الشيخ الطيب الغزي: كان يشترط في السابق إظهار الهوية للمشاركة في الإملاءات القرآنية

الكاتب العام لجمعية تحفيظ القرآن في القيروان لـ «الشرق الأوسط»: لدينا طلاب من أفريقيا والولايات المتحدة

الشيخ الطيب الغزي («الشرق الأوسط»)
TT

عندما دخلنا دار القرآن الكريم، التابعة للجمعية القرآنية بالقيروان، وجدنا أقسامها كخلايا النحل، في نشاط دائم، وحفظ للقرآن لا ينقطع. وعلى الرغم من أن الجمعية في مدينة الأغالبة التي أسسها عقبة بن نافع، فإن لها فروعا في المساجد. كما تقسم عملها بين تحفيظ القرآن للمتفرغين للحفظ، وطلبة المدارس والناس العاديين، يوميا وفي ما يطلق عليه المدارس الصيفية التي بدأت تعمل حاليا. وعلى الرغم من أن الجمعية القرآنية قد تأسست في الستينات، ودار القرآن في الثمانينات، على يد العالم المعروف الشيخ عبد الرحمن خليف، فإنها ظلت تعمل بوسائلها البسيطة وبإمكاناتها المتواضعة وبرجالاتها الصابرين على الرغم من محدودية الرواتب إلى درجة يمكن فيها اعتبار عملهم تطوعا. وفي هذا اللقاء، نسلط الضوء على عملية تحفيظ القرآن في الدار والجمعية القرآنية مع الكاتب العام الشيخ الطيب الغزي، الذي أكد أن الدولة لا تقدم شيئا للجمعية وللدار، بل مارست السلطات السابقة عليهما ضغوطا للاكتفاء بتحفيظ القرآن دون آدابه وأمره ونهيه. وتقتصر الدار على تبرعات بعض المحسنين التي لا تفي بالغرض، كما أن المؤسسات العاملة على الصعيد الإسلامي لا تقيم معهم أي اتصالات، ربما، نظرا للأوضاع السابقة التي كانت سائدة في تونس. وقد رحب الشيخ الغزي بإقامة صلات مع الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالقرآن الكريم في العالم، بما فيها المؤسسة التي يشرف عليها الشيخ باصفر، قال «نحتاج لتكوين المزيد من المتخصصين الأكفاء، ويكونون متفرغين لتتولى تحفيظ القرآن بارتياح وبسعة، ونحتاج للوسائل الإلكترونية الحديثة التي تضم الوسائل السمعية البصرية (الحواسيب)، ونحتاج التواصل مع المؤسسات المتخصصة في الدول الإسلامية، ونحن منفتحون على إخواننا ومستعدون للتعاون مع جميع إخواننا».

* لو تعطوننا لمحة عن دار القرآن الكريم وجمعية تحفيظ القرآن الكريم بالقيروان، وهل هي مستقلة أم فرع من مؤسسة كبرى في تونس؟

- الجمعية القرآنية بالقيروان تأسست في ستينات القرن الماضي، وانتشرت في مختلف أنحاء الديار التونسية، وهي تعتني بتحفيظ القرآن الكريم والتدريب على علومه من حيث أحكام التلاوة والتفسير والفهم. فإلى جانب حفظ القرآن الكريم يتلقى الطلبة دروسا في العقيدة والتجويد والتفسير والحديث والسيرة النبوية، والفقه، ودروسا في اللغة العربية وكذلك الفرنسية والرياضيات والحاسوب. أي يتخرج الطالب بقدرات تؤهله لمواصلة دراسته النظامية، فضلا عن القدرة على التعبير وعلى الفهم والمشاركة والإضافة، وبعض طلبتنا التحق بالكليات الإسلامية كالزيتونة في تونس، وبعضهم واصل دراسته في مصر وسوريا، ومنهم من توجه إلى المدينة المنورة وأصبحوا أساتذة ويحتلون مراكز مرموقة في بلدانهم.

* مم يتكون مجمع القرآن الكريم بمدينة القيروان؟ - مجمع دار القرآن الكريم، يضم عدة فضاءات (أقسام ونشاطات)، فضاء يستوعب التلاميذ (الطلبة) على مدى أيام وشهور العام، وجميع الطلبة متفرغون لحفظ القرآن الكريم، كل حسب إمكاناته واستعداداته، فهناك من يحفظ القرآن في 3 سنوات، وهناك من يحفظ القرآن في فترة أطول. والطلبة الأجانب ينحدرون من عدة دول أفريقية ككينيا، وبوركينافاسو، ومن الكاميرون، ومن دول أفريقية أخرى ومن الولايات المتحدة الأميركية وإن كانت أصولهم أفريقية. وهناك تلاميذ من عدة ولايات (محافظات) تونسية. ويتمتع الطلبة بإقامة دائمة في دار القرآن الكريم، ومن يتم حفظ القرآن الكريم يعود إلى بلاده حاملا شهادة حفظ القرآن الكريم، من الجمعية القرآنية، تثبت حفظه للقرآن الكريم على رواية الإمام قالون عن نافع، وهي القراءة السائدة في تونس ومنطقة المغرب.

* إلى جانب دار القرآن الكريم، هل لديكم كتاتيب أخرى - هناك كتاتيب أخرى مفتوحة للطلبة الذين يزاولون تعليمهم في المدارس النظامية، وذلك مساء السبت ويوم الأحد، فيأتون إلى هنا أو إلى الكتاتيب بالمساجد وباستمرار، لحفظ القرآن الكريم على أيدي أساتذة أكفاء، وهي مساجد يدرس فيها القرآن، أي حفظ القرآن فقط. وقد تم فرز أفضل الطلبة وكونا منهم مجموعة نموذجية لحفظ القرآن في دار القرآن الكريم يومي السبت والأحد. وعلى مدار العام أيضا وبشكل يومي، ندير مجموعة من الكتاتيب للأطفال في المدارس الابتدائية، والذين يأتون لحفظ القرآن في المساء على طريقة الإملاء الجماعي، وذلك على مدار العام وفي جميع الفصول، وتتراوح أعمارهم بين 8 و9 و10 سنوات

* ما المنهجية المتبعة في دار القرآن للتحفيظ، هل هي أيضا على طريقة الإملاء الجماعي؟

- بالنسبة للمنقطعين والمتفرغين لحفظ القرآن الكريم، نتوخى معهم أسلوب الحفظ الفردي، فبين يدي كل طالب كراس يسجل فيه الآيات التي سيحفظها في ذلك اليوم تحت رقابة المؤدب، من حيث الرسم القرآني والنطق السليم في آن واحد. والكراس هنا بمثابة اللوحة التي كان يضبط فيها حفظ الطالب بمراجعة المؤدب لتلافي الأخطاء. وبالتالي، فإن حفظ طلبة الكتاتيب يومي السبت والأحد وغيرهم من طلبة الكتاتيب المماثلة، تختلف عن طريقة الحفظ المعتمدة في الدار والخاصة بالطلبة المتفرغين للحفظ.

* هل يوجد برنامج خاص بالنساء لحفظ القرآن الكريم؟ - نعم.. يوجد برنامج خاص بالنساء لحفظ القرآن الكريم، تشرف عليه ثلاث مؤدبات يتولين تحفيظ مجموعات كبيرة من النساء من مختلف الأعمار، ونجد البنت الصغيرة وحتى المرأة المتقدمة في السن، كما أنهن شرائح مختلفة من حيث المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي. وعملية الحفظ في أوساط النساء تتم بشكل يومي، ولكل مؤدبة مجموعتان من النساء الراغبات في حفظ القرآن الكريم، وتتكون كل مجموعة من 30 إلى 50 امرأة، وهناك حصتان في اليوم: تبدأ الأولى من الثامنة وحتى منتصف النهار، ومن الثالثة بعد الظهر إلى السادسة بعد العصر، وفي التوقيت الصيفي من الرابعة بعد الظهر حتى السابعة بعد العصر، وذلك على مدار السنة.

* هل هناك سن معينة لقبول الطلبة بدار القرآن الكريم، وهل الشهادة التي يحصل عليها الطالب عند حفظه القرآن تؤهله لمواصلة تعليمه؟

- بالنسبة للطلبة المتفرغين لحفظ القرآن الكريم، غالبا ما تكون أعمارهم نحو 12 سنة، ونحن نحتضنهم ونسهر على تكوينهم في اللغة والرياضيات والعلوم الشرعية. أما الشهادة التي تمنح للطلبة، فهي لا تؤهلهم لمواصلة تعليمهم الجامعي في تونس، ولكن تؤهلهم لتحصيل تعليم إضافي في دول أخرى أو بلدانهم، يمكنهم بعدها التسجيل في الزيتونة على سبيل المثال، حتى في المملكة العربية السعودية ومصر يقومون بتكوينهم بعد حصولهم على شهادة حفظ القرآن من مدينة القيروان تحت إشراف الجمعية القرآنية المعترف بها، ودار القرآن الكريم معروفة ولها نحو 30 عاما، والجمعية القرآنية تم تأسيسها كما سلف في ستينات القرن الماضي الميلادي.

* لو تحدثوننا عن رياض القرآن التابعة لدار القرآن التي أسستها الجمعية القرآنية؟

- مجمع القرآن الكريم به أربع روضات قرآنية للأطفال دون سن الدراسة، وهناك روضات قرآنية منتشرة داخل المدينة (القيروان) في مراكز مختلفة، وتتراوح أعمار الطلبة بين 4 و5 سنوات، وفي سن السادسة يدخلون المدرسة الابتدائية. فرياض القرآن تؤهل الأطفال للدخول في الدراسة النظامية، حيث إننا نفرد الأطفال في سن الرابعة بقسم خاص يدربون على الخط وعلى النطق السليم لمخارج الحروف، وعلى القراءة وعلى العيش مع الآخرين وعلى حفظ ما تيسر من القرآن ومن الأحاديث النبوية وما فيها من قيم تحدد السلوك السليم، ويدربون على الأنشطة اليدوية، وعلى الحساب (الرياضيات). ومن هم في سن الخامسة يتلقون مستوى أرقى لتأهيلهم بشكل لائق لدخول المدرسة الابتدائية.

* لماذا تقتصرون على قراءة قالون، لماذا لا تعلمون الطلبة القراءات السبع أو العشر، ورواية ورش عن نافع؟

- في مختلف البلاد التونسية، هناك من يحفظ القرآن بالقراءات العشر، ويعرف قراءة ورش، ولكننا أمام طلبة مبتدئين، طلبة صغار، ناشئة لا ينبغي تشتيت أذهانهم. فنحن ندربهم على القراءة الشائعة، على الرواية المعروفة في المنطقة. وهما روايتان، رواية قالون عن نافع، ورواية ورش عن نافع. نحن ندربهم على السائد، وعندما ينضجون ويكبرون ويصلب عودهم من حقهم أن يتوسعوا ويلموا ببقية القراءات، وهناك مشايخ متخصصون في القراءات يمكن أن يأخذوا عنهم علم القراءات بتوسع. وهذا ينطبق على المذاهب، فتدريس العبادات يكون على المذهب السائد وهو المذهب السني المالكي، وعندما يذهب الطالب للجامعة يدرس الفقه المقارن ويطلع على بقية المذاهب. أما في طور التكوين، فيدرس المذهب المالكي حتى لا نشوش على الطالب في بداية دراسته.

* هل لديكم خطة لتوسيع نشاطكم بعد الثورة؟

- لدينا خطط للتوسع، ولدينا مجمع للكتاب من طابقين في طورالإعداد، وسيكون خاصا للطلبة المقيمين بشكل دائم في دار القرآن الكريم. من حيث قاعات الدراسة والمطالعة، والمطعم، وغرف النوم، وذلك حتى تتسع الفضاءات القديمة لأفواج المقبلين على حفظ القرآن الكريم من الجنسين ومن كل الأعمار.

* مر على إنشاء دار القرآن الكريم 30 عاما، لو تحصلون لنا حصاد هذه الأعوام؟

- حصاد هذه الدار يتمثل في أفواج الخريجين، سواء من حفظ منهم القرآن كاملا، أو نال نصيبا من الحفظ على قدر اجتهاده، وإذا قلنا إنه تخرج العشرات من حفاظ القرآن الكريم، موجودون حاليا في أفريقيا وبعض البلدان الشقيقة. وقد شجع وجود الدار الأهالي على الإقبال على تعلم القرآن رواية ودراية. ومن عادة دار القرآن الكريم إجراء مسابقات في حفظ القرآن وترصد جوائز مالية للمتفوقين. كما شاركنا في مسابقات بدبي والأردن وفلسطين والمغرب وإيران، ونال طلبتنا عددا من الجوائز.

* كيف كنتم تعملون في ظل الأوضاع السابقة قبل الثورة؟

- لقد عملنا بجد على الرغم من الظروف السياسية التي تعلمون طبيعتها، والضغوطات التي وقعت على الإسلام والعلوم الشرعية. لقد صمدت الجمعية القرآنية وحافظت على توازنها. ففي أحلك الأيام كان النشاط قائما، كانت النساء يأتين بلباسهن الشرعي إلى الدار لحفظ القرآن الكريم. لقد مارست السلطات السابقة سياسة تجفيف الينابيع، وسياسة تصحر ديني على المستوى الرسمي، وشملت العملية البرامج الدراسية من الابتدائي وحتى الجامعة. فمنذ أوائل الثمانينات لا توجد في تونس معاهد دينية (كان هناك معهد واحد في رقادة)، والمعهد الوحيد الذي كان قائما حتى التاريخ المذكور تم إغلاقه. وكان الإسلام غائبا في وسائل الإعلام وفي دور الثقافة وغيرها من المؤسسات. وبعد الثورة، تم تأسيس الجمعية التونسية للعلوم الشرعية، والجمعية التونسية لأئمة المساجد، ورابطة الجمعيات القرآنية وغيرها.

* كيف تنظرون للمستقبل؟

- نتفاءل خيرا، البشائر واضحة، فهناك إقبال على حفظ القرآن الكريم من قبل النساء والرجال والأطفال وبنسب كبيرة جدا. هنا ما يشبه الانفجار، فقد كان هناك خوف كبير وضغط نفسي لا يطاق وكان الناس يترددون في الذهاب إلى المساجد ولا سيما لحفظ القرآن، لأن حفظ القرآن كان بإظهار بطاقة الهوية، فكان الناس يخشون من المتابعة القضائية.