سراييفو: احتفال بطباعة القرآن على طريقة «برايل» لصالح المكفوفين في منطقة غرب البلقان

السفير السعودي الثقفي: المملكة طبعت أكثر من 128 مليون نسخة من القرآن الكريم

TT

شهدت قاعة المحاضرات بمركز خادم الحرمين الشريفين الثقافي في سراييفو مؤخرا حدثا تاريخيا جديدا وغير مسبوق، تمثل في طباعة المصحف الشريف على طريقة «برايل»، باللغة البوسنية، التي يتحدث بها نحو 70 مليون نسمة من سكان البلقان، بمبادرة من المملكة العربية السعودية. وذلك بعد طباعة «تفسير ابن كثير»، و«صحيح البخاري» كاملا. وقد اكتظت قاعة المحاضرات بالمنتفعين من المشروع وذويهم ووسائل الإعلام ورجالات الفكر الذين يتابعون كل جديد على الساحة الثقافية في منطقتهم.

وقال عيد بن محمد الثقفي، السفير السعودي لدى البوسنة والهرسك، لـ«الشرق الأوسط»: «تكتسب مناسبة طباعة القرآن الكريم على طريقة (برايل) أهمية خاصة، ليس فقط لنا نحن الحاضرين في هذا اليوم، بل لتاريخ الإسلام في البوسنة والهرسك، فلأول مرة يتم طباعة القرآن الكريم على طريقة (برايل) باللغة البوسنية، لتتاح الفرصة لشريحة مهمة من الناطقين باللغة البوسنية لقراءة القرآن وتدبر آياته ودراسته وتقديم إسهاماتهم حول معانيه العظيمة لإخوانهم المسلمين، وغير المسلمين». وحول الإضافة التي يمكن أن يساهم بها المكفوفون، ودور المملكة العربية السعودية في إتاحة هذه الفرصة لهم، قال: «لا ننسى أن كثيرا من علماء الإسلام البارزين كانوا من المكفوفين. أما العناية بالقرآن الكريم فنحن في المملكة العربية السعودية يشرفنا أن تولينا هذه المهمة العظيمة، وهي العناية بالقرآن الكريم، منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله، وقد توجت هذه العناية بإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف عام 1984 برعاية كريمة من الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، وبلغ إنتاج هذا المجمع حتى نهاية 2007 أكثر من مائة وثمانية وعشرين مليون نسخة من المصاحف الكاملة، إضافة إلى إنتاج المجمع من التسجيلات الصوتية، وأجزاء من القرآن الكريم، وكتب التفسير، والسنة النبوية المطهرة، التي يتم توزيعها بالمجان على المسلمين في أنحاء العالم، واستفاد منها مسلمو البوسنة والهرسك، بالإضافة إلى الاعتناء بترجمة معانيه إلى اللغات الأخرى».

وحول واقع العناية بالقرآن الكريم انطلاقا من المملكة العربية السعودية أفاد: «لقد واصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، نهج الملك فهد، بالاهتمام بالقرآن الكريم، وصدر توجيهه الكريم بتمويل طباعة هذه النسخة من القرآن الكريم بطريقة برايل، باللغة البوسنية، هدية من حكومة وشعب المملكة لإخوانهم في هذه البلاد». وأشار السفير الثقفي إلى «الصدى الكبير الذي أحدثته عملية ترجمة وطباعة (صحيح البخاري) كاملا إلى اللغة البوسنية العام الماضي، وذلك لأول مرة في تاريخ المنطقة أيضا. يأتي ذلك بعد أن شهدنا العام الماضي في هذا المكان تقديم ترجمة صحيح البخاري، باللغة البوسنية، وقبل ذلك كان للمملكة إسهام في طباعة كتيبات إسلامية باللغة البوسنية بعد فترة الحرب من عام 1992 وحتى 1995 بجهود مباركة من الهيئة العليا لمساعدة مسلمي البوسنة والهرسك، والتي يرأسها الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض». وأشاد السفير الثقفي بمستوى التعاون الذي تبديه المشيخة الإسلامية، قائلا: «ما كان لهذا المشروع العظيم أن يتم لولا توفيق الله عز وجل، ثم دعم المشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك، وفي مقدمتها الدكتور مصطفى تسيريتش، وكذلك (دار القلم) للنشر، ولا يفوتني بشكل خاص أن أشكر ثاقب بليه مدير مكتبة المكفوفين وضعاف البصر، وفريق العمل الفني الذي شارك في إنجاز هذه الطبعة، وأثني على جهودهم القيمة في إتمام هذا المشروع».

وقال الدكتور مصطفى تسيريتش المفتي العام ورئيس العلماء في البوسنة والهرسك: «إنها فرصة تاريخية أن نقيم في هذا المكان المبارك، المركز الثقافي، الاحتفال بمناسبة ترجمة معاني القرآن الكريم للمكفوفين على طريقة (برايل)، مما يسهل عليهم قراءة وفهم معاني القرآن الكريم». وتابع: «هذا ليس غريبا على المملكة العربية السعودية، لأننا في البوسنة وشبه جزيرة البلقان نلمس الرعاية والعناية من لدن المملكة العربية السعودية في المجالات المختلفة». وتطرق الدكتور تسيريتش إلى مساعدات المملكة أثناء فترة الحرب وبعدها، قائلا: «لا يفوتني أن أذكر أنه ما بين 1992 و1995 قامت الهيئة السعودية العليا، التي يرأسها الأمير سلمان بن عبد العزيز، وكان يدير مكتبها الإقليمي الشيخ ناصر السعيد، ومكتبها التنفيذي الشيخ سعود الرشود، بمساعدة المسلمين أثناء المحنة الكبرى التي مررنا بها، ولا ننسى هذا». وأضاف: «بمناسبة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة برايل، الخاصة بالمكفوفين، يسعدني أن أجدد شكري على ما قدمته المملكة العربية السعودية إلى البوسنة خلال هذه السنوات الطويلة، ولا يزال تعاوننا وتواصلنا مستمرا حتى الآن»، وأثنى رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش على استضافة المملكة العربية السعودية للكثير من الطلبة البوسنيين في معاهدها وكلياتها، ولا سيما الإسلامية منها، قائلا: «تقدم المملكة العربية السعودية الحماية والرعاية للكثير من طلابنا، وعدد كبير من الخريجين من السعودية، يتبوأون المناصب الرفيعة في المشيخة الإسلامية، والمجتمع البوسني عموما». وعرج على المساعدات الثقافية التي قدمتها المملكة إلى البوسنة قائلا: «بمساعدة المملكة العربية السعودية، طبعنا العام الماضي (صحيح البخاري)، وتلقينا آلاف النسخ من القرآن الكريم المترجمة معانيه إلى اللغة البوسنية، وهذا المصحف يوجد في كل مسجد، بل في كل بيت». وواصل قائلا: «هناك أناس يتبرعون بأموالهم في المملكة العربية السعودية، والكثير منهم لا نعرفهم، لكن الله يعرفهم، وألسنتنا تلهج بالدعاء لهم، لا نعرفهم، لكننا نعرف إحسانهم، فلولا الله ثم هم لكنا مثل الأندلس».

وقال ثاقب بليه مدير مكتبة المكفوفين: «لا شك أن هذا الإنجاز التاريخي سيثري مكتبتنا، ويصقل عقل ووجدان المستفيدين». وأضاف: «نشعر بعظيم الامتنان لهذه البادرة الكريمة من السفير عيد الثقفي، ودعمه اللامحدود للمكتبة الخاصة بالمكفوفين وضعاف النظر». وعن المصحف المترجمة معانيه على طريقة «برايل» قال: «تتكون النسخة الواحدة من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البوسنية على طريقة (برايل) من 8 مجلدات، وسيستفيد من هذه الترجمة المكفوفون في البوسنة، ومنطقة البلقان».

وحول مكتبة المكفوفين التي يديرها، قال بليه: «مكتبة المكفوفين تأسست سنة 1972، وهي واحدة من 7 معالم ثقافية، ومنذ نهاية الحرب وتوقيع اتفاقية دايتون سنة 1995، ونحن نناضل لإيجاد حل لقضيتها، وإيجاد تمويل لمشاريعها، وقد صادق البرلمان سنة 1995 على قانون المكتبات الخاصة بالمكفوفين، واعتبرت من المؤسسات الحكومية، وتخضع للملكية الثقافية للدولة، وتعتبر المكتبة الوحيدة التي توفر ما يحتاج إليه نحو 17 ألف نسمة».

أما المتحدث باسم المكفوفين، وحيد خليلوفيتش، فقد عبر عن سعادته كمكفوف، بطباعة ترجمة معاني القرآن الكريم، على طريقة (برايل)، إلى اللغة البوسنية»، قائلا: «يسعدني كضرير، مساهمتي في هذه الترجمة، مما يوفر لآلاف المكفوفين فرصة التعاطي المباشر عن طريق القراءة، وليس السماع فقط، مع القرآن الكريم»، وتابع: «هناك من حرموا نعمة السمع والبصر معا، وهذه الترجمة توفر لهم السلوى والعزاء، وسينهلون من معين القرآن الكريم بشكل مباشر، وتجعلهم ممن يقرأون القرآن الكريم ويتدبرونه بعمق، بعيدا عن التشويش البصري والسمعي». ووصف ترجمة معاني القرآن الكريم على طريقة «برايل» بأنها «كنز ثمين ونادر، فلأول مرة يتوفر للمكفوفين هذا الإنجاز العظيم، وهذه النعمة التي كانوا محرومين منها». وفي نفس الوقت طالب بـ«أن لا يهمش المكفوفون.. لا بد من أن تكون هناك رعاية متواصلة لهم، وحقوق تراعي وضعهم الخاص».

يذكر أنه من بين الشخصيات التي حضرت الاحتفال، عاطف موسينوفيتش الباحث في أرشيف سراييفو التاريخي، قسم المخطوطات، الذي أكد على أهمية الحدث التاريخي، حيث قال إنه «حدث تاريخي، دون شك، لأول مرة يصبح بين يدي المكفوفين وفي متناولهم هذا الكتاب الكريم، وقد دعيت لتسلم نسختين لأرشيف سراييفو التاريخي، فهذه المرة الأولى والطبعة الأولى والوحيدة في أرشيفنا الذي يوجد به عدد كبير من المصاحف المكتوبة يدويا منذ القرن الـ14 وقبله»، وأضاف: «كانت المصاحف تكتب باليد قبل ظهور المطابع، لكن مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصحف الشريف هو الوحيد في العالم اليوم في مجال تخصصه».