الأزهر ينعى مصطفى الشكعة.. محارب السياسات العنصرية

رحيل صاحب كتاب «إسلام بلا مذاهب».. رائد الوسطية الفكرية

د. مصطفى الشكعة صاحب كتاب «إسلام بلا مذاهب» ورائد الوسطية الفكرية
TT

فقدت الأمة العربية والإسلامية عالما جليلا ومفكرا إسلاميا كبيرا، هو الدكتور مصطفى الشكعة، صاحب أحد أهم وأشهر المراجع في شؤون المذاهب والفرق الإسلامية «إسلام بلا مذاهب»، والذي وافته المنية يوم الخميس الماضي عن عمر 94 عاما، عقب وعكة صحية ألمت به إثر سقوطه في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بعد حياة حافلة بالعطاء.

ونعى الأزهر باسم شيخه الدكتور أحمد الطيب، الراحل في بيان قال فيه «إن الأزهر يتقدم للأمة الإسلامية بخالص العزاء، ويحتسب عند الله ما قدمه الفقيد في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية».

كما نعى الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، الدكتور الشكعة، داعيا الله أن يجزيه خير الجزاء عما قدمه لدينه ولأمته.

ويعد الدكتور الشكعة أحد أعمدة الفكر الإسلامي، وعالما في حقل الدرس اللغوي والأدبي، وهو الذي أسس لجيل العلماء والباحثين المصريين الذين درسوا في الولايات المتحدة الأميركية عندما كان مستشارا ثقافيا لمصر بالولايات المتحدة الأميركية في الفترة من 1960 وحتى 1965، وأستاذ الأدب والفكر الإسلامي.

وعرف الشكعة بمواقفه وآرائه الجريئة، ويعد واحدا من أهم المدافعين عن الإسلام ضد مظاهر الغلو والتفريط والهجمات الشرسة التي يتعرض لها هذا الدين، وكان من أشد الغيورين على الإسلام والمدافعين عنه، وله الكثير من المؤلفات الأدبية والإسلامية، أبرزها كتابه الشهير «إسلام بلا مذاهب» الذي قدم له شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمود شلتوت في عام 1960، وصدرت منه أكثر من خمس وعشرين طبعة، ودعا فيه إلى وحدة المسلمين بمختلف مذاهبهم، ومحاربة التعصب الذي يبعث على التشرذم والفرقة، بالإضافة إلى جهوده من أجل الحفاظ على اللغة العربية، واعتراضه على تعديلات قانون الأحوال الشخصية وقانون الطفل المخالفة للشريعة الإسلامية.

ولد الدكتور الشكعة في أغسطس (آب) 1917 بقرية «محلة مرحوم» في مدينة طنطا بمحافظة الغربية (التي تبعد 120 كم عن القاهرة)، وتعلم في مدارسها الابتدائية وجانب من الدراسة الثانوية، ولما توفي والده لم تكن هناك حاجة للبقاء هناك، فانتقل للإقامة مع أخيه الأكبر الذي كان يعمل موظفا في القاهرة، وكان ذلك في أواخر الثلاثينات، وكان أخوه عضوا في جمعية الشبان المسلمين، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي انتقل معه الشكعة إلى «الإخوان».

حصل الدكتور الشكعة على درجة الليسانس في الآداب من جامعة القاهرة عام 1944، ثم الدكتوراه في الآداب عام 1954. وبدأ حياته العملية مدرسا بالتعليم الثانوي في الفترة بين عامي 1944 و1949، ثم خبيرا بالتخطيط الاجتماعي بين عامي 1949 و1956، إلى أن التحق بالتدريس في الجامعة سنة 1956 ليعمل مدرسا بكلية آداب جامعة عين شمس، ثم شغل في ما بعد منصب العميد بالكلية نفسها، وانتدب للعمل مستشارا ثقافيا في واشنطن بين عامي 1960 و1965، وبعدها أعير للتدريس بجامعة بيروت العربية، ثم جامعة أم درمان الإسلامية، كما شغل منصب عميد كلية في جامعة الإمارات.

وشغل الدكتور الشكعة مناصب عضو مجمع البحوث الإسلامية، والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة عين شمس، ورئيس لجنة التعريف بالإسلام في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في الأزهر.

ونال الدكتور الشكعة الكثير من الجوائز والأوسمة، منها وسام الجمهورية من الطبقة الرابعة عام 1959، ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1977، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1989. ومن مؤلفاته «فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين»، و«بديع الزمان الهمذاني رائد القصة العربية والمقالة الصحافية» و«أبو الطيب المتنبي في مصر والعراق» و«معالم الحضارة الإسلامية» و«الإمام الشافعي» و«الإمام أحمد بن حنبل» و«مقالات في الدراسات الإسلامية» (بالإنجليزية) و«التربية والتعليم في العالم العربي».

وقد نعى عدد كبير من علماء الأزهر الدكتور الشكعة، واصفين حياته بأنها كانت حافلة بالعطاء والدفاع عن الإسلام ضد مظاهر الغلو والتفريط والهجمات الشرسة التي يتعرض لها، مؤكدين على أهمية اقتفاء أثره والاهتمام بإنتاجه الفكري.

وقال الدكتور شعبان شمس، الأستاذ في جامعة الأزهر «الشكعة من الأعلام الذين لا ينسى فضلهم في الجهاد والفكر الإسلامي»، موضحا أنه عانى من الظلم الشديد بسبب تبنيه لكلمة الحق في وجه الجور والاستبداد والفساد بكل أشكاله، وكان يطالب الشعوب بالتصدي للغزو والاحتلال الأميركي والصهيوني للمنطقة العربية فكريا وثقافيا وإعلاميا وعسكريا واقتصاديا.

وأشار الدكتور شمس إلى أن الدكتور الشكعة كان دائم الدعوة للعلماء والدعاة والخطباء في الأزهر بتوعية وتربية الناس على جهاد النفس.

وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر «إن الشكعة كان عالما امتاز في إسهاماته الفكرية بالوسطية والاعتدال والبساطة»، موضحا أنه كان عف اللسان طوال حياته حتى في خلافاته مع شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، وأقرانه في العمل والحياة، وكان صاحب براهين قوية، ولم يسمع عنه أبدا أنه تجرأ على أحد بالقول أو الفعل.

وأوضح الدكتور عبد الراضي حمدي، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الشكعة كان صاحب قولة حق يهدف بها إلى رفعة الإسلام، حيث كان يدافع عن الإسلام في كل محفل وكل مكان، ويتصدى لمن يتشدقون باسم الأزهر، مؤكدا على أنه «كان ورعا بسيطا هادئا لا يخشى في الحق لومة لائم، وكان صاحب حجة قوية في خلافه معه ومع الآخرين».

وأشار الدكتور علي نجار، الأستاذ في جامعة الأزهر، إلى أن الشكعة عاش طوال حياته محاربا للتشدد والغلو والتطرف والسياسات الظالمة للنظام البائد والسياسات العنصرية للاحتلال الصهيوني والأميركي في المنطقة العربية والإسلامية، وتعرض بسبب ذلك للفصل من منصبه عدة مرات، لكنه كان صبورا ولم يتنازل عن مواقفه أبدا.

ويذكر أن الدكتور الشكعة كان أحد أبناء دعوة الإخوان المسلمين، ومن أقرب طلابها للإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كما كان سببا في انتقال مقر «الإخوان» إلى منطقة الناصرية في القاهرة.

ومن أقواله عن جماعة الإخوان «لم تكن هناك هيئات كافية للدعوة الإسلامية على النحو الأمثل الذي يتفق مع سماحة الإسلام وعظمة شريعته، باستثناء الشبان المسلمين وجمعية الهداية الإسلامية، فكان (الإخوان) هم مجددو الدعوة الإسلامية، وإن أهم ما يميزهم تبنيهم للوسطية التي يتسم بها الإسلام».

ويتذكر الدكتور الشكعة بداية التحاقه بـ«الإخوان» حين كان مقر الجمعية عبارة عن غرفة في إحدى الشقق السكنية في حارة عبد الله بك في شارع محمد علي بوسط القاهرة، وكان يسكن في الحي نفسه في بيت مستقل للإمام البنا ومعه والداه وإخوته. ويقول «في أحد اجتماعات البنا عرض أن يتطوع أحد الأعضاء بالبحث عن مقر جديد للدعوة على أن يكون مقرا واسعا، وبالفعل استجبت للدعوة وبدأت أبحث عن شقة مناسبة، ووجدتها في شارع الناصرية، وهو امتداد شارع عماد الدين بوسط القاهرة، وقام (الإخوان) بعد الانتقال إلى المقر الجديد بإعداد الحديقة لتصبح مكانا لإلقاء المحاضرات وعقد الاجتماعات، وكان البنا يشجع الشباب على العمل في أنشطة الدعوة، ويكلفني بأن أقدم بعض العلماء الذين يلقون المحاضرات رغم شهرتهم الفائقة وسني الصغيرة، وكان من هؤلاء مظهر سعيد، والشيخ مصطفى عبد الرازق رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية».