رحمة الله قاري لـ «الشرق الأوسط»: وزعنا آلاف الكتب.. وأشعنا الأفراح بين آلاف الأسر الفقيرة والمحتاجين

مكتب رابطة العالم الإسلامي ومركز الأميرة الجوهرة الثقافي يواصلان نشاطاتهما الإنسانية في البوسنة

رحمة الله قاري، مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي ومركز الأميرة الجوهرة الثقافي لدى تفقده أحد النشاطات («الشرق الأوسط»)
TT

يواصل مكتب رابطة العالم الإسلامي، ومركز الأميرة الجوهرة (بوغوينو) في البوسنة والهرسك، نشاطاتهما الإنسانية الشاملة، التي وصفها مديرهما، رحمة الله قاري، لـ«الشرق الأوسط» بأنها «توفر غذاء الفكر والروح، مع متطلبات الحياة، ومقومات النفس والبدن، بما تحمل من معاني التكافل والتراحم وحمل العلم لمن يحتاج إليه، مع إطعام الطعام، وإشاعة فرحة العيد، وتوفير اللحوم لآلاف الأسر الفقيرة والمحتاجين».

وفي هذا الإطار، «قام مكتب رابطة العالم الإسلامي، ومركز الأميرة الجوهرة، بطبع آلاف النسخ من عدة كتب قيمة، طبعت من قبل رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، وتمت ترجمتها إلى اللغة البوسنية، بمدينة بوغوينو (140 كيلومترا غرب العاصمة سراييفو) في البوسنة». ومن الكتب التي تمت ترجمتها:

1) «وحدة الأمة الإسلامية في القرآن الكريم»، حيث أشار بوضوح في الكثير من آي الذكر الحكيم إلى وجوب وحدة المسلمين، «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (الأنبياء: 92). وهي تحمل معاني كثيرة إجمالية، ومنها وحدة الدين، ووحدة السنة، والوحدة الروحية، ووحدة التشريع المستمدة من الوحيين، وتدفع بدورها إلى وحدة الموقف، الذي يفضي إلى وحدة الواقع والمصير. 2) «وحدة الأمة في القرآن والسنة»، فلأن القرآن الكريم زخر بأوامر الوحدة بين المسلمين، والحث عليها، والنهي عن الشقاق والخلاف، فإن السنة النبوية، قد أكدت على هذه الوحدة، من خلال الكثير من الأحاديث. وكانت خطبة حجة الوداع، حجة شاهدة إلى يوم الدين، وقد أشهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربه على ذلك، حيث أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكثير من الأحاديث إلى نقائض الوحدة، ومن بينها النزاع وسفك الدماء، «يا أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد»، وخطبة الوداع حري بكل مؤمن أن يعلقها على صدره، ويضعها أمام عينيه، ويكررها يوميا على لسانه وشفتيه، فهي تفسر الكثير مما جاء في القرآن، واختلف عليه.

3) «وحدة الأمة في السنة النبوية»، وهي الحياة العملية لمجتمع المدينة، وما حولها في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتبرز هنا، قصة المؤاخاة بين الأوس والخزرج، والمهاجرين والأنصار، ووضع حد للتفاخر بالآباء والأجداد، والانحياز الأعمى للقبيلة والعشيرة حتى قال قائلهم: «أبي الإسلام لا أب لي سواه، إذا افتخروا بقيس أو تميم»، وكانت النزاعات القبلية والطائفية والقومية قد أشعلت نار الحرب في أوروبا على مدى ألف عام، ويتهدد الأمة المصير نفسه إذا لم تستمع إلى أوامر ربها وتعاليم رسولها - صلى الله عليه وسلم.

4) «وحدة الأمة.. نماذج من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم»، فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - نموذجا يحتذى في الحفاظ على وحدة المسلمين، فعندما فتن أهل الفتن بين الأوس والخزرج، قال قولته الشهيرة بعدما ذكرهم بشرف الانتماء إلى الإسلام: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!»، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم»، وفي الذكر الحكيم: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم»، وقوله تعالى: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما»، وكان المستجيب الأول لهذا النداء الرباني الرسول - صلى الله عليه وسلم - «ولكم في رسول الله أسوة حسنة». وفي الأدب والشعر حكم تصب في مقاصد القرآن والسنة «إذا كان ذبحي لا يزكي أخوتكم، فما الأخوة إلا الغش والكذب».

5) «الحفاظ على هوية الأمة وشخصيتها»، وتمثلها المشتركات بين المسلمين، فالإيمان بالله ربا لا شريك ولا شبيه له، «ليس كمثله شيء»، وبالرسول - صلى الله عليه وسلم - رسولا ونبيا أرسله الله رحمة للعالمين، والإيمان بالملائكة، والكتب والنبيين، وبالجنة والنار والتوجه للقبلة عند الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، كلها مشتركات أساسية بين المسلمين جميعا، ثم تأتي المشتركات الأخرى التي لا تؤثر على الأساسيات العقدية والشعائرية المذكورة، وهي المشترك الثقافي، والجغرافي، واللغوي، إذ إن العربية هي لغة المسلمين جميعا، وكانت حتى قرون قليلة خلت لغة العلوم الشرعية كتابة وقراءة وتأليفا ومرجعية.

6) «رابطة العالم الإسلامي نموذج مضيء للوحدة في التاريخ الإسلامي المعاصر»، تعتبر رابطة العالم الإسلامي، من المؤسسات الرائدة في مجال العمل على ترسيخ مفاهيم وممارسات الوحدة بين المسلمين، والتداعي لجراحهم، والإسهام في التخفيف من آلامهم، ومساعدتهم على تخطي التحديات، وتحقيق الإنجازات. وقد حققت في الخمسين عاما الماضية الكثير للمسلمين في العالم، فقد كانت «بمثابة الأم» للمسلمين جميعا، بعد أن أصبحوا كالأيتام على موائد اللئام، حيث تنتشر مكاتبها في الكثير من الأقطار عبر العالم، تكفل الدعاة، وتواسي الأيتام، وتنشر العلم، وتخدم قضايا المسلمين في مختلف المجالات، وتساهم في السلام العالمي من خلال خطاب وسطي، يشهد له العالم كله. وتعمل الرابطة منذ نشأتها على وحدة كلمة المسلمين، من خلال توحيد مواقف علماء الأمة، والحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة وتعزيز مكانتها في العالم، وحل النزاعات القائمة بين المسلمين، وتقديم الحلول الناجعة لمشكلاتهم، ومواجهة التيارات والمواقف المعادية، إلى جانب مواجهة التيارات المنحرفة والأفكار الخاطئة.

وإلى جانب ترجمة وطباعة الكتب المذكورة، «قام مكتب رابطة العالم الإسلامي، ومركز الأميرة الجوهرة الثقافي (بوغوينو) في البوسنة والهرسك، بتزويد مكتبة المركز بـ390 عنوانا بوسنيا، وذلك بالتشاور مع مديري المدارس الابتدائية التي يستفيد طلبتها من خدمات المركز، التعليمية والرياضية والثقافية والترفيهية والمهنية، وغيرها».

وعلى صعيد المساعدات العينية، «اتسم عيد الأضحى المبارك الماضي (2010م، الموافق 1431 هجري)، بنشاطات مميزة داخل مركز الأميرة الجوهرة الثقافي، (بوغوينو) في البوسنة والهرسك، حيث تم توزيع لحوم 4 بقرات، وتم توزيع 150 كيسا من اللحوم يزن كل واحد 4 كيلوغرامات من اللحم». وتم في السياق نفسه، «توزيع 80 كيسا من اللحوم على الفقراء والمحتاجين في زينتسا (70 كيلومترا جنوب سراييفو) عن طريق جمعية (رحماء) التي تعتني بالمرضى من كبار السن». إضافة إلى توزيع «200 كيس من اللحوم في مدينة زينتسا نفسها على مستحقيها، ممن تحول ظروفهم المادية عن التمتع بأحد مظاهر العيد، وهو تناول اللحم، ليس من أجل أكل اللحم فقط، وسد الحاجة، حيث تمضي الشهور دون أن يتناول الكثير من الناس اللحم، وإنما لاستشعار رحمة الله سبحانه، فهو الذي أطعم من جوع وآمن من خوف، وهو الذي يرأف بعباده، وكانت قصة إسماعيل - عليه السلام - تجسيدا واقعيا لرحمة الله تعالى، (وفديناه بذبح عظيم)».

تجدر الإشارة إلى أن جامع الأميرة الجوهرة يتسع لألفين وخمسمائة مصل، وهو لوحة فريدة من حيث جمال التصميم وروعة البناء، يقصده القريب والبعيد، ويقطع البعض عشرات الكيلومترات لشهود الصلاة فيه، ولا سيما صلاة الجمعة. أما في العيدين فيضطر الكثيرون إلى الصلاة في الخارج بعد أن يكتظ الجامع بالمصلين. ويعتنى داخل الجامع بتعليم القرآن الكريم للنشء حفظا وتجويدا، والحديث الشريف حفظا وتفسيرا، والفقه أحكاما وتأصيلا، وفق برنامج المشيخة الإسلامية. ويتكون المركز المقام مع الجامع على مساحة 1700 متر مربع، من عدة مرافق، منها الإدارة، والمكتبة، وقاعة المؤتمرات، وقاعة تعليم اللغات، وقاعة الحاسب الآلي، ومصنع الخياطة، وقاعة المعرض، والروضة، والصالة الرياضية. وقد بلغت تكلفة الإنجاز 14 مليون ريال سعودي.

وتقدم المكتبة التي تحتوي على أمهات الكتب، وكل جديد في عالم الإصدارات الحديثة، خدمات جليلة للطلبة والغارفين من معين المعرفة في كل المجالات.. فيها يعد الطلبة بحوثهم، ويراجعون فيها مقرراتهم الدراسية، ويطلع فيها من يشاء، على كل جديد، في المسار المتسارع لدنيا الطباعة والنشر.

وتعد قاعة المؤتمرات «من المرافق الأساسية، التي تقدم خدمات جليلة لسكان وسط البوسنة، ففيها تقام الندوات العلمية المتخصصة واجتماعات النخبة، وقيادات المشيخة الإسلامية».

وتقدم الروضة «ملاذا وملجأ للأطفال في ساحة تفتقر إلى الكثير من الخدمات الأساسية، وخاصة رياض الأطفال، حيث يقصدها الأهالي مع أطفالهم ليتمتع أبناؤهم بأوقات مرحة، حيث تتوافر الألعاب، وكل المستلزمات التي يحتاج إليها الأطفال لمرحهم ورغباتهم الصغيرة، كما تمثل الروضة حلا للأمهات المشاركات في الدورات التي ينظمها المركز، إذ يتركن أطفالهن في الروضة ويتفرغن لطلب المعرفة واكتساب المهارات المختلفة». ويقدم مركز الأميرة الجوهرة الثقافي من خلال مصنع الخياطة، أحد المرافق المهمة التابعة للمركز، «مساهمة كبيرة وفعالة في الميدان التنموي بالمنطقة، حيث تعلم المئات من النساء حرفة الخياطة والتفصيل، تجسيدا لمبدأ الأسرة المنتجة».