الجماعات الإسلامية في الهند تطعن في حكم المحكمة العليا القاضي بتقسيم موقع المسجد البابري المتنازع عليه بين الهندوس والمسلمين

بعد 60 عاما من المداولة في المحاكم الهندية

جانب من المسجد البابري في الهند
TT

قررت الجماعات الإسلامية في الهند الطعن على الحكم الذي أصدرته أخيرا محكمة عليا في الهند، والذي يقضي بتقسيم موقع المقدس المتنازع عليه بين الهندوس والمسلمين. وقد نصت المحكمة العليا في لكناو عاصمة ولاية أوتار براديش، التي تقع في وسط الهند، في حكمها التاريخي الذي صدر بعد أكثر من 60 عاما من المداولة، على حق الهندوس في السيطرة على ثلثي الأرض المتنازع عليها في مدينة ايوديا الشمالية، وحق المسلمين في السيطرة على الثالث المتبقي.

يتنازع المسلمون والهندوس السيطرة على قطعة الأرض هذه والتي كان يقف عليها المسجد البابري الذي يعود بناؤه للقرن السادس عشر ويدعي الهندوس أنه بني خطأ على موضع ميلاد أحد آلهتهم وهو الإله راما.

وقد أقرت محكمة لكناو في حكمها الذي صدر في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي بأن الموقع كان المكان الذي ولد فيه الإله الهندوسي راما، وقالت إن اثنتين من الجماعات الهندوسية التي تطلب السيطرة على قطعة الأرض سوف تحصل كل منهما على ثلث مساحتها، فيما سيذهب الجزء المتبقي إلى مجلس الأوقاف السني، والذي يمثل أحد أطراف النزاع على الأرض.

وقد أصدر هذا القرار، الذي طال انتظاره وبلغ عدد صفحات قضيته 10000 صفحة، هيئة من القضاة تتألف من ثلاثة قضاة (اثنين من الهندوس وواحد مسلم) وهم دي في شارما وأغاروال سودهير وإس يو خان. وقد توصل القاضيان أغاروال وشارما إلى استنتاج أن المسجد قد تم بناؤه بعد «هدم المعبد» الهندوسي، وذلك بناء على تقرير مسح أثري أشار إلى أنه كانت هناك بنية هندوسية ضخمة موجودة في هذا الموقع قبل بناء المسجد. وقد استخدم القاضي الثالث خان نفس الأدلة ليتوصل إلى استنتاج أن «المسجد قد بني على أنقاض معبد».

وأدى قيام حشود من المتطرفين الهندوس بهدم المسجد الموجود في هذا الموقع، عام 1992، إلى اندلاع أعمال شغب قتل خلالها ما يزيد على 2000 شخص، في واحدة من أسوأ أعمال العنف الطائفي منذ تقسيم شبه القارة الهندية في 1947. ومنذ هدم المسجد، قبل 18 عاما، تم تطويق المكان بالأسلاك الشائكة والسياج المصنوعة من الحديد ويقوم بحراستها جمع من الجنود.

وقبل إصدار المحكمة لقرارها في سبتمبر، قامت الحكومة الهندية بنشر أكثر من 200000 من عناصر الأمن في جميع أنحاء البلاد للحيلولة دون اندلاع أعمال عنف طائفي جديدة في أعقاب صدور الحكم، لكن الرد جاء هادئا.

ويمثل المسلمون نحو 13 في المائة من سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة، ويأتي المسلون في الهند في المرتبة الثانية بعد مسلمي إندونيسيا من حيث العدد.

وقرر مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند، وهي هيئة خاصة أنشئت عام 1973، «بالإجماع» الطعن في حكم المحكمة أمام المحكمة العليا المركزية. وقال المجلس إن الحكم يتضمن الكثير من نقاط الضعف، وإن المسلمين سيقومون بالطعن عليه، لكنه أضاف أنه سوف يدرس اقتراحا بقبول حل وسط لتسوية النزاع القانوني الذي امتد لأكثر من 60 عاما.

وقال عبد الرحيم قريشي، المتحدث باسم المجلس، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، إن المسلمين يريدون إعادة بناء المسجد الذي تم هدمه، لكن المحكمة حكمت بأحقية الهندوس في البقاء في الأرض التي توجد عليها أنقاضه، والتي قام الهندوس ببناء معبد مؤقت عليها.

وسوف ينضم مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند إلى المجلس المركزي للأوقاف السنية في الهند الذي قرر هو الآخر الطعن على الحكم.

وبحسب ما أفادت بعض المصادر، فإنه خلال اجتماعات مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند لاتخاذ قرار بشأن مسار العمل، كان هناك تأييد واسع لخيار المصالحة، حتى بعد التوصل إلى قرار تقديم الطعن. وكان المعتدلون بقيادة رئيس المجلس مولانا رابي ناديف، ونائبه مولانا قالبي صادق، قد انتقدوا فشل الحكومة الهندية في تقديم أي اقتراح ملموس للمصالحة بعد حكم المحكمة العليا، وهذا لم يترك للمسلمين سوى «خيار واحد» وهو الاستئناف أمام محكمة أعلى. وقد أشارت تقارير إلى أن عددا من الأعضاء الأصغر سنا في المجلس، الذي يبلغ عدد أعضائه 51 عضوا، قد أصدروا نداءات للمصالحة والحوار، وقالوا إن المجتمع المسلم في الهند يريد تحقيق تقدم في هذه القضية، وإن عام 2010 مختلف عن عام 1992. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخبراء القانونيين للمجلس بقيادة عبد الرحيم قريشي ويوسف حاتم موشهلا وظافرياب جيلاني وقاسم رسول إلياس قد تغلبوا على المعتدلين. وقال المحامون إن تقسيم قطعة الأرض المتنازع عليها إلى ثلاثة أجزاء يعتبر «سابقة خطيرة» وسيئة في القانون الهندي، وأكدوا الحاجة إلى تدخل المحكمة العليا المركزية لصالح «مصالح أكبر» للمجتمع والبلاد.

وقال ظافرياب جيلاني، محامي مجلس الأوقاف السنية، الذي يطالب بالسيطرة على الموقع بأكمله، إن المسلمين لن يتنازلوا عن حقهم في كامل الموقع. وأضاف جيلاني «لا يمكن أن تتم تسوية هذه المشكلة إلا بالإقرار بحق المسلمين في هذه الأرض، ونحن لن نتنازل عن حقنا».

وتساءل شهاب الدين يعقوب قريشي، رئيس لجنة الانتخابات في الهند «إذا كان المعبد والمسجد قد تعايشا في دلهي القديمة، فلماذا لا يمكن أن يتعايشا في ايوديا؟.. هذا أمر علينا أن نفكر فيه».

وفي الوقت نفسه، قرر أحد الأطراف الرئيسية الهندوسية في القضية، وهو جماعة نيرموهي أخارا، أن يحذو حذو المجلس الإسلامي، وهو ما يضعف من أي فرصة للتوصل إلى تسوية خارج قاعات المحاكم. وقال المتحدث باسم الجماعة الهندوسية ماهانت رام داس، لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من ايوديا «ليس لدينا خيار آخر سوى اللجوء إلى المحكمة العليا بعد إصرار مجلس الأوقاف السنية على الطعن في حكم المحكمة العليا بمدينة الله آباد».

ومتحدثا نيابة عن زعيم جماعة أخارا الهندوسية، ماهانت بهاسكار داس، وهو الخصم الرئيسي في القضية، والذي لا يستطيع التحدث عبر الهاتف لأنه يعاني من مشكلات في السمع، قال رام داس «كنا متخوفين بطريقة أو بأخرى من أن توجد جماعة ضغط بين المسلمين لا تريد إنهاء هذه القضية، وهذا هو ما حدث بالضبط. وفي ظل هذه الظروف، نحن مضطرون لاتخاذ نفس المسار وطلب استئناف الحكم أمام المحكمة العليا».

وردا على سؤال عما سيحدث للمبادرات التي اتخذها هاشم الأنصاري، أول مسلم مدعٍ في القضية، والبالغ من العمر 90 عاما، لوضع حد للمعركة القضائية وتسوية النزاع من خلال الحوار، قال رام داس «حسنا، نحن جميعا نقدر جهود الأنصاري التي استجاب لها أيضا ماهانت بهاسكار داس بإيجابية للغاية، لكن ماذا نفعل الآن؟».

في وقت سابق، قال ماهانت بهاسكار داس، الذي شارك في المفاوضات مع المسلمين المدعين الآخرين في القضية بعد صدور حكم المحكمة العليا، إنه يتعين على المسلمين توضيح المكان الذي يريدون إعادة بناء المسجد عليه «إذا كان خارج محيط المعبد، نحن مستعدون للتنازل للمسلمين عن الأرض، لكن بأي حال لن نسمح ببناء المسجد فوق موضع ولادة الإله رما». وأعلن الأنصاري أن الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى تسوية ودية ستستمر بغض النظر عن تحركات الطعن على الحكم أمام المحكمة العليا المركزية.

وفي غضون ذلك، قلل حزب بهاراتيا جاناتا اليميني، الذي وصل إلى السلطة بسبب تبنيه لقضية الأرض، من حدة مواقفه المتعلقة بهذه القضية. وقال عضو البرلمان عن الحزب فيناي كاتيار إنه قد يسمح للمسلمين ببناء مركز تعليمي إسلامي في المنطقة التي حصلت عليها الحكومة المركزية.

وهذه المواقف متناقضة تماما مع المواقف الحادة التي يتبناها مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند، ومجلس الأوقاف السنية، اللذان أعلنا أن التسوية لن تكون ممكنة إلا في إطار أحكام الشريعة، التي لا تسمح بإعطاء أو إهداء المساجد لأحد. ويقول المسلمون إن الشريعة لا تسمح بنقل ملكية المسجد أو أرضه.

وقد رفض الزعماء المسلمون هذا «العرض» قائلين إنه خدعة جديدة من «فيشوا هندو باريشاد»، وهي منظمة هندوسية دولية، للحيلولة دون قيام مجلس الأوقاف بالطعن على حكم المحكمة العليا في مدينة الله آباد الصادر يوم 30 سبتمبر (أيلول).

وهذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها المجالس الإسلامية للشريعة الإسلامية لتؤكد أنه لا يمكنها التنازل عن أي مسجد بأي ثمن. كما أن هذه هي المرة الأولى أيضا التي تقترح فيها هيئات هندوسية إقامة بناء إسلامي في ايوديا. وفي وقت سابق قال رئيس «فيشوا هندو باريشاد»، اشوك سينغال، إنهم يريدون الأرض المتنازع عليها كاملة من أجل بناء معبد كبير للإله رام.

وفي أعقاب قرار مجلس الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند بالطعن في الحكم، والذي جاء بالإجماع، قال كاتيار «نحن لن نتنازل عن مطالبتنا بمعبد رام. سنتوجه إلى المحكمة العليا ونطلب من الجماهير الوقوف معنا، لكن يمكننا الموافقة على إقامة مركز تعليمي إسلامي داخل الـ67 فدانا».

رفض ظافرياب جيلاني، محامي مجلس الأوقاف السنية، العرض قائلا «لقد قررنا في اجتماع مجلس الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند أنه ما دامت الشريعة لا تجيز نقل ملكية مسجد أو أرضه لأحد، فلن نقبل بأي صيغة توافقية من دون الإشارة إلى حقيقة أن المسجد سيكون هناك في نفس المكان، حيث كان يوجد مسجد البابري قبل 6 ديسمبر (كانون الأول) عام 1992. وبما أن الشريعة الإسلامية مقبولة لدى جميع المسلمين في البلاد، فنحن سوف نعطيها الأولوية القصوى».

وردا على كلام جيلاني، قال هاشم الأنصاري «مسألة التخلي عن مطالبتنا بمسجد البابري غير مطروحة نهائيا، وأنا أثق في جيان داس (رئيس باريشاد أخارا) وأقوم بإجراء محادثات معه لأنه لم يوافق أبدا على طلب فيشوا هندو باريشاد بعدم السماح بوجود مسجد في ايوديا، وسوف أواصل إجراء المحادثات معه حتى بعد اللجوء إلى المحكمة العليا».

واتفق خالد راشد فيرانغماهلي، عضوا مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند، مع هذا الرأي «في حين أن هناك الكثير من القادة الدينيين الهندوس الذين يرغبون في احترام طلب الجالية المسلمة، فإن (فيشوا هندو باريشاد)، الجناح الديني لـ(سانغ باريفار)، تحاول بكل السبل منعنا من التحرك تجاه المحكمة العليا». وقد أعرب قريشي عن رأيه خلال محاضرة ألقاها في المركز الإسلامي الثقافي الهند في نيودلهي، وأشار إلى أنه ولد ونشأ في مدينة دلهي القديمة، حيث كان يوجد بالقرب من منطقة تشاندين تشوك معبد جاين الهندوسي، ومسجد سونهيري، ومعبد غودوار الخاص بأتباع الديانة السيخية، وكنيسة معمدانية، وكل منها كان على بعد 5 دقائق من الآخر.

وأما الشباب في الهند فيرون أن ما يشعرون بالقلق منه ليس بناء معبد أو مسجد، لكن كيف يستطيعون تحسين ظروفهم المادية. وفي هذا السياق يقول زايكا هاسجا، وهو طالب يدرس العلوم السياسية بجامعة دلهي «لقد كان لدى المواطنين ما يكفي من الانقسام السياسي، ونحن بحاجة للتحرك إلى الأمام، ويتعين على الأحزاب السياسية ضمان عدم استمرار هذه القضية لفترة طويلة».

وتساءل ذاكر أحمد قائلا «ماذا لو قمنا ببناء مستشفى أو مدرسة في موقع ايوديا المتنازع عليه، حيث يمكن لكل من الهندوس والمسلمين الاستفادة منه؟ سيكون هذا ردا مناسبا على الأصوليين وانعكاسا حقيقيا لروح الهند العلمانية». وهناك أسباب لعدم التوصل إلى تسوية لهذه القضية خلال السنوات الستين الماضية. النزاع هو بين مجموعة متنافرة من المتقاضين، ومرة أخرى الحديث عن تسوية يقتصر على الأفراد العاديين، ويبتعد عنه اللاعبون الكبار. وفي غياب الحكم، مثل الحكومة المركزية، ليس هناك من يضمن قطع الوعود وأن هذه الوعود ستحفظ في المستقبل.