د. كمال الفطناسي لـ «الشرق الأوسط»: هناك من يمارس عنفا لفظيا وفكريا لا يقل خطورة عن العنف المادي

كاتب عام الجمعية التونسية للعلوم الشرعية: هدفنا تنشيط الحياة العلمية.. ومشكلتنا هي التمويل

د. كمال الفطناسي الكاتب العام للجمعية التونسية للعلوم الشرعية («الشرق الأوسط»)
TT

أكد الدكتور كمال الفطناسي الكاتب العام للجمعية التونسية للعلوم الشرعية، على أن هناك من يواصل مسلسل التهجم على القيم الدينية في تونس بعد ثورة 14 يناير، وأن الجمعية تهدف من جملة ما تهدف إليه إلى التصدي لكل من يحاول استغلال أجواء الحرية ليعيد تونس للاستبداد باسم اللائكية كما كان يفعل المخلوع الثاني بن علي ومن قبله المخلوع الأول الحبيب بورقيبة.

وقال الدكتور الفطناسي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «الجمعية التونسية للعلوم الشرعية هي جمعية علمية تطوعية، ومجال عملها ونشاطها هو العلوم الشرعية، العقيدة، والفقه وأصوله، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث». وعن دوافع تأسيس الجمعية، التي رأت النور «بعد ثورة العدالة، لتصفية تركة الماضي، والكرامة الإنسانية التي أقرها المولى سبحانه في كتابه العزيز (ولقد كرمنا بني آدم) والمساواة بين الأفراد والجهات»، أشار إلى أن «التصحر العلمي الذي يعيشه المجتمع التونسي في مجال العلوم الإسلامية عموما، والشرعية خصوصا، والناتج عن مشروع التغريب واللائكية الذي أريد للبلاد، وما رافقه من إجراءات وممارسات لتجفيف ينابيع الإسلام في البلاد على يد المخلوعين، وما أنتجته هذه المشاريع كان وراء تأسيس الجمعية التونسية للعلوم الشرعية بعد أن هبت رياح التغيير والحرية». وتابع «إلى جانب ذلك لمسنا رغبة لدى غالبية الشعب التونسي، في التفقه في الدين والنهل من العلوم الشرعية بما يقيم أمر دينه ودنياه».

ومن أهداف الجمعية، كما بين الدكتور كمال الفطناسي، الذي يعد من الطاقات الواعدة «تنشيط الحياة العلمية في مجال العلوم الشرعية، كما أوضحنا آنفا، وإبراز جهود علماء تونس المجددين والمصلحين في مجال العلوم الشرعية، إلى جانب إبداء الموقف الشرعي، مما يستجد من نوازل في البلاد وخارجها، ونحن نمد أيدينا للتعاون مع جميع الجمعيات المماثلة سواء في تونس أو خارجها».

وحول إنجازات الجمعية نوه الدكتور الفطناسي، بما حققته الجمعية التونسية للعلوم الشرعية في ظرف وجيز، حيث تم الترخيص لها بالعمل القانوني بعد الثورة، وقد «عقدت الجمعية التونسية للعلوم الشرعية العديد من الندوات العلمية والدروس والمحاضرات سواء في المساجد أو خارجها». وضرب عدة أمثلة على ذلك «تظاهرة علمية في جامع الزيتونة المعمور انتصارا للمقدسات الإسلامية التي تم التطاول عليها من قبل اللائكيين واللادينيين، وكانت التظاهرة حول حرمة التطاول على الذات الإلهية، كما تم التطرق إلى السنة النبوية ومكانتها في الشرع الإسلامي، ومكانة أمهات المؤمنين، بالإضافة لندوات علمية حول مكانة العلم عموما والعلوم الشرعية خصوصا، وندوة حول الموقف الشرعي من الانتخابات، وإصدار العديد من البيانات في مواضيع تتعلق بالموقف الشرعي مما يستجد في البلاد من أحداث، كالاعتصامات، والإضرابات، والنعرات القبلية، والمس بالمقدسات الإسلامية التي تم التطاول عليها».

ومن الإنجازات والنشاطات الأخرى التي قامت الجمعية التونسية للعلوم الشرعية بتحقيقها إصدار كتاب لرئيس الجمعية حول «انتخابات المجلس الوطني التأسيسي: ضرورة شرعية ومصلحة وطنية» وعقد ندوة علمية حول الإعجاز القرآني دعي إليها الدكتور زغلول النجار، وتوزيع مطويات وأقراص حول فقه الصيام ومسائل أخرى.

وبخصوص العلاقة بين الجمعية التونسية للعلوم الشرعية، ودار الإفتاء وما إذا كانت بديلة عن المؤسسة الرسمية، أفاد الدكتور الفطناسي بأن «الجمعية لا تعتبر نفسها بديلا لمؤسسة الإفتاء مثلا أو وزارة الشؤون الدينية، ولكنها تسعى للتنسيق معهما فيما يخدم نشر العلم الشرعي في البلاد، إن قبلت تلك المؤسسات ذلك» واستطرد قائلا «في الحقيقة لم نجد تجاوبا من قبل تلك المؤسسات لأنها ما زالت تعيش على أعتاب الماضي ولم تتحرر بعد من ذلك تحررا كليا. أما بخصوص الجمعيات المماثلة فإنه حصل بيننا وبينها تنسيق في بعض التحركات التي تعلقت بالدفاع عن المقدسات الإسلامية التي تمت الإساءة إليها».

وفيما يتعلق بالمشكلات والعقبات والعراقيل التي تعاني منها الجمعية، شدد على أن «المشكل المادي يمثل أكبر العقبات حيث لم تتمكن الجمعية من تأجير مقر لها فضلا عن بنائه أو شرائه، كما تعجز عن تمويل بعض الأنشطة والأعمال والمشاريع، والمشكل الثاني هو أن أعضاء الهيئة المديرة ونتيجة تسارع الأحداث في تونس وجدوا أنفسهم منشغلين بالأحداث اليومية على حساب النشاط العلمي والأكاديمي».

وأبرز الدكتور الفطناسي، الدور الإعلامي الذي قامت به الجمعية على ضعف مواردها فـ«للجمعية وأعضائها مساهمات ومداخلات في العديد من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الداخلية منها والخارجية ومن خلال الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة، ومنها إذاعة الزيتونة، والإذاعة التونسية، وقناة الجزيرة». وأردف «نحن نعتقد أن حضورنا في هذه الوسائل ليس بالحجم المطلوب ولكننا ساعون لتدعيمه» وكشف عن وجود مساع في هذا الصدد، «نحن نفكر في بعث نشرة مكتوبة أو إذاعة أو قناة إن توفر التمويل لذلك».

وعن دور الجمعية في الانتخابات الماضية (23 أكتوبر - تشرين الأول الماضي)، أوضح أن «الجمعية ساهمت مساهمة إيجابية في الانتخابات التونسية من خلال إصدار بيان يدعو التونسيين إلى ضرورة الترسيم في الانتخابات والمشاركة فيها كما عقدت ندوة علمية في نفس الغرض، وكان لبعض أعضاء الجمعية مداخلات في المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية بالإضافة لدعوة الأئمة الخطباء للمساهمة في ذلك، باعتبارها ضرورة شرعية ومصلحة وطنية». وأعرب الدكتور كمال الفطناسي عن اعتقاد الجمعية بأن «مسلسل محاربة الدين الإسلامي في تونس متواصل منذ بداية حكم الرئيس المخلوع الأول الحبيب بورقيبة وحتى هذه اللحظة الراهنة وكنا نخال أن الثورة التونسية ستجب ما قبلها بمعنى أنهم سيتصالحون مع دينها وهويتها، ولكن تلاميذ اللائكي بورقيبة أبوا إلا أن يواصلوا مسلسل التطاول على المقدسات الإسلامية بدءا بالذات الإلهية وحتى الصحابة وأمهات المؤمنين مرورا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومحاولة تحريف الدين بما لا يتماشى مع مقاصد الإسلام وأصوله».

وعن جهود الجمعية في هذا الخصوص أكد على أن «الجمعية التونسية للعلوم الشرعية تصدت لتلك المحاولات بقوة وبما أوتيت من جهد من خلال فعاليات علمية متعددة سواء بإلقاء دروس وخطب جمعية في المساجد أو من خلال ندوات علمية توضح تحريف المغالين وانتحال المبطلين». وحول أهداف أصحاب تلك الإساءات، قال «نحن على يقين أن تلك الشبهات الغرض منها تشويه حقيقة الدين وتنفير المجتمع منه واستفزاز مشاعر المسلمين من أجل إدخال البلاد في دوامة من العنف، ليكون ذلك مبررا لنعت المدافعين عن الإسلام بأنهم إرهابيون ومتطرفون ونحن واعون تمام الوعي لذلك وقد نبهنا المجتمع التونسي إلى عدم الرد على أولئك بالعنف رغم ممارستهم عنفا لفظيا وفكريا لا يقل خطورة عن العنف المادي وقد حذرناهم من ذلك وحذرنا في المقابل المجتمع من الوقوع في الفخ ولكن مشاريعهم ستصطدم بجدار صلب هو تجذر المجتمع التونسي في إسلامه وهويته وهو ما كشفت عنه نتائج الانتخابات».