا الاستهلال يعطي القارئ والباحث انطباعا بأن الهيئة لم تتأخر في معالجة هذه الظاهرة الآثمة، بل كان لها دورها وريادتها في التحذير منها والتنبيه إليها قبل تكونها ظاهرة عالمية ومحلية، ولك أن تطالع القرار رقم 148 وتاريخ 12/1/1409هـ، الذي لاحظت فيه الهيئة بداية تشكل الصور الإجرامية التي تضرب المجموع وتزعزع الأمن في المجتمعات.

وهذا الاستهلال يجيب عن تساؤل بعض الكتاب بصورة واضحة وقاطعة عن دور الهيئة في معالجة هذه الظاهرة، وهل يعتبر هذا القرار الجديد هو القرار البكر في معالجتها لهذه الظاهرة؟ إنه يقول بوضوح إن المسألة متقررة عند الهيئة بصورة واضحة، وإنها من أوائل المؤسسات العلمية الشرعية التي حذرت منها ولفتت إليها وأصدرت فيها بيانا تلو بيان، وهي بذلك أسهمت مع باقي مؤسسات الدولة في معالجة هذه الظاهرة، بل كان لبياناتها صدى طيب وفاعل حتى في المجتمعات الإسلامية التي تعاني من تفشي هذه الظاهرة كالبيان المؤرخ في 6/4/1419هـ.

وإذا أردت أن تعرف ما مدى أهمية القرار بالنسبة لما قبله من بيانات وقرارات، فإن ذلك يتبين من خلال أن هذا القرار قد ركز تحديدا على مسألة تحريم وتجريم تمويل الإرهاب بأي صورة وعلى أي مستوى وبأي خطوة، ولئن كانت القرارات والبيانات السابقة قد ناقشت الإرهاب بصورة عامة وحرمته وجرمته، ولا شك أن من ضمن ذلك تمويله، فإن ميزة هذا القرار أنه أفرد مسألة التمويل بالبحث والنظر ومن ثم الحكم والفتوى.

* إذن لماذا هذا الاهتمام بمسألة التمويل؟

- الممول قد يكون في أحيان كثيرة أخطر من المباشر، فبلا مال تسقط المشاريع ولا تتم الأمور، كما قال قيس بن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - وقد كان مشهورا بالجود والكرم: «اللهم ارزقني مالا وفعالا، فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال».

لا سيما أن الصناعة المالية في هذا العصر قد تطورت وكثرت منتجاتها وتعددت طرقها، ونشأ وتطور ما يسمى بغسل الأموال الذي استغله أصحاب الرؤى والأفكار المتطرفة لتنفيذ أغراضهم، كما استغله أصحاب الكسب غير المشروع.

ولذلك فإنني أعتبر تركيز الهيئة على مسألة التمويل هو تركيز موفق ينحو إلى معالجة سبب رئيسي لنشاط هذه الظاهرة الآثمة ويقضي عليها بإذن الله في الصميم.

* كيف يمكننا قراءة القرار بصورة عامة؟

- القرار - ولله الحمد - صدر بصورة متوازنة، فهو بدأ بالاستهلال بما سبق أن صدر عن الهيئة ثم حدد معنى الإرهاب الذي يقصده بأوصافه ثم بين بعض النصوص والقواعد الشرعية التي اعتمدها في الحكم والفتوى ثم أصدر فتواه معددا صور التمويل باعتبار الشخص المباشر وغير المباشر الذي شرع والذي أتم تمويله، وباعتبار مادة التمويل نقودا أو غيرها من الأصول، وباعتبار مصدر التمويل المشروع وغير المشروع، وبهذه الاعتبارات الثلاث تكون الهيئة قد حصرت التمويل بصوره وأشكاله بعبارات موجزة تدل على العمق المعرفي والشرعي في هذا القرار، ثم لم ينس القرار الأعمال الخيرية المشروعة التي قد تزج في غمرة محاربة الإرهاب في مضمونه فاستثناها، وذلك لما حث عليه الإسلام من إعانة الفقير ومساعدة المسكين، فلا يستوي الخير والشر، ولا الإرهاب ولا الإحسان.

ولذلك يمكن أن يوصف القرار بكلمات ثلاث بأنه: عميق، وشامل، ومتوازن.

* هل يعتبر هذا القرار معالجا لتمويل الإرهاب في المحيط المحلي فقط أم هو يتناول حتى العالمي منه؟

- أنت تعرف أننا لا نعيش وحدنا في جزيرة معزولة عن العالم، وأن عالم اليوم قد تشكل في صورة لم تعرف لها البشرية مثالا سابقا لا في التاريخ القريب ولا البعيد على الأقل في حدود ما نعلم ونقرأ، وقد حلت فيه الشركات متعددة الجنسيات محل الإمبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس، فهذه الصورة المترابطة المتداخلة جعلت العالم يتأثر بعضه ببعض، وهو أشبه ما يكون ببحر لا تقطعه يابسة، فالموجة التي تبدأ من هذا الشاطئ تنتهي في هذا الشاطئ، أو هو كما قيل عن نظرية «الكايوس» إحدى النظريات الفيزيائية الحديثة: «إن رفة جناح فراشــــــــة في إحدى مناطق العـــــــالم قد تؤدي إلى عاصفة في منطقة أخــرى».

فهذا الترابط يدعو إلى معالجة إشكالية التمويل في صورتها العالمية، لأن هذا أدعى إلى محاصرة التمويل الآثم بصورة أتم وأقوى.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإسلام دين رحمة وعدل للعالمين لا للمسلمين فحسب، فكما حرَّم القرار وجرَّم تمويل الإرهاب الذي يعتدي على المسلمين، فقد حرم أيضا تمويل الإرهاب الذي يعتدي على غير المسلمين، لأن ذلك من الإفساد الذي نهى الله تعالى عنه، يقول سبحانه: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا» (الأعراف: 56). وكذلك هو من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: «وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2).

* بمناسبة الحديث عن محاربة الإرهاب، والمملكة تعتبر من أنشط الدول وأنجحها في محاربته ومكافحته، برأيك أين تقع محاربة هذه الظاهرة الخطيرة في مشروع الملك عبد الله الإصلاحي؟

- هذا سؤال مهم جدا، وهو يحفزنا لأن تُقرأ الأشياء بصورتها المكبرة، أعني صورتها الكلية التي تنتظم جزئيات كثيرة، ولذلك أقول: إنني لا أقرأ محاربة الإرهاب بمعزل عن مشروع الملك عبد الله للحوار الوطني بالداخل وكذا دعوته للحوار في الخارج، فإن الحوار يقطع على الإرهابيين من كل جنس وجهة مشروعهم الآثم الذي يطمح إلى خراب العالم والفتك بالبشر «كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (المائدة: 64).

كما إنني لا أقرأ محاربة الإرهاب ومكافحته داخل المملكة بمعزل عن مشروع الملك عبد الله الطموح في مضاعفة عدد الجامعات وتقديم تعليم نوعي ومعرفي عالٍ من خلال جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وغيرها من الجامعات بما يقدمه التعليم العام والعالي من تربية صالحة ومعلومة نافعة وخيال مبدع ومحفز، وهذا التعليم بهذا المستوى هو بلا شك من أنجح الوسائل لتربية نفوس مستقيمة وعقول مستنيرة.

* كيف تلقت هيئة كبار العلماء شكر خادم الحرمين للقرار؟

- إن هيئة كبار العلماء تقدر عاليا كتاب خادم الحرمين الشريفين والذي يعبر عن مدى اللحمة ما بين القيادة والعلماء في المملكة، والمملكة في ذلك بتاريخها البعيد تقدم أنموذجا يحتذى من العالم الإسلامي كله وليس هذا غريبا على مقام خادم الحرمين الشريفين فهو يشرف العلماء وسائر المواطنين دائما بلفتاته الكريمة ومواقفه المؤثرة.