بديع الزمان النورسي ينتشر في شرق أوروبا انطلاقا من البوسنة

مدير مؤسسة ريحان للنشر لـ«الشرق الأوسط»: حققنا أكثر من 70% من أهدافنا

TT

تخصصت مؤسسة ريحان للنشر في ترجمة ونشر كتب بديع الزمان النورسي (1877 - 1960) إلى لغات شرق أوروبا، ومنها: البوسنية، والبولندية، والتشيكية، والمجرية، وذلك منذ عدة سنوات. وهدفها الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك البلاد العربية، التي عرفت النورسي منذ عهد بعيد، وترجمت كتبه إلى العربية في مصر والشام والمغرب وغيرها. وبديع الزمان سعيد النورسي (من أكراد تركيا) ليس عالما فذا تجاوز علمه يقينيات الدين إلى فرضيات الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء وما ثبت منها علميا فحسب، بل كان قائدا عسكريا، تحت إمرته 5 آلاف من الجنود الأشاوس، الذين شاركوا في الحرب بين الإمبراطورية الروسية والخلافة العثمانية، وفي سيبيريا قتل جميع جنوده، وأصيب هو بجروح بليغة، فأسره الروس وظل في السجن مدة سنتين وأربعة أشهر، تمكن بعدها من الهرب والعودة إلى إسطنبول، سنة 1918، لكنه تعرض لمحنة السجن، وفيه كرس حياته للعبادة والتأليف والدعوة وكتابة رسائل النور، التي بلغت 120 رسالة، تُرجمت لأكثر من 40 لغة، ومن أقواله: «القرآن ضياء القلوب، أما العلوم الحديثة فهي ضياء العقول».

وقال أردوان نيه، مدير مؤسسة ريحان للنشر، لـ«الشرق الأوسط»: «هدفنا الرئيسي ترجمة كتب سعيد النورسي إلى اللغة البوسنية، وقد بدأنا العمل في هذا المجال قبل 15 عاما، واستخدمنا سياسة الخطوة بخطوة، والحمد لله حققنا أغلب أهدافنا، بنسبة 70%». وحول الأهداف التي تم تحقيقها، قال: «عندما قدمنا إلى هنا قبل 15 عاما لم يكن هناك من يعرف سعيد النورسي، وقابلت عميد إحدى الكليات، وهو أيضا لم يكن يعرف سعيد النورسي، أما الآن فالوضع مختلف جدا».. وعن أسباب عدم معرفة الكثيرين لسعيد النورسي أفاد: «هذه المنطقة كانت مغلقة بسبب الآيديولوجيا الشيوعية، التي كانت سائدة، وخوفها من الآخر وقسوتها حياله أديا إلى سقوطها ومن ثم زوالها، وعند أتيحت الفرصة لسكان منطقة غرب البلقان، ومنها البوسنة، للاطلاع على الأفكار الإسلامية، سواء من خلال كتب بديع الزمان النورسي، أو غيره من العلماء والدعاة، لاقت تلك الأفكار قبولا منقطع النظير؛ لأنها تسد حاجة وجدانية كانت مقموعة إلى جانب البعد العقلي، وبذلك تعرف الناس على النورسي وما يدعو إليه». وعبَّر أردوان عن رضا مؤسسته عن النتائج التي حققتها، والنجاح الذي حصدته: «الحمد لله طبعنا الكثير من الكتب، وبعض الكتب أعدنا طباعتها مرات كثيرة وبعضها طبعناها 3 مرات وعندما نقيم المعارض يأتي إلينا الكثير من الزبائن ويقولون لنا: عندنا هذا الكتاب، واطلعنا على هذا الكتاب، وقرأنا هذا الكتاب، هل لديكم كتب جديدة أخرى؟». وتحدث مدير مؤسسة ريحان عن زيارة العالم الجليل سعيد رمضان البوطي إلى البوسنة قبل 3 سنوات بدعوة من المؤسسة؛ حيث تحدث بإسهاب عن بديع الزمان النورسي، وكان لحديث البوطي دور في زيادة إقبال الناس والتعرف على أعمال النورسي: «كان ذلك في شهر رمضان، وقد ساعد حديث البوطي في انتشار كتب النورسي، وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة؛ حيث إن الإنسان عدو ما جهل، وأصبحت هناك ثقة في النورسي».

لم يتلق أردوان تعليما دينيا صرفا، بل يحمل درجة جامعية عليا في الصيدلة، ويحضر لرسالة الدكتوراه في المجال نفسه. وبداية تعرفه على النورسي، كانت في الجامعة؛ حيث اطلع على بعض كتب النورسي، ووجد فيها ما كان يحتاجه من روحانية، كما يقول: «في كلية الصيدلة تعرفت على كتب النورسي من خلال بعض الزملاء، ولم تمدني كتب النورسي بالطاقة الروحية فحسب، بل بالإجابة عن الكثير من الأسئلة الوجودية والعقلية، واستفدت بذلك كثيرا وكان ترجمة مرضية لإسلام العقل والقلب، كما هو ديننا؛ لذلك نذرت نفسي لخدمة هذا الفكر، فالذي يحب شيئا يرغب في أن يحبه الآخرون أيضا».

مجموعة رسائل النور لبديع الزمان النورسي كثيرة ومعلومة، فمنها الكلمات، واللمعات، والمكتوبات، لكن ما تُرجم من هذه الكتب هي مختارات من كتب النورسي التي تبلغ 12 مجلدا باللغة التركية: «ترجمنا مختارات من الأعمال الكاملة لبديع الزمان النورسي، ومنها: الإعجاز في القرآن، والمعجزات المحمدية، ومختارات من رسائل النور الأخرى، ويبلغ عدد الكتب التي تمت ترجمتها 20 كتابا، ونعمل حاليا على اختصار الأعمال الكاملة من 12 مجلدا باللغة التركية إلى 5 مجلدات باللغة البوسنية، إضافة إلى الرسائل الصغيرة».

ولا يقتصر عمل مؤسسة ريحان للنشر على الترجمة والطباعة فحسب، بل لها الكثير من الأنشطة الثقافية الأخرى، ومنها القراءة الدورية من كتب النورسي، بشكل جماعي، وكذلك المحاضرات حول شخصية بديع الزمان النورسي: «لدينا محاضرات منتظمة، إضافة لحلقات نقاش علمية حول فكر بديع الزمان سعيد النورسي، وقد تم حتى الآن تنظيم 15 ملتقى».

وحول أهمية بديع الزمان سعيد النورسي في الوقت الحاضر الذي يشهد تغييرات متتالية، ويسيطر فيه فكر الخدمات المباشرة للمستهلك على الكماليات الآيديولوجية، قال: «لكل زمان أمراضه، وأمراض هذا الزمان الذي نعيش فيه هي: القلق، والتوتر، المتولدين من جهل الغيب، والخوف مما يحمله المستقبل، وتغذي الأزمات السياسية والاقتصادية هذه المخاوف التي تتحول إلى أمراض أحيانا، ومن هنا يأتي دور القرآن في تحليل هذا العناصر، وتقديم الدواء الشافي لهذه الأمراض، ليس على المستوى النفسي فحسب، بل على المستوى المادي أيضا». وتابع: «على المستوى النفسي يؤكد القرآن، كما يشرحه النورسي، أن أهم ما يشغل الإنسان هما الحياة والرزق، وهما بيد الله، قال تعالى: (لكل أجل كتاب)، وفي الحديث (لا تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها)، فلا أحد يموت قبل أجله الذي أجله الله له، ولا تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها الذي قسمه الله لها، وذلك في إطار فلسفة الإسلام الداعية للسعي وبذل الجهد أولا، لتكون النتيجة القدر الذي اختاره الإنسان بتوفيق الله، وليس القدر الناتج عن تواكل الإنسان؛ حيث يكون في هذه الحال جزاء وفاقا». وأردف: «الإسلام وضع منظومة متكاملة للمجتمع، وعلاقاته المتداخلة، بما يسمح بالمزواجة بين الحل النفسي الروحي، والحل المادي لمعالجة مشاكل الناس الاجتماعية والاقتصادية، وإعطاء دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني لتسد النقص الناتج عن عجز الدولة، سواء من خلال مؤسسات الأوقاف أو التكافل المباشر، أو الزكاة التي لها مصارف خاصة بها، وتختلف عن أموال الضرائب التي تجبيها الدولة من مصادرها».

وعما إذا كان النورسيون لا يقرأون سوى لبديع الزمان النورسي، كما يقول البعض، ويتهم بذلك بعض الجماعات الإسلامية، التي لا تقرأ سوى لشيخها أو كتاب حزبها، كما يروج عنها أيضا، أكد أردوان نيه أن «النورسيين يقرأون لجميع العلماء والكتاب، لكنهم يحرصون على أن يقرأ الأعضاء كتب النورسي أولا، مثلا يمكن لأي شخص كان أن يقرأ رسائل النور، ثم يقرأ ما شاء من كتب أخرى، وكما ترون فإن العمر قصير جدا، مقارنة بما يؤلف ويطبع يوميا في مختلف أنحاء العالم، وبعض المختارات من الكتب المهمة يحتاج الإنسان لـ200 سنة حتى يقرأها كلها». وأشار إلى أن «بديع الزمان النورسي يلقى رواجا كبيرا في تركيا حاليا، ويتمدد شرقا باتجاه أوروبا، وقد فوجئنا في فرنسا بأن هناك أساتذة كثيرين يعرفون النورسي، وعندما أخبرناهم بانتمائنا قالوا: آه.. بديع الزمان». وعن أكثر الكتب التي لاقت استحسانا أكثر من غيرها، ذكر مدير مؤسسة أردوان أن «كتاب الرجل المخلص يلقى إقبالا منقطع النظير»، كما أن «كثيرا من الناس يدخلون في الإسلام بعد قراءتهم كتب سعيد النورسي»، وبخصوص ما يثار حول النورسي من أنه كان لا يحب الخوض في السياسة أجاب بأن «ما يشاع عن النورسي بهذا الخصوص اجتُزئ من سياقه، فقد كانت عبارته (أعوذ بالله من الشيطان والسياسة) ردا على شهادة أحد المنتسبين للعلم وموافقته لأحد الساسة المنافقين، ولذلك قال عبارته (أعوذ بالله من الشيطان والسياسة)، فهو يعرف أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».