لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس في ذكرى يوم المرأة العالمي: ليس من المقبول تسميم المستقبل

الحجاب في تونس بعد سقوط بن علي.. حرية تغيب عند حاجز بطاقات الهوية وجواز السفر

طالبات تم طردهن من الجامعات بسبب الحجاب في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

عانت التونسيات كثيرا من الإجراءات التعسفية والقمعية لنظام بورقيبة، فابن علي، على مدى يزيد على خمسين سنة، ولا سيما بعد صدور المنشور 108، الذي يحظر على النساء ارتداء الحجاب. وأدى ذلك لطرد آلاف النساء من مختلف الوظائف كالطبيبات، والمهندسات، والكوادر الجامعية، وشمل ذلك القطاع الخاص، والطالبات في جميع المراحل الدراسية من الثانوية وحتى الجامعة. وهو ما عكر صفو الاجتماع المدني في تونس، وزاد من توتير الأوضاع سياسيا وثقافيا واجتماعيا. وكان سقوط بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011 بمثابة سقوط حائط برلين بالنسبة لحرية ارتداء الحجاب لآلاف التونسيات، لكن أجزاء من الحائط الكريه لا تزال قائمة في تونس، وتتمثل في استمرار رفض استخراج جوازات السفر للتونسيات المحجبات. وقالت «لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس» في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إنها علمت أن «الداخلية التونسية رفضت خلال الأسابيع الماضية إصدار بطاقات هوية للكثير من المواطنات التونسيات بحجة أنهن مرتديات للحجاب في الصور الفوتوغرافية المقدمة في ملف طلب استخراج بطاقات الهوية وجوازات السفر». وذكرت اللجنة في بيانها الجديد، الذي يعد حلقة في سلسلة بيانات دأبت على إصدارها في السنوات الماضية «عينة من الحالات التي لا تزال تطالب برفع الخطوط الحمراء عن الحريات الشخصية، وفي مقدمتها الحرية في اختيار اللباس، إذ إن البالغين ليسوا طلاب مدارس ابتدائية يخضعون للباس موحد»، من بين الحالات التي تم رصدها من قبل اللجنة هي حالة السيدة مريم الرزقي التي تقدمت بملفها بتاريخ 16 فبراير (شباط) الماضي بمركز حي الملاحة بولاية أريانة بالعاصمة التونسية «فبعد أن وعدوها بتسليمها بطاقة هويتها في أجل أقصاه أسبوع» تراجعوا عن ذلك وأبلغوها بأن طلبها مرفوض، وهو ما حدث مع الآنسة سنية الهداجي، التي تقدمت بملفها لمركز الحرس الوطني بمدينة قابس، إضافة لعشرات الحالات الأخرى المسجلة في مختلف الولايات (المحافظات) التونسية».

وقد زاد من حالة التوتر، وكثف الأسئلة حول طبيعة الديمقراطية، وأجواء الحريات، التي دفع التونسيون ثمنها دماء، وتقييدا للحرية داخل السجون، ومعاناة في المنافي، وسط استمرار حالة السادية الأمنية المفرطة «أمام احتجاج وإصرار بعض المحجبات، أفاد بعض المسؤولين الأمنيين بأنهم تلقوا منشورا جديدا من وزارة الداخلية خلال الأيام القليلة الماضية يرفض إصدار بطاقات هوية وطنية تحمل صور محجبات، وقد حصلت اللجنة على نسخة من هذا المنشور» حول مواصفات الصورة في بطاقة الهوية الوطنية.

وعودة للمنشور المذكور، فإن وزارة الداخلية التونسية عادت إلى أوامر تعود لتاريخ 13 أبريل (نيسان) 1993، تذكر وزارة الداخلية أنه استنادا لمقتضيات الأمر عدد 717 المؤرخ في 14 أبريل 1993 خاصة الفصل السادس منه، الذي ينص على أن تكون الصورة الفوتوغرافية المشار إليها بالفصلين الثاني والرابع من هذا الأمر من حجم 3 على 4 سنتيمترات تؤخذ وجها على لوحة خلفية من اللون الأبيض وبمقياس واحد على 10 وتبين الشعر والعينين. وأشار قرار وزارة الداخلية الجديد إلى أنه يسمح للملتحين باستخراج بطاقة هوية باللحى «فقط دون المحجبات اللواتي عليهن واجب إظهار شعر رأسهن في الصورة احتراما للقانون»، وقد وصف الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين ما وصف بالقانون بالجائر، وأنه يكرس السياسات البوليسية القمعية غير الشرعية بحق طيف واسع من الشعب التونسي، بما يعد انتهاكا صارخا للحريات وحقوق الإنسان وشعارات تحرير المرأة.

وقد أكدت اللجنة التونسية للدفاع عن المحجبات في تونس، أنه «لم يصدر في تاريخ تونس سابقا أي قانون في هذا السياق، وإنما هي مجرد مناشير غير دستورية طعنت المحكمة الإدارية سابقا في حكمها الابتدائي في قضية رفعتها مدرسة ضد وزير التعليم السابق عام 2007 حول شرعية وقانونية المنشور المعروف بالمنشور 108». وحذرت اللجنة بشدة من «خطورة استمرار تحكم أطراف معروفة بالنهج الاستئصالي الذي كرسه الرئيس المخلوع ونظامه ضد المواطنات التونسيات المحجبات في الإدارة والمؤسسات التعليمية وحتى في الشارع».

وطالبت اللجنة وزير الداخلية الجديد وكل الجهات المسؤولة في هذه المرحلة الانتقالية بالتدخل لإلغاء هذا المنشور غير الدستوري الذي وصفته بـ«منشور العار» و«تمكين المواطنات التونسيات المحجبات من وثائقهن دون قيد أو شرط»، كما أكدت أنها ستتابع القضية وتحمل الأطراف التي تقف وراء هذا الإجراء المرفوض ما يترتب عليه. وأشارت إلى أن «الثورة التونسية الرائدة شقت طريق رفض الظلم وتحقيق العدل والحرية» وأن «مثل هذا المنشور الذي يحظر على المحجبات التونسيات استخراج وثائقهن الإدارية، وهن محجبات، يستدعي في أذهان الأغلبية من التونسيات سياسات النظام السابق الذي عانت المحجبات في عهده التجاوزات الخطيرة، مثل الاعتداء بالعنف ونزع الحجاب في الشارع بالقوة، والطرد من العمل والدراسة، وحرمان النساء من استخراج وثائق بصور وهن محجبات وتكريس المنشور 108». ودعت اللجنة جميع المهتمين بقضايا الحريات الفردية والعامة في تونس إلى رفض هذا المنشور غير الدستوري. وأعلنت أنها بصدد التنسيق للدعوة إلى اعتصامات أمام وزارة الداخلية لتمكين جميع المحجبات من وثائقهن الإدارية مثل بطاقة الهوية وجواز السفر وهي تحمل صورهن بالحجاب. ونوهت اللجنة باحترام الدول المتحضرة لحرية اللباس بما في ذلك الحجاب، حيث تتمكن المحجبات في هذه الدول من استخراج بطاقات الهوية وجوازات السفر وهن محجبات. وشددت على أنه «من غير المقبول في تونس ما بعد الثورة النكوص إلى الوراء لتسميم المستقبل الموعود بالحرية والانعتاق من الاستبداد، والنساء التونسيات المحجبات في مقدمة من يتوق إلى التخلص من عقود الظلم والقهر والغبن».