أستاذة الحضارة الإسلامية بجامعة جنيف: مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان والحضارات أسهمت في زيادة الوجود الإسلامي دوليا

فوزية العشماوي : ظاهرة «الإسلاموفوبيا» سببها الجهل بحقيقة الإسلام والترويج لادعاءات أسلمة أوروبا

د. فوزية العشماوي أستاذة اللغة العربية والحضارة الإسلامية في جامعة جنيف بسويسرا («الشرق الأوسط»)
TT

يعد الجهل بحقيقة الإسلام وتعاليمه، والثقافة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، إلى جانب عملية الشحن الإعلامي، الذي يتعرض لها العقل الغربي، والترويج لمقولات زائفة تؤكد أن المسلمين لديهم مخطط لأسلمة أوروبا، الأسباب الحقيقية وراء انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا). هذا ما تؤكده الدكتورة فوزية العشماوي، أستاذة اللغة العربية والحضارة الإسلامية في جامعة جنيف بسويسرا، مضيفة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركتها في الملتقى العالمي الخامس، الذي نظمته الرابطة العالمية لخريجي الأزهر في القاهرة مؤخرا، أن ظاهرة الخوف من الإسلام حلت محل ظاهرة الخوف من الأجانب، التي كانت منتشرة في الدول الأوروبية منذ الحرب العالمية، لافتة إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات قد أسهمت في زيادة الوجود الإسلامي على الساحة الدولية، خاصة في الأمم المتحدة..

* ظاهرة الخوف من الإسلام تنتشر في الغرب بصورة واضحة، من وجهة نظرك ما أسباب انتشار هذه الظاهرة؟

- انتشرت ظاهرة الخوف من المسلمين، أو ما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا» في معظم الدول الغربية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، التي تركت آثارا سيئة في أذهان الغربيين، وما تلا ذلك من أحداث إرهابية في لندن وروما، مما ساعد على إلصاق تهمة العنف والإرهاب بالمسلمين، فأصبح الغربيون يخافون من الاقتراب من أي مسلم أو مسلمة، تحسبا وتوهما من أنه ربما يربط حول خصره حزاما به متفجرات يفجر بها نفسه ويقتلهم معه.

* متى بدأت تحديدا هذه الظاهرة في النمو؟

- حلت ظاهرة الإسلاموفوبيا محل ظاهرة الخوف من الأجانب التي كانت منتشرة في الدول الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، حين بدأت هذه الدول تلجأ إلى الأيدي العاملة الأجنبية لتحل محل العمال الذين تم تجنيدهم للقتال، والذين قتلوا بالملايين أثناء الحرب، وعلى الرغم من احتياج هذه الدول للعمال الأجانب فإن الأهالي في المجتمعات الأوروبية كانوا ينفرون من العمال الأجانب، خاصة العمال القادمين من تركيا ومن يوغوسلافيا، ثم من المغرب، ومعظمهم من المسلمين. وعلى الرغم من أن سمعة المسلمين في ذلك العهد، أي في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، لم تكن سمعة سيئة، كما هي الآن، أي لم تكن تهمة الإرهاب والعنف قد التصقت بالمسلمين بعد، إلا أن الأوروبيين كانوا يخافون منهم بسبب الجهل بحقيقة الإسلام وبسبب الخزعبلات التي كانت الكنيسة الكاثوليكية قد نشرتها عن الدين الإسلامي، وعن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وعن المسلمين لتنفير المسيحيين من الإسلام ومن المسلمين.

ومع بداية السبعينات من القرن الماضي ازدادت هجرة المسلمين من بلدان الجنوب الأقل نموا وتقدما نحو الدول الأوروبية المتقدمة الغنية، وبدأ هؤلاء المهاجرون المسلمون يستقرون في الدول الأوروبية، وكذلك في الدول الأميركية وأستراليا، وكلها دول لا تدين شعوبها بالإسلام، وقد ازدادت أعداد المسلمين في هذه الدول غير الإسلامية وأصبحوا يكونون تكتلات داخل المجتمع الأوروبي والأميركي ويعيشون في ظل الدساتير الأوروبية والأميركية ويطبقون قوانين وتشريعات هذه الدول مع احتفاظهم بخصوصياتهم الثقافية، ومع احترامهم لمعتقداتهم الإسلامية وتطبيقهم للقيم الإسلامية الراسخة، وللأسف الشديد فقد تزامن الوجود المكثف للمسلمين في الدول الأوروبية والأميركية مع انتشار بعض حوادث العنف والتفجيرات في كثير من بقاع العالم، ومن هنا بدأ الخوف من المسلمين ومن الإسلام والتصقت تهمة العنف والإرهاب بالمسلمين، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.

* تبنى العالم الإسلامي استراتيجية الحوار بين أتباع الأديان لتحقيق التواصل والتعايش بين الشعوب على أساس الاحترام والإخاء الإنساني، في رأيك هل يمكن أن يحقق هذا الحوار نوعا من الاستقرار في العلاقات والتعايش بين الشعوب؟

- أولا يجب أن نفهم ما معنى الحوار مع الآخر من منظور إسلامي وما الهدف منه، فالحوار مع الآخر هو المناقشة الموضوعية الحرة، بهدف التوصل إلى أرضية موحدة من القيم والأخلاقيات الإنسانية الموحدة تصلح للارتكاز عليها للتعايش السلمي بين الدول والشعوب، خاصة بين المسلمين ومعتنقي الديانات الأخرى (خاصة بين المسلمين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم حاليا الأوروبيون والأميركيون)، وليس الهدف من الحوار تغيير دين الآخر، أي إقناع الأوروبيين والأميركيين لتغيير دينهم ودعوتهم إلى نبذ دينهم والدخول في الدين الإسلامي، لذا فإن أول ما يجب أن يعيه المسلمون هو أن الحوار يختلف عن الدعوة اختلافا جوهريا، فالحوار يهدف لمعرفة دين الآخر للتواصل معه مع احتفاظ كل طرف من الأطراف بدينه وبخصوصياته الدينية والثقافية، فقد أصبح من واجب المسلمين والحكومات الإسلامية في الوقت الراهن أن يتكاتفوا وينشطوا في مجال طرح مبادرات جديدة تهدف لإرساء الحوار مع الآخر من منطلق جديد، آخذين في الاعتبار درأ الشبهات ومحو الاتهامات وتصحيح المفاهيم المغلوطة والتعريف بالقيم وبالأسس الإسلامية الرئيسية الراسخة التي يجهلها الغرب.

* طرح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة للحوار بين أتباع الديانات والحضارات.. فما دور هذه المبادرة في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟

- نحن نرحب ونشيد بالمبادرة الرائدة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لحوار أتباع الديانات والحضارات، وأثرها الطيب في إشاعة القيم الإنسانية والتسامح والتعايش في المجتمع الإنساني، فقد جاءت المبادرة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وسط هذه الأجواء الرمادية، فكانت مثل شعاع ضوء أسهم في إذابة الضباب الكثيف. ويرجع نجاح مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار إلى أنها جاءت في التوقيت المناسب لانطلاقها، في ظل تزايد التحديات التي تواجه حوار الحضارات، وأهمها تيار العولمة، خاصة في المجال الثقافي الذي يهدد الخصوصيات الثقافية لكثير من الشعوب والحضارات، خاصة الحضارة العربية الإسلامية، وكذلك تيار الإرهاب وظاهرة الإسلاموفوبيا. ومن دون أدنى شك فقد أسهمت المبادرة في زيادة الوجود الإسلامي على الساحة الدولية، خاصة في الأمم المتحدة، حيث عقد مؤتمر حوار أتباع الديانات والحضارات في نيويورك عام 2008، وكذلك مؤتمر جنيف عام 2009، وقد نجح المؤتمران في إثارة انتباه المجتمع الدولي، الذي أيقن أنه في حاجة إلى المسلمين وإلى ثقافتهم ومساهمتهم في الحضارة الإنسانية العالمية ليثروا التراث العالمي للإنسانية، مثلما فعلوا في العصر الذهبي للإسلام.

* بصفتك تعيشين في سويسرا منذ سنوات طويلة، في رأيك ما الأسباب الحقيقية وراء القرار السويسري بحظر بناء المآذن؟

- السبب الرئيسي هو عدم تصرف المسلمين بعقلانية وحكمة في بعض الأمور، ونتيجة للشحن الإعلامي الذي يتعرض له العقل الغربي بالثقافة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين والترويج لمقولات زائفة عن انتشار الإسلام في الغرب، وأن المسلمين لديهم مخطط لأسلمة أوروبا، وفي الوقت نفسه وجدنا أن جماعة من المسلمين طالبوا ببناء مسجد به مئذنة ارتفاعها 55 مترا في بلدة صغيرة كل بناياتها بها 4 أدوار على الأكثر وعندما رفضت بلدية هذه البلدة منح ترخيص البناء لهذه المئذنة التي ستكون نشازا وسط المشهد المعماري العام للبلدة الصغيرة، رفعوا قضية أمام المحكمة الفيدرالية السويسرية في بيرن، وهي أعلى سلطة قضائية في سويسرا، فأيدت المحكمة قرار بلدية البلدة الصغيرة، برفض بناء هذه المئذنة، فاستغل حزب اليمين المتطرف المعادي للأجانب هذه الواقعة، وبدأ حملته ضد الأجانب الجدد، وهم المسلمون ليجعل السويسريين يخافون من المسلمين ويبدأون في أخذ حذرهم منهم لأن المسلمين، حسب قولهم، يريدون أسلمة سويسرا، هذا بالإضافة إلى ازدياد تدخل المسلمين المتشددين في سويسرا في كل صغيرة وكبيرة، في المعيشة اليومية للسويسريين، وفي المدارس ومطالبتهم بنزع الصليب من فوق الجدران لأنه يؤذي مشاعر التلاميذ المسلمين، كما طالبوا بإلغاء لحم الخنزير في مطاعم المدارس الحكومية، وإلغاء حصص السباحة والألعاب الرياضية، حتى لا تلبس البنات المايوه، وحتى لا يرى الصبيان زميلاتهم البنات وهن بالمايوه، وإلغاء حصص التربية الجنسية في المدارس، وكذلك مطالبتهم بعدم كشف الأطباء الرجال على نسائهم، ولا القيام بعمليات التوليد، وهذا ما أقلق السويسريين وجعلهم يعتقدون أن المسلمين يريدون تغيير نهج الحياة في سويسرا، وهذه هي الأسباب الحقيقية لبداية حملة حظر بناء المآذن في سويسرا.

* لكن هل هناك جهود أو مبادرات قام بها العقلاء المسلمون في سويسرا لوقف الاستفتاء على هذا القرار؟

- لقد عقدت الجمعيات الإسلامية في جنيف يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 اجتماعا، بحضور مندوب منظمة المؤتمر الإسلامي، لمناقشة الاستفتاء السويسري ضد بناء المآذن في سويسرا، وبدأ الاجتماع بعرض مضمون الاستفتاء ضد بناء المساجد في سويسرا، الذي أطلقه حزب اليمين المتطرف، الذي قام بإعداد ملصقات للإعلان عن الاستفتاء، وقد رفضت بعض المقاطعات نشر هذا الإعلان المتضمن صورة لفتاتين بالنقاب وورائهما 7 مآذن وكأنها أسهم مدببة تخترق علم سويسرا وترتفع نحو السماء والمقصود بالطبع هو وقف انتشار الإسلام في سويسرا واختراقه أرض الوطن ووصوله لعنان السماء، ولم يتم اتخاذ قرارات في هذا الاجتماع ولكن تمت التوصية بتكثيف الجهود بين الأصدقاء والزملاء وإرسال خطابات إلى الصحف اليومية لانتقاد الاستفتاء وبالطبع الدعوة إلى التصويت ضد الاستفتاء، خاصة المسلمين الذين لهم حق التصويت، ممن يحملون الجنسية السويسرية.

* وماذا كان رد الفعل تجاه ذلك؟

- تطور الموقف بعد الاجتماع، ففي فجر يوم 15 نوفمبر قام مجموعة من شباب حزب اليمين المتطرف باستئجار سيارة بها ميكروفون مرتفع الصوت، وساروا بها أمام المسجد الكبير في جنيف وانطلق منها آذان الفجر ليوقظوا الأهالي الذين استيقظوا في فزع واستنجدوا بالبوليس ظنا منهم أن المسجد هو الذي يفعل ذلك، ولكن عندما وصلت عربات البوليس واتضحت الحقيقة تم القبض على هؤلاء الشباب، بتهمة إزعاج الأهالي، ولكن الشباب قالوا إنهم فعلوا ذلك لتوعية الأهالي بما سيحدث لهم لو رفضوا الاستفتاء، وفي يوم 16 نوفمبر أصدر رئيس جمهورية سويسرا، أدولف متزلر، بيانا إلى الشعب السويسري يدعوه فيه إلى رفض الاستفتاء ضد بناء المآذن، لأن من حق المسلمين تأدية مناسكهم في مسجد به مئذنة مثلما يفعل المسيحيون في كنائسهم، التي بها أجراس الكنيسة، كما أكد أن رفض المآذن ضد حقوق الإنسان وضد الحرية الدينية التي يكفلها الدستور السويسري.