المجاهرون بالمعصية مرة أخرى

أحمد بن باز

TT

طالعتنا بعض الصحف عما حكاه بعض السعوديين عن حياتهم وعلاقاتهم وآرائهم الشخصية في عدد من القضايا على أحد البرامج الحوارية في قناة أميركية وما اشتملت عليه من علاقات غرامية محرمة وغيرها ثم سمعنا أن مجموعة من المحتسبين يعدون العدة لمقاضاتهم، والاحتساب عليهم، والله إن هذا لمؤلم من هؤلاء وأولئك، فالشباب الذين خرجوا في البرنامج الحواري الغالب أنهم صغار في السن ومراهقون، فالتهور والمغامرة والاندفاع غير مستغرب منهم، وقد عجب ربنا سبحانه من شاب ليست له صبوة، ثم إن ما قاموا به في الحقيقة ليس بمجاهرة بالمعصية، فالمجاهرة بالمعصية هو فعلها أمام الملأ، أما الحديث عنها فهو ليس إلا فضح ما ستره الله على العبد، والمجاهرون الحقيقيون هم خونة الأمانة ولصوص المال العام والمشاريع الوهمية ومن يأكلون حقوق الناس ولا يؤدون ما استؤمنوا عليه من عمل في أي مكان وأي جهة، الذين لا يستحون من أحد ولا يأبهون لأحد، الذين يؤذون أبناءهم ويضربون نساءهم ويتحرشون ببنات المسلمين ويؤذونهن في الشوارع والأسواق، هؤلاء هم المجاهرون بالمعصية.

إن الأجيال الشابة تعاني من اتساع الفجوة وانقطاع التواصل بينها وبين مجتمعها، تعيش في عالم آخر مع الإنترنت ووسائل الإعلام وأدوات عجيبة في التواصل مع العالم تتبدل وتتشكل كل يوم، وهي بلا شك أصبحت مؤثرة في عقلياتهم وأمزجتهم وأفكارهم ومصدرا مهما من مصادر ثقافتهم، إن هذا الانقطاع الذي يعانونه تظهر آثاره حينما تتاح لهم الفرصة للحديث والتعبير، والمؤلم حينما تتاح لهم الفرصة لذلك - بالطبع ليس لدينا وإنما خارج حدودنا - أن تكون طريقة تعاملنا معهم هي القمع والإلغاء وأعجب من ذلك حينما يكون ذلك انتصارا وتحقيقا لرغبات داخلية وفضائل متوهمة فأولئك إنما يشوهون سمعتنا ويسيئون إليها، بمعنى آخر افعلوا ما تشاءون في السر أما في العلن فلا، لأنكم تسيئون إلى سمعتنا، وهو تأكيد للمثل الشعبي «كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس»، إنه تقديس للأشكال وعبادة للمظاهر ولو كان الجوهر خواء، افتحوا قلوبكم لأولئك الشباب واسمحوا لهم أن يعبروا عن أنفسهم واسمعوا منهم وناقشوهم وحاوروهم وارفقوا بهم، فالفضيلة قِيَم لا يمكن «تحفيظها» ثم «تسميعها»، فهي إذا لم تغرس في القلوب وتصدقها العقول فلن تنبتها محاكم التفتيش.