الحكومة الهندية تعمل على صياغة قانون لتخصيص «كوتا» لتلبية مطالب المجتمع المسلم الهندي

جدل بين المسلمين الهنود.. واستصدار فتاوى من المنتديات الإسلامية ضد الخطوة الحكومية

جانب من مناقشات النخب والمثقفين الهنود حول عزم الحكومة الهندية على استصدار قانون لتخصيص «كوتا» لتلبية مطالب المجتمع المسلم في الهند («الشرق الأوسط»)
TT

في محاولة لتلبية مطالب المجتمع المسلم الهندي المتزايدة بالحصول على نسبة في الوظائف الحكومية (كوتا) للطبقات التي تعاني من مستويات متردية اجتماعيا وتعليميا، تعمل الحكومة الهندية على صياغة قانون ليتم إقراره داخل البرلمان.

وكانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت تزايد الأصوات المطالبة بـ«الكوتا» داخل المجتمع المسلم الذي يبلغ قوامه 170 مليون شخص، بعد تأكيد تقارير حكومية المصاعب الكبيرة التي يعانيها المسلمون في الهند، مقترحة تخصيص نسبة في الوظائف لهم.

يذكر أن الهند دولة علمانية، ولا توجد بها في الوقت الحالي أي «كوتا» على أساس الدين، بيد أنه توجد نسبة «كوتا» للطبقات التي من أوضاع اجتماعية وتعليمية متردية، بموجب قانون الفئات المحرومة الأخرى.

كانت بداية التفكير في «الكوتا» في عام 2005، عندما أشار رئيس الوزراء الهندي إلى عدم وجود معلومات واضحة بشأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للمجتمع المسلم في الهند، وقد تمثل غياب المعلومات في الافتقار إلى التخطيط وصياغة وتطبيق برامج وسياسات تدخل خاصة للتعامل مع القضايا المتعلقة بالحرمان الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة، وهو ما دفع رئيس الوزراء إلى إنشاء لجنة رفيعة المستوى أطلق عليها اسم لجنة «راجيندر ساخار»، لإعداد تقرير حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية للمجتمع المسلم في الهند. وأصدرت اللجنة تقريرها بعد دراسة استمرت ما يقرب من 20 شهرا لأوضاع المجتمع المسلم في الهند، مشيرة إلى وجود بون شاسع بين الأوضاع التي يكابدها المجتمع المسلم وما تتمتع به القبائل والطوائف الهندوسية.

وأشار التقرير إلى أن المسلمين يشكلون نسبة 5 في المائة من العاملين في القطاع الحكومي. وبلغت نسبة المسلمين العاملين في شركة السكك الحديدية الهندية، أكبر شركة في البلاد، 4.5 في المائة من العاملين، بينما لا تزال نسبتهم في الشرطة والدواوين الحكومية بسيطة للغاية، وبلغت نسبتهم في ديوان الخدمة العامة القوي 3 في المائة، و1.8 في المائة في وزارة الخارجية و4 في المائة فقط في قوات الشرطة، في حين يمثل المسلمون نسبة 7.8 في المائة من العاملين في الهيئات القضائية. والأهم من ذلك أن الأمية والفقر يتفشيان في قطاع كبير من المسلمين الهنود.

تبلغ نسبة التعليم بين المسلمين الهنود دون الـ60 في المائة في الوقت الذي لا تزال فيه دون الـ65 في المائة على المستوى الوطني. وتملك نصف السيدات المسلمات المهارات الأساسية في القراءة والكتابة، كما أن ما يقرب من ربع الأطفال المسلمين بين السادسة والرابعة عشرة لم يلتحقوا بالتعليم أو لم يكملوا تعليمهم. ويعيش 31 في المائة من المسلمين دون خط الفقر، لكنهم أرفع بقليل من الطبقات والقبائل الأدنى، التي لا تزال الأفقر في البلاد.

في الوقت ذاته، صدر تقرير آخر أعدته لجنة انجاناث ميشرا التابعة لوزارة العدل، الذي قدم إلى البرلمان الهندي، والذي أوصى بنسبة 10 في المائة من الوظائف للمسلمين، أو إدراجهم ضمن نسبة الـ27 في المائة من الطبقات المحرومة الأخرى، والمطبقة بالفعل في الكثير من الولايات.

وأصر سلمان خورشيد، وزير الأقليات الهندية، لمراسلة الصحيفة، على أن الحكومة ملتزمة بتقديم فرص متساوية لكل الأقليات في الهند، وشدد على أن المشاورات الخاصة بشأن منح حصص للمسلمين قد اكتملت، وتم التأكيد على الإحساس بضرورة ذلك.

وقد قدمت توصيات إلى وزارة العدل لصياغة تشريع لتنفيذ محميات المسلمين.

وأشار الوزير خورشيد إلى أن الحكومة تعد خارطة طريق لتشكيل محميات للمسلمين المتخلفين اجتماعيا وتعليميا، داخل الطبقة المتخلفة الأخرى على هوامش بنية «الكوتا» المطبقة بالفعل في الولايات الهندية، مثل آندرا باراديش وكارناتاكا وكيرالا وتميل نادو.

بيد مشكلة «الكوتا» القائمة على طبقة اجتماعية بعينها تلقى رفضا من جانب بعض فئات الصفوة في المجتمع المسلم، الذين أكدوا على أنه لا يوجد تمييز على أساس الطبقة الاجتماعية أو البشرة أو العرق.

بيد أن تقرير لجنة ساخار يناقض المزاعم الرافضة لمنح «الكوتا» بناء على طبقة اجتماعية للمسلمين، فأشارت الدراسة إلى أن هناك تمييزا طائفيا واضحا بين الطبقات الاجتماعية المختلفة للمسلمين، التي تتكون من ثلاث طبقات، هم الأشراف والأجلاف والأرذال، التي تشير كل منها إلى فئة محددة. ويطلق المسلمون الذين يزعمون أنهم من أصول أجنبية على أنفسهم لقب السادة والمشايخ والموغال والباثانز، ويدعون لأنفسهم مرتبة عليا، كطبقة الأشراف أو النبلاء. أما الأجلاف فهم طبقة الهندوس الذين تحولوا إلى الإسلام للهرب من نظام الطائفة. وغالبية المسلمين الهنود هم من نسل طبقة الأطهار والطبقات الدنيا، ويسمون الأرزال.

وأكدت اللجنة على أن الطبقة الأدنى يشكلون ما بين 75 إلى 80 في المائة من إجمالي عدد السكان المسلمين، وهو التقييم الذي تدعمه المنظمات الأخرى المعنية بالطبقات المحرومة في الهند. وربما يكون من الأهمية بمكان ملاحظة أن الطبقات الدنيا من المسلمين أكثر تهميشا من عامة المسلمين، وأن هناك حاجة ماسة للتفكير في استراتيجيات قد تؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للغالبية العظمى من المحرومين من المسلمين في الهند.

لكن اقتراح الحكومة الهندية بتوفير حصص من الوظائف والتعليم للمسلمين على أساس الطبقة الاجتماعية، أثار بعض المنظمات الإسلامية، حيث بلغ بها الحد إلى استصدار فتاوى من المنتديات الإسلامية ضد خطوة الحكومة.

وقالت الفتوى التي أصدرتها الجامعة النظامية، الجامعة الإسلامية التي أنشئت قبل 125 عاما في مدينة حيدر آباد: «التمييز بين المسلمين بـ(الكوتا) لا تقره الشريعة الإسلامية».

وأكد أحد علماء الدين الإسلامي البارزين، وكذلك لجنة العمل الموحد للمسلمين، ومولانا حميد الدين عقيل: «لا يوجد في الإسلام نظام طبقي، والتحرك الحكومي لا يهدف إلا إلى بث الفرقة بين المسلمين»، مشيرا إلى أنه نظرا لمستوى الحرمان الذي يعاني منه المسلمين، ينبغي أن تحصل الطبقات الأخرى في المجتمع على نفس الحصص.

ويرى مجتبى فاروق، زعيم جماعة مشاورات، الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية الهندية، ضرورة منح المسلمين ككل هذه «الكوتا». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن توصيات تقرير لجنة ميشرا أوصت بضرورة منح المسلمين «كوتا» في الوظائف والتعليم بسبب مستويات حالة الحرمان الكبيرة التي يعانيها المسلمون. ويقول إن ميشرا كان كبير قضاة الهند وتوصياته تظهر أنه لا توجد تناقضات قانونية لمطالبهم بالحصول على «كوتا» للمسلمين.

لكن القول إن هناك إجماعا بين المسلمين على القضية ليس صحيحا. فقد انتقد الكثير من علماء المسلمين في الهند، الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم في القضية، الفتوى التي أصدرتها الجماعة، قائلين إن مثل هذه الفتاوى لا وزن لها، وإنما هي محاولة من جانب الطبقة العليا بين المسلمين بعدم السماح للطبقات الدنيا بالاستفادة من «الكوتا».

ويقول أحد علماء جامعة ديوبندي المعروفين، الذي يرأس المجلة التي تصدرها جامعة ديوبندي، إن كل المدارس الرائدة في الهند تسيطر عليها الطبقة العليا من المسلمين، ولا يرغبون في استفادة الطبقات الدنيا من المسلمين من «الكوتا» ومحاولة اللحاق بهم. وأشار إلى أن مثل هذه المطالبات السخيفة تسيء إلى صورة الإسلام، بعد السماح للمحتاجين بالاستفادة من «الكوتا»، والتحرك على السلم الاجتماعي. وتساءل: «كيف يمكن للطبقات الفقيرة، مثل الدونية والحراس والكناسين، أن يتساووا مع السادة والباثانز الشيوخ؟ وكيف يمكن للطبقة الأعلى من المسلمين أن تمنح (الكوتا) التي لا يستحقونها؟ فمثل هذا التحايل يشوه صورة الإسلام ولا يسمح بالرفاهية الاجتماعية في الدولة بالوصول إلى الفقراء».

أما الشيخ سيد أحمد بخاري إمام مسجد شاهي جاما ففي دلهي فيرى أنه لا توجد حاجة لإصدار أي فتوى بمنح كوتا للطبقات الفقيرة من المسلمين. وقال: «مثل هذه الفتاوى ستضر بمصالح المجتمع المسلم»، بينما أوضح عالم آخر وخريج جامعة الفلاح أن المسلمين يتمتعون بالفعل بهذه المزايا وفق قانون الطبقات المحرومة الأخرى. وتساءل: «إذا لماذا يقولون إن (الكوتا) ينبغي أن لا تمنح على أساس طائفي؟».

وعلى الرغم من هذه الخلافات بين طبقات المجتمع المسلم بشأن «الكوتا» وفق نظام الطبقة، فإن مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند أعلن أنه سيبدأ حملة للنضال من أجل حقوق الفقراء المسلمين في أعقاب انتهاء شهر رمضان.

وقد أعلن مؤتمر الأئمة الوطني لـ«كوتا» المسلمين، الذي عقد مؤخرا في دلهي، أن العلماء وأئمة المساجد في عموم البلاد سيقودون المجتمع المسلم في نضاله الديمقراطي حتى يتم تنفيذ مطلب «الكوتا». ويؤكد إي أبو بكر، رئيس حزب الحزب الديمقراطي الاجتماعي أن المسلمين متأخرون في كل المجالات، ومن ثم فإن مسؤولية الأئمة والعلماء رفع الأمة الإسلامية من أوحال الأمية والفقر والتخلف.

ويرى المحللون السياسيون أن حزب المؤتمر، الذي يقود الحكومة، يتعجل اتخاذ هذه الخطوة نظرا لقرب الانتخابات في ولاية أوتار باراديش، التي يقطنها 30 في المائة من المسلمين في الهند، التي تقرر إجراؤها العام المقبل.

ويرى معدو استطلاعات الرأي أن تقديم «الكوتا» قبل انتخابات المجالس التشريعية يمكن أن ينعكس في النتائج. وأن الولايات الكبرى مثل ماديا باراديش وراجستان وغوجارات ودلهي ستجرى انتخاباتها في عام 2013.

وسيكون أداء حزب المؤتمر جوهريا في هذه الانتخابات لأنه باستثناء أوتار باراديش سيدخل الحزب في صراع مباشر مع حزب المعارضة الرئيسي، بهاراتيا جناتا، وحزب التحالف الديمقراطي الوطني في هذه الولايات. وعلى الرغم من حجم التأييد الكبير الذي يلقاه حزب بهاراتيا جناتا في هذه الولايات، فإن حزب المؤتمر يحاول تعزيز قاعدته الشعبية بين الأقليات هناك.