مجمع اللغة العربية بدمشق: معجم جديد لألفاظ الحضارة الإسلامية

أطفال لبنانيون يقفون وراء لافتة تشجع على التمسك باللغة العربية في مهرجان توعية بلغة الضاد (رويترز)
TT

تحت رعاية نائبة رئيس الجمهورية د. نجاح العطار عقد في دمشق المؤتمر التاسع لمجمع اللغة العربية، من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 1 ديسمبر (كانون الأول) 2010، الذي جاء هذه المرة تحت عنوان: «الكتابة العلمية باللغة العربية». وكان من الملاحظ هذه المرة وجود تمثيل جيد لمجامع اللغة العربية في الدول المجاورة (العراق وفلسطين ومصر... إلخ)، وتفعيل للأعضاء المراسلين للمجمع الذين ينتشرون في دول عربية وأوروبية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجمع اللغة العربية بدمشق تأسس في 1919، أي في الوقت نفسه الذي بدأ فيه تدريس الطب باللغة العربية الذي بدأت فيه الجامعة السورية (جامعة دمشق لاحقا)، ولا تزال تتميز فيه الجامعات السورية. ومن هنا يبدو أن اختيار موضوع المؤتمر (الكتابة العلمية باللغة العربية) بعد نحو قرن من تدريس الطب بالعربية كأنه جاء ليؤكد على أن العربية قادرة على أن تكون لغة العلوم الحديثة في الوقت الذي يشاع فيه غير ذلك.

في الكلمة الافتتاحية لرئيس المجمع د. مروان المحاسني لفت النظر إلى أنه في عام 38 للهجرة دونت في بلاد الشام أول مخطوطة للكيمياء في اللغة العربية. صحيح أن هذه كانت ترجمة عن اليونانية ولكنها كانت مهمة لكونها تثبت أن اللغة العربية التي كانت حتى ذلك الحين لغة القرآن الكريم والحديث النبوي والشعر المروي أثبتت بسرعة أنها لغة للعلوم أيضا. ومن هنا انتهى د. المحاسني إلى رفض ما يشاع الآن عن أن اللغة العربية فقدت صلتها بالعلوم بعد انطفاء جذوة الحضارة العربية الإسلامية بسقوط الأندلس، وحمّل الإعلام مسؤولية خاصة، مطالبا إياه بتيسير لغة علمية صحيحة واستخدام لغة دقيقة لا لبس فيها. أما أمين مجمع اللغة د. مكي الحسني الجزائري فقد انطلق في تقريره عن أعمال المجمع ولجانه الكثيرة إلى الموضوع الرئيسي للرد على «من يدّعون تعذّر تعليم العلوم بالعربية لقلة المصطلحات». وقد ربط د. الجزائري هذا الموقف بالتردي العام للحديث بالعربية الذي يعود إلى أمرين خطيرين حسب رأيه: «تردي مستوى التعليم بالعربية، واستخفاف المتعلمين بلغتهم العربية».

وفي ما يتعلق بلجان المجمع الكثيرة (16 لجنة تبدأ من «لجنة اللغة العربية وعلومها» وتنتهي بـ«لجنة مؤسسي المجمع») فقد حرص د. الجزائري على توضيح ما أنجزته كل لجنة من توصيات وترجمات ومصطلحات جديدة... إلخ. وفي هذا السياق، على سبيل المثال، أورد د. الجزائري أن «لجنة المصطلحات الزراعية» قد درست نحو ألفي مصطلح وكذلك فعلت «لجنة الثروة الحيوانية»، بينما قامت «لجنة العلوم الفيزيائية» بوضع 680 مصطلحا جديدا لطرحها في التداول... إلخ.

ويهمنا هنا على وجه الخصوص «لجنة ألفاظ الحضارة» التي أخذت على عاتقها وضع «معجم ألفاظ الحضارة» في العربية مع ما يقابله في الإنجليزية والفرنسية. وقد قدمت هذه اللجنة إلى المؤتمر ثلاثة أقسام من المعجم: «باب المهن والحرف»، و«ملاحق الملابس والمنزل»، و«لوازم المنزل والحرف»، لمناقشتها قبل إقرارها بشكلها النهائي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عمل المؤتمر كان يتوزع على جلسات صباحية مغلقة لأعضاء المجمع وضيوفه من المجامع الأخرى، خصصت لمناقشة تقارير اللجان، وعلى جلسات مسائية مفتوحة تقدم فيها محاضرات لأعضاء المجلس ضمن المحور العام المخصص لهذا المؤتمر «الكتابة العلمية باللغة العربية».

وقد خصّص المجمع جلسته الصباحية الأولى لمناقشة الأقسام المقدمة لـ«معجم ألفاظ الحضارة»، حيث كانت تقرأ كل لفظة وتناقش قبل أن تقرّ. وكان من اللافت للنظر هنا أن رئيس المجمع د. المحاسني قد دعا زميله المصري د. محمد عبد العزيز حسن إلى مشاركته في ترؤّس جلسة العمل هذه، التي تميزت بمشاركة عربية فاعلة كانت ضرورية، ما دام هذا المعجم موجّها إلى كل العرب.

وقد كانت هذه النقطة بالذات محور النقاش العام في هذه الجلسة، فقد انتقد ضمنا د. عبد العزيز عمل المجامع العربية الكثيرة التي تفتقر إلى التنسيق في هذا المجال، حيث إن «كل مجمع يقترح شيئا ويسكت»، ولذلك دعا إلى «معجم موحد لألفاظ الحضارة». وقد بيّن هنا مجال الاختلاف في ألفاظ الحضارة ما بين الدول العربية حتى لا يفهم المرء في بعض الأحيان ما المقصود بأسماء المحلات «محل للتقبيل»، «مخدع هاتفي».. إلخ. ومن هنا فقد رأى د. عبد العزيز ضرورة التنسيق والتعاون بين المجامع العربية حتى ينجز هذا العمل (معجم ألفاظ الحضارة) على مرحلتين: مرحلة قصيرة تتوج بمعجم صغير يستعمله المرء خلال زياراته للبلاد العربية، ومرحلة موسعة تنتهي بمعجم كبير للاستخدام العلمي.

وفي مداخلته على ذلك أثنى د. المحاسني على ما اقترحه د. عبد العزيز (التنسيق بين المجامع)، ورأى بدوره أن «معجم ألفاظ الحضارة» يمكن أن يكون على ثلاثة مستويات: ما هو للاستعمال اليومي، وما هو للثقافة العامة، وما هو للترجمة. ولكن في الوقت نفسه شدّد د. المحاسني على ضرورة مراجعة الطرائق التي استخدمت حتى الآن، مستشهدا بما قام به مجمع اللغة العربية في الأردن بالنزول إلى الميدان وجمع الألفاظ المستخدمة لدى القرويين والبدو.

ويلاحظ أن الأقسام الثلاثة المقدمة من «معجم ألفاظ الحضارة» قد اشتملت على ألفاظ شائعة وألفاظ غير شائعة («بردياتي» للباحث في البرديات، و«طفيلياتي» للباحث في الطفيليات... إلخ)، وألفاظ شائعة في بلد (مصر... إلخ) وغير مستخدمة في بلد آخر (سورية... إلخ)، ولذلك فإن المشاركة العربية كانت مفيدة في توضيح ما هو شائع هنا وما هو مقصود بتلك اللفظة هناك... إلخ.

ومن المأمول الآن بعد إقرار هذه الأقسام الثلاثة والاتفاق على التنسيق بين المجامع العربية في هذا المجال أن لا يبقى هذا الجهد المشترك (معجم ألفاظ الحضارة) في الأدراج، وأن لا ينحصر صدوره في حلقة ضيقة، بل أن يكون متاحا للمعنيين به من العرب وغير العرب في أقرب وقت ممكن.

* عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بدمشق.