مفتي السعودية يدعو للحوار مع معتنقي فكر «القاعدة»: العنف لا يعالج بالعنف

الرياض تسجل تراجع 1500 شخص عن أفكار التنظيم.. والمفتي التقى مجموعة منهم.. ويؤكد: الانتقام ليس هدف الدولة

مفتي السعودية خلال حديثه للتائبين في الرياض أمس (تصوير: خالد الخميس)
TT

دعا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية، إلى فتح صفحة الحوار مع معتنقي فكر تنظيم القاعدة، مؤكدا أن ذلك هو السياسة المثلى لثني المتعاطفين مع التنظيم عن أفكاره.

وسجل المفتي موقفا هو الأول من نوعه بدعوته لاعتماد الحوار مع معتنقي الفكر المتطرف، وقال إن «العنف لا يواجه بعنف».

وسجلت الرياض تراجع 1500 شخص عن أفكار تنظيم القاعدة، بعد حوار إلكتروني قاده مجموعة من الدعاة المنضوين تحت مظلة «حملة السكينة»، وهو تجمع يرعى حكوميا، ومتخصص في محاورة من يحملون فكر القاعدة عبر شبكة الإنترنت.

وأسهمت «حملة السكينة» الإلكترونية، في معالجة فكر 1500 شخص، كانوا يتبنون أفكار القاعدة. والتقى مفتي عام السعودية بمجموعة ممن نبذوا فكر «القاعدة» في العاصمة الرياض، وأشاد بمبادرتهم تلك.

وأكد مفتي عام السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، على مجموعة المتراجعين عن فكر تنظيم القاعدة، بأن يكونوا أدوات بناء لا تخريب.

الشيخ عبد المنعم المشوح، رئيس حملة السكينة الإلكترونية، أعطى مزيدا من المعلومات التفصيلية للمفتي عن طبيعة المراجعات التي خضع لها التائبون الـ1500، وقال إن منهم من تراجع 100 في المائة، وبعضهم أقل من ذلك.

ويقوم على حملة السكينة الإلكترونية، التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، 60 شخصا فقط، قاموا بمحاورة 3 آلاف شخص عبر شبكة الإنترنت، نصفهم تراجع، والنصف الآخر بقي على موقفه.

ولحملة السكينة، موقع إلكتروني، باللغتين العربية والإنجليزية، يزوره مواطنون من 107 دول في العالم، طبقا لما ذكره رئيس الحملة عبد المنعم المشوح، الذي أوضح أن عام 2010، شهد تراجعات كثيرة على مستوى قادة فكر «القاعدة» والأتباع والمتعاطفين والمتعاطفات. بينما لم يذكر تفصيلا حول النساء اللائي تخلين عن أفكار تنظيم القاعدة.

وطبقا لما ذكره رئيس حملة السكينة لمفتي عام السعودية، فإن القائمين على الحملة يرتادون 800 موقع ومنتدى محسوبة على فكر تنظيم القاعدة، ويتحركون فيها باتجاهين؛ أحدهما الحوارات المباشرة بعرض الشبهات وعرض التأصيل الشرعي الصحيح لها، أما الاتجاه الثاني هو بث ونشر المواد الإيجابية. وهنا، أكد مفتي عام السعودية على أهمية الاستفادة من شبكة الإنترنت في مواجهة فكر تنظيم القاعدة، قائلا: «إنها وسيلة تحقق بتوفيق الله المقصود للداعي إلى الله، وتبلغ الدعوة إلى ملايين العالم في مختلف بقاع الأرض».

ودعا رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية، إلى أن يكون لموقع السكينة الخاص بتصحيح مفاهيم المتعاطفين مع تنظيم القاعدة «وجود في المحطات الفضائية الخارجية، سواء كان بتملك القنوات أو استئجارها، لكي تبلغ منهجها وطريقها للآخرين، ليعلموا أن هناك دعاة صالحين ناصحين يحبون الخير ويكرهون الشر بعيدين عن الغلو والجفاء».

وأكد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، أهمية حوار معتنقي فكر «القاعدة»، وقال: «الإرهاب لا يعالج بأكثر من التوعية، العنف لا يعالج بالعنف، بل بالتوعية السليمة والنصائح القيمة والدعوات الصادقة والحوار الهادف الذي يتوصل به إلى تحقيق مقصودنا».

وعقد المفتي، لأول مرة، مؤتمرا صحافيا، لتسليط الضوء على لقائه ببعض المتراجعين عن فكر تنظيم القاعدة.

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول دعوته للحوار مع معتنقي فكر «القاعدة»، وإشارته إلى أن العنف لا يولد إلا عنفا، وكيفية التعامل مع من يصرون على حمل السلاح في ظل هذه الدعوة، قال مفتي عام البلاد: «والله نحن نحاورهم ونقنعهم بأن هذا خطر واضح، وبأن الإسلام ضد ذلك، من حمل علينا السلاح فليس منا، وإن المسلم حرام عليه سفك دم أخيه المسلم، فإذا اقتنع به الحمد لله، إنما نقف منه موقف شجب هذا الرأي وتبيين حقنا، لعلنا من خلال سياق الأدلة من الكتاب والسنة أن يقتنع بطيب خاطر، لأن حمل السلاح على المسلمين هو مذهب الخوارج».

وأكد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على أهمية نقاش معتنقي الأفكار الإرهابية، سواء كان ذلك خطيا أو صوتيا. وطالب المناصحين بالصبر خلال محاورتهم معتنقي الفكر المتطرف، باعتبار التراجع عن الخطأ عن قناعة طمأنينة أولى من أن يتراجع وفي قلبه لغط، على حد قول المفتي.

وسجل رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء، دعوة لحملة السكينة الإلكترونية المتخصصة بمراجعة ومناصحة معتنقي فكر «القاعدة» عبر الإنترنت، بأهمية أن تشارك الحملة في الفضائيات الأميركية والأوروبية، لتوصل صوتها للمجتمع الغربي، حيث جاء ذلك في مطالبته بأن يرتقي بموقع السكينة، وأن يسهم في الاشتراك بالقنوات الفضائية الأوروبية والأميركية والآسيوية حتى ينشر الدعوة إلى الله.

وأكد في ذات السياق على أن بلاده تسعى لاستئصال الفكر المنحرف من شباب الأمة، ودعا إلى عدم الانخداع وراء الأفكار الشاطة والمنحرفة ودعاة السوء الذين يصورون الباطل بصورة الحق.

وفي أكثر من موقع، سجل مفتي عام السعودية، تأكيدات على أهمية الحوار، وقال: «إن سياسة الحوار والنصيحة لها هدف بعيد المدى، ذلك لأن الدولة ليس هدفها التشفي أو إيذاء الناس أو إهانتهم، بل هدفها الإصلاح والاستصلاح وأن يفهم الناس الحق. لافتا إلى أن هذه السياسة الحكيمة أدت ثمارها الجامعة».

ودعا إلى بذل الجهد في سبيل إعزاز الأمة والرفع من شأنها والعلو من مكانتها، ليكون المتراجعون عن أفكار التطرف أداة بناء لا أداة تخريب، وأداة إصلاح لا فساد وأداة للاجتماع لا التفريق.

وفي رده على سؤال حول أبرز شبهات «القاعدة» قال المفتي: «الشبهات كثيرة ومتعددة والغالب أن كثيرا منها ليس علميا، وإنما تلوث فكري جهل صاحبه حقيقة الأمر، مما يدل على أن هذا الفكر ليس له أصول ثابتة، إنما هو على شيء لا حقيقة له، فليس هناك شبهة ذات شأن ممكن أن تقال، إنما هي جهالة وتلقين لأفكار لم يعلموا حقيقة واقتنعوا بها، وهي كسراب بقيعة».

وعن مدى اعتقاده أن الجهود الدعوية عن طريق الإنترنت كافية لصد الأفكار المتطرفة، أوضح المفتي: «الإنترنت وسيلة، المنابر وسيلة، التعليم وسيلة، إعلامنا من صحافة ووسائل إعلام وسيلة. الإنترنت قد يكون له أهمية بالنسبة إلى من كان خارج البلاد، ولا بد أن نضع أيدينا على كل ميدان نرى فيه محاصرة هذا الفكر في جميع جوانبه». وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك خطة أو عمل مشترك، بين رئاسة الإفتاء وحملة السكينة، قال: «الحملة من خلال موقعها على الإنترنت أفادت بتراجع 1500 نفر خارج المملكة، فالقضية أن الموقع أثر خارج المملكة، فداخل المملكة من باب أولى، والحمد لله، نرى أن هذا الفكر قد انحصر، والناس فهموا وأدركوا حقيقة الأمور وعرفوا أن هذه أفكار غريبة ودخيلة عليهم».

وعن تعرض بعض الدعاة لبعض التهديدات، وتعرض حملة السكينة لتهديدات مباشرة وجهت لهم عبر «الإيميل» قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: «كل الأعداء يهددون، وهذا أمر ليس بغريب. لكن بإذن الله هذا عجز منهم، ودليل على انحصار أمرهم وأنهم لن يستطيعوا أن يؤثروا على الآخرين بشيء».

وعن أبرز الملاحظات التي أبداها للقائمين على حملة السكينة، قال إني دعوتهم لتكثيف الجهود والاستعانة بكل وسيلة والولوج للمحطات الخارجية ولو على حساب الاستئجار لإبلاغ هذه الرسالة الحقة وتبيين الحق للمسلمين.