الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ لـ«الشرق الأوسط»: الحاجة ملحة لتقييد تزويج القاصرات.. ويجوز لولي الأمر تنظيم المسألة

أكد أن الممنوع هو الخلوة المحرمة بين الرجل والمرأة وليس الاختلاط

TT

لم تتوقف عجلة النقاشات والأسئلة التي تنهمر على مائدة المشايخ وعلماء الدين في السعودية حول قضايا المرأة ومتطلبات التغيير، التي هي في مجملها تتمحور حول قضية المرأة السعودية، وحدود حركتها ومجال عملها، مع التسارع الكبير في وتيرة التغيير الاجتماعي.

طرحت قضية شكل الحجاب، واختلاط الرجال بالنساء في بيئة العام أو في المجال العام، وقيادة للمرأة للسيارة، وحكم تزويج القاصرات، وبيع النساء في محلات الملابس النسائية، وأدلى كثير من المشايخ بدلوهم في هذا الجانب.

»الشرق الأوسط» تستضيف في السياق التالي الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ، وهو من فرسان الميدان الشرعي والفقهي، بصفته أمينا عاما ثانيا لهيئة كبار العلماء، أكبر هيئة دينية في البلد، وهو خبير شرعي وإسلامي، ومستشار في القضايا الفقهية، له مؤلفات خاصة في المجال الفقهي منها كتاب بعنوان «الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقانون الوضعي».

الشيخ عبد اللطيف قال إن التشدد في موضوع الاختلاط غير مبرر، وإنه جائز ضمن ضوابط معينة، كما أيد منع تزويج القاصرات وطالب بالالتزام بما يصدر عن الجهات الرسمية في هذا الصدد، وأيد أيضا تمكين النساء من البيع في محلات الملابس النسائية، وغير ذلك من القضايا..

* فضيلة الدكتور، كثر الجدل أخيرا في السعودية حول مفهوم «الاختلاط» بين الرجال والنساء، وكثرت الآراء الفقهية، بين محذر منه وبين مبيح له، وبين مفصل فيه، والبعض قال إن مصطلح «الاختلاط» طارئ على القاموس الفقهي القديم.. ما موقفك من هذه المسالة؟

- كثر التحدث من بعض الناس في هذه الأيام عن قضية الاختلاط، والمقصود به اختلاط النساء بالرجال غير المحارم في مكان واحد. فانقسم بعض المتحدثين في هذه القضية إلى قسمين أو فريقين أحدهما قال بالتحريم المطلق، وبالغ في ذلك والقسم الآخر أجاز الاختلاط على الإطلاق، وكلا الفريقين التزم بجانب التشدد، والتطرف الذي يخالف الفطرة، ومقصد الشرع. وبقي الناس الذين ينشدون الحق بين طرفين كل منهما يزعم أنه على الحق والآخر على الباطل فأصبحوا في حيرة وتردد بين التشدد المذموم، والانفلات المحرم. ولو دققنا النظر في قول بعض من قال بتحريم الاختلاط مطلقا لوجدناه يخلط بين الاختلاط، والخلوة المحرمة، ولا يفرق بينهما، لذا لا بد من عدم الخلط بين الاختلاط والخلوة والتفصيل في المسألة. فالخلوة هي: اجتماع رجل مع امرأة أجنبية عنه بغير محرم في مكان منفردين فيه، في غيبة عن أعين الناس. هذه هي «الخلوة المحرمة بإجماع العلماء». والدليل على تحريم الخلوة ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم». وما رواه عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلوان رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». وعنه رضي الله عنهم أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم». أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن بسفر ونحوه، وقد أباح الشرع الخلوة في حالة الضرورة الملجئة، كمن يجد امرأة في صحراء ولا يوجد غيرهما، أو امرأة في قعر بئر تحتاج لمن يخرجها ونحو ذلك من الحالات والضرورات، فهذه الخلوة ليست بمحرمة بل يجب على الرجل أن يقوم بإنقاذها وإيصالها إلى مأمنها ولو كان غير ذي محرم، والحكمة من تحريم الخلوة هي: سد الذريعة الموصلة إلى الفاحشة. ولذلك فلا بد من ملاحظة عدم الخلط بين الاختلاط والخلوة. والشرع المطهر شرع الله الذي جاء من خالق البشر فيه التيسير والرحمة ورفع المشقة عن العباد، وكما هو معلوم باتفاق الأمة على أن الشريعة حرصت على المحافظة على «الضروريات الخمس» وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فالحمد لله، ما جاءت الشريعة لتحميل الناس ما لا طاقة لهم به من الشدة والعنت أو تركتهم فريسة للانحلال والضياع، إنما حرصت على تكوين أمة وسط لتساهم في تعمير الكون الرحب الفسيح الذي أوجده الله تعالى.

* كل ما تفضلت به يا شيخ عبد اللطيف هو تفصيل فقهي وشرعي للكلام في مسألة الاختلاط بين الرجل والمرأة، لكن كيف كان الاختلاط أو التواصل بين مجتمع الرجال والنساء يحصل في حياة المسلمين العملية؟

- لا يخفى على أحد من المسلمين في بلادنا حال الناس وما يمارس في الواقع من اختلاط في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة كالحرم المكي والحرم المدني وما يحصل في موسم الحج، وما يحصل في مجالس القضاء وغير ذلك من التجمعات البشرية، فهذا الاختلاط الذي فرضته الحاجة والضرورة وهذه الممارسات ليست وليدة اليوم أو هذا الزمان، فقد كانت موجودة منذ أزمنة قديمة، بل كانت موجودة في صدر الإسلام والذي لا يعلم ذلك فعليه الاطلاع على كتب السيرة والمغازي وبعض كتب الفقه والتفسير.

* وخلاصة الرأي في الاختلاط، عطفا على ما شرحته هنا.. ما هي؟

- الاختلاط لم تأت الشريعة المطهرة بمنعه وتحريمه على الإطلاق، بل أجازته في حدود تكفل الحرية للإنسان ذكرا وأنثى، الحرية المنضبطة بالضوابط الشرعية المحافظة على الأعراض والمانعة من الوقوع في المحظورات التي تهدم كيان الأسرة والمجتمع وتنافى العفة وكرامة البشر، فوضعت ضوابط وقيودا واضحة وصريحة لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتجاوزها ومن لم يلتزم بهذه الضوابط فقد وقع في المحذور المنهي عنه وهو الاختلاط المحرم، ومن التزم بها فقد دخل في إطار الاختلاط المباح، إذن فالعلماء حين يحرمون الاختلاط إنما يريدون الاختلاط المطلق عن القيود والضوابط أو ما يسمى بالاختلاط المستهتر الذي لا تؤمن معه الفتنة.

* هناك اختلاط جائز وغير جائز وفق تقسيمك السابق.. هل يمكن أن توضح لنا أكثر؟

- الاختلاط الجائز له ضوابط من أهمها مراقبة الله تعالى وخشيته في السر والعلانية، فمن راقب الله ابتعد عن محارمه. ومن الضوابط:

1 - الالتزام بعدم التبرج وكشف المرأة ما لا يجوز لها كشفه لقوله - تعالى - «يَا أَيُّهَا النَّبِي قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ». سورة الأحزاب الآية 59 2 - الالتزام بغض البصر عما لا يجوز النظر إليه من الجنسين والدليل على هذين الشرطين: قوله - تعالى - : «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ» وقوله - عز وجل - : «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ». سورة النور 30 – 31 3 - الالتزام بعدم تكسر المرأة في كلامها والخضوع فيه والدليل: قوله - تعالى - «فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا». سورة الأحزاب آية 32 4 - الالتزام بالسكينة في المشي وعدم إظهار الزينة، قال تعالى « وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ » سورة النور آية 31.

5 - الالتزام بالابتعاد عن مواطن الريبة أو ما يدفع الرجل إلى التجرؤ عليها واستغلاله.

6 - أن تلتزم المرأة بعدم التعطر واستعمال الزينة وأدواتها وما يثير شهوة الرجال لقوله - صلى الله عليه وسلم – «إذا استعطرت المرأة فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني زانية».

7 - أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع، فعن أبي أسيد الأنصاري - رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – للنساء: «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (تتوسطن) الطريق، عليكن بحافات الطريق».

8 - أن يكون الاختلاط في حدود ما تفرضه الحاجة دون إسراف أو توسع أو تعطيل عن واجبها الأساسي في رعاية البيت وتربية الأبناء.

9 - أن يخلو من إزالة الحواجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب والسمت، وينافي العفة والحياء ، وعدم الإطالة وما يوصل إلى حد الامتزاج.

10 - أن لا يكون الاختلاط متعمدا ومقصودا لذاته وإنما تفرضه الحاجة والضرورة.

11 - سن عقوبات من قبل ولي الأمر على كل من يتجاوز الأدب والسمت فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

* يلوم بعض المراقبين، محليا وخارجيا، علماء الدين في السعودية بسبب توسعهم في الأخذ بمبدأ سد الذرائع وعدم الإقدام على التوسيع وفتح الذرائع بما لا يناقض أمرا قطعيا في الشريعة، فهل هذا اللوم في محله؟

- علماء الشريعة لم ينفردوا بالعمل بهذه القاعدة وهي قاعدة «سد الذرائع» بل معمول بهذه القاعدة حتى في القوانين الوضعية والأنظمة التي سنها وابتكرها البشر، فأصل قاعدة «سد الذرائع» متفق عليه عند العلماء جميعا وكل ما يفضي إلى محرم قطعا فهو محرم عند العلماء جميعا وكل ما يفضي إلى الحرام غالبا كالخلوة مثلا فهو محرم. وما عدا ذلك فالأولى عدم التشدد بالأخذ بهذه القاعدة، فينبغي عدم المبالغة في سد الذرائع، فتحريم الذرائع التي تفضي إلى الحرام قطعا أو غالبا هو من باب تحريم الوسائل، وليس من باب تحريم المقاصد، وما حرم من هذا الباب فإنه يباح عند الحاجة، ولو لغير ضرورة. ومما أورده أهل العلم من الشواهد في كتبهم قولهم ما كان منهيا عنه للذريعة فإنه يفعل لأجل المصلحة الراجحة، ، (انظر مجموعة الفتاوى لابن تيمية، وكتابي: إعلام الموقعين، وزاد المعاد، لابن قيم الجوزية) فحبذا لو أخذ بعض العلماء بالتوسط والاعتدال في الأخذ بقاعدة سد الذرائع. فلا يسد من الذرائع ويقطع إلا ما أفضى غالبا إلى محظور، أو كانت المفسدة راجحة على المصلحة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة

* ما رأيكم في مسالة زواج القاصرات، وتوجه وزارة العدل كما ذكر معالي الوزير أخيرا على هامش رعايته ملتقى المحامين والمستشارين، إلى ضبط ومعالجة هذه المسألة؟

- يجوز لولي الأمر أن يقيد المباح وأن يضع الشروط والضوابط له من منظور المصالح المرسلة حفاظا على مصالح رعيته التي ولاه الله إياها. لذلك يجوز لولي الأمر أو من ينيبه أن يقيد المباح عندما يرى أن المصلحة في تقييده ومن ذلك تحديد سن الزواج للقاصرات، ومن «المصلحة المرسلة» تحديد السن، وهذا من الشرع كما قال ابن القيم رحمه الله: «حيث ما كانت المصلحة فثم شرع الله». والذي يشاهد حال الناس اليوم وضعف الوازع الديني والأخلاقي عند بعضهم لا بد وأن يرى ضرورة تحديد سن زواج للقاصرات لدفع الظلم الذي يراد إيقاعه عليهن لضعفهن وقلة حيلتهن أو استغلال حاجتهن أو حاجة أسرهن. وأرى أن الحاجة لمثل هذا التقييد ملحة وتوجب سرعة البت فيه وتطبيقه. ولا يخفى ما حصل لتنظيم وتقييد السماح بالزواج من الأجنبيات من اعتراض في بداية الأمر وأثبتت التجارب جدوى وفائدة هذا التقييد والذي يعتبر من تقييد المباح شرعا للمصلحة العامة.

* ما رأيكم في مزاولة المرأة للبيع في المحلات الخاصة بالمستلزمات والملابس النسائية؟

- رأيي في هذه المسألة أن قيام المرأة المحتشمة والملتزمة بالضوابط الشرعية بالبيع في المحلات المخصصة للمستلزمات النسائية من ملابس داخلية وخارجية وأقمشة وأدوات زينة وحلي وما يخص الأطفال جائز بل مستحب لما يفضي إليه من مصلحة ظاهرة للمرأة البائعة والمشترية ، ويجب على المسؤولين في وزارة العمل والجهات الحكومية ذات العلاقة أن يستعجلوا في تطبيق القرارات الصادرة بهذا الشأن بالسماح للنساء بمزاولة هذا النشاط ويجب تشجيعهن على ذلك وتهيئة الظروف المناسبة لهن وحمايتهن من العابثين. كما أطالب المسؤولين بقصر مزاولة هذا النشاط على النساء فقط، كما أن في تطبيق هذا القرار قضاء على السلبيات الخطيرة وما يترتب عليها من مفاسد من جراء قيام الرجال ببيع وعرض ملابس خاصة بالنساء تستحي المرأة العفيفة من أن يطلع عليها غيرها. وأرى أن بيع الرجال في هذه المحلات الخاصة بالمستلزمات النسائية، وخاصة الملابس الداخلية لهن شر من الاختلاط المطلق أو المستهتر.

* د. عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ

* النشـــأة:

في الرياض بالمملكة العربية السعودية.

مختصر السيرة الذاتية:

أ - المؤهلات العلمية:

1 - بكالوريوس كلية الشريعة بالرياض عام 1393/1394هـ.

2 - ماجستير من المعهد العالي للقضاء، تخصص فقه مقارن، عام 1403/1404هـ، بتقدير جيد جدا.

3 - شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مع مرتبة الشرف الأولى، والتوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية عام 1417هـ.

ب - الوظائف التي عمل بها:

1 - سكرتير.

2 - مدير عام إدارة التفتيش في الرئاسة العامة لإدارات البحوث بالتكليف.

3 - مساعد أمين ثانٍ عام هيئة كبار العلماء بالمملكة.

4 - خبير شؤون إسلامية.

5 - مستشار إسلامي.

6 - مستشار خاص لسمو أمير الرياض.

7 - له مشاركات في الأنشطة الإنسانية والخيرية.

ج - طلب إحالته إلى التقاعد المبكر وصدرت الموافقة السامية على ذلك بتاريخ 26/8/1422 هـ.

د - له مؤلفات ومنها كتاب بعنوان «خصوم الدعوة في العهد المدني ومظاهرها في العصر الحاضر».

وكتاب فقهي بعنوان «الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقانون الوضعي».

وبحث تحت عنوان «الشرط في الفقه الإسلامي».

كما أن له بعض البحوث الفقهية. عضو مؤسس في بعض الجمعيات الخيرية مثل: جمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري والجمعية الخيرية لمكافحة التدخين له من الأولاد: عبد الله - خالد - سلطان - محمد