دعوة سلفية لاستخدام أموال الزكاة في دعم دعاية مرشحي حزب السلفيين بالانتخابات تثير جدلا دينيا في مصر

علماء الأزهر حذروا منها.. وحزب النور: لن تضر بمصلحة الفقراء

أحزاب دينية في مصر تبحث عن توسعة فقه مصارف الزكاة لاستغلال ذلك في تمويل الحملات الانتخابية («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت الدعوة التي أطلقها حزب النور السلفي عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بتخصيص أموال الزكاة والتبرعات التي تقدم للحزب لدعم دعاية مرشحيه في الانتخابات البرلمانية المقرر لها يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جدلا دينيا في مصر.

وبينما تباينت ردود الفعل حول الدعوة السلفية، خصوصا بعد تخصيص حزب النور المصري حسابات علنية في أحد البنوك لجمع تبرعات لتمويل دعاية حملات مرشحيه الانتخابية، حذر علماء أزهريون من التبرع لأي حزب سياسي بأموال الاشتراكات والتبرعات والهبات والزكاة، مؤكدين أن الزكاة لها مصادرها الشرعية التي تصرف فيها. وأجاز البعض الآخر تمويل المرشحين من الزكاة، باعتباره واجبا على جميع المنتمين إلى أي حزب.

واستند حزب النور في دعوته بأن مرشحيه في الانتخابات يحتاجون للمساعدات لتمويل حملاتهم الانتخابية، وأن التبرع لهم يدخل ضمن مصرف «في سبيل الله» وهو أحد مصارف الزكاة الـ8، وقال محمد نور المتحدث الإعلامي لحزب النور السلفي: «مطالبات دعم مرشحي الحزب من أموال الزكاة، نظرا لأنهم سوف يخدمون جميع المسلمين»، لافتا إلى أن «فكرة دعوة دعم مرشحي الحزب بأموال الزكاة قد تتيح فرصة كبيرة لتحقيق زيادة في أموال الزكاة، ولن تضر بمصلحة الفقراء والمساكين».

ومن جانبه، أكد الدكتور علي النجار، الأستاذ في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، إن مصرف «في سبيل الله» من مصارف الزكاة بالنص القرآني وجمهور أهل العلم، وأدخلت المجامع الفقهية المعاصرة في ذلك، أعمال الدعوة إلى الله، باعتبارها من جنس الجهاد بالكلمة الذي حل محل الجهاد المسلح في كثير من المواقع في واقعنا المعاصر، وما جاز بذله للجهاد السلمي بالكلمة وبالمغالبات السياسية.

وأضاف النجار أن هناك آراء فقهية مختلفة بين مؤيد ومعارض حول دخول مقاصد الأحزاب السياسية الإسلامية ضمن مقاصد مصارف الزكاة؛ إذ يرى فريق قصر مصرف «في سبيل الله» على الجهاد فحسب، وهو بذلك يعارض الإنفاق على الأحزاب الإسلامية من أموال الزكاة.. بينما يرى آخرون أن غاية الحزب السياسي الإسلامي، الوصول إلى الحكم لتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا يدخل في نطاق مصرف «في سبيل الله»، ولذلك يجوز إنفاق الزكاة لدعم الأحزاب الإسلامية وفقا للقاعدة الشرعية: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

وأوضح الدكتور النجار أنه من الأفضل عدم التوسع في تفسير مصرف «في سبيل الله» إلى درجة العمل السياسي، لأن خروجه من نطاق الشرعية إلى السياسة يعد مخالفة، فضلا عن أنه يجب التركيز على فقه أولويات مصارف الزكاة ومنها: «الفقراء والمساكين والمنكوبين والأرامل».

ويرى الشيخ عادل أبو العباس، عضو لجنة الفتوى في الأزهر، أن «الزكاة فريضة حدد الله تعالى مصارفها الـ8 المعروفة؛ لكن العلماء توقفوا كثيرا عند مصرف (في سبيل الله)، ومسألة تمويل الأحزاب الإسلامية من أموال الزكاة لا تجوز شرعا، لأن الأحزاب الإسلامية متضاربة في ما بينها، وإذا أجازت لهؤلاء فمن الذي يعطي لأولئك، ومعلوم أن وسائل الدعاية والإعلان يمكن أن تكون بعيدة عن مصرف (في سبيل الله)، وخاصة أن هناك الأغنياء المرشحين بكل حزب يستطيعون تمويل حملاتهم الانتخابية، من خلال مواردهم الخاصة، حتى لا يتم التحايل على مصارف أموال الزكاة، لا سيما أن مصر تمر بمنعطف خطير في جوانبها الاقتصادية ونسبة الفقر والبطالة تزداد يوما بعد يوم، مما يجعلنا نقف بشدة في وجه من يجيز ذلك، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأن إعانة الفقير ومساعدته، مقدم على سلب أموال الزكاة، وإنه إذا أجزناها للأحزاب ذات الخلفية الدينية، فلن تستطيع تحريمه على أحد في ما بعد».

وأضاف الشيخ أبو العباس أن «أموال الزكاة التي تمثل فريضة، لا يستطيع الفقيه أن يحملها بدعم مرشحي الأحزاب في الانتخابات، وأن دعم المرشحين يمكن أن يكون صدقة بعيدا عن الزكاة».

وأوضحت الدكتورة هدي الكاشف، عضو مجمع القرآن والسنة في القاهرة، أن الله حدد مصارف للزكاة في قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

وقالت الدكتورة هدى «لا يوجد سند أو دليل على استغلال أموال الزكاة في مساعدة الناخبين في دعايتهم الانتخابية»، لافتة إلى أنه «إذا كان بناء المساجد والمستشفيات عند بعض الأئمة، لا يجوز أن يدخل ضمن مصارف الزكاة، فما بالنا بدعاية الانتخابات؟!»، موضحة أنه حتى لو أسهم حزب النور السلفي في بناء مصر، فإن ذلك لا يمت بصلة من قريب أو بعيد إلى مصارف الزكاة الشرعية، وهذا يعد تحايلا على النصوص الشرعية وفهما خاطئا لها.

وجددت الدعوة السلفية بدعم دعاية مرشحيه في الانتخابات، مطالبات قديمة نادت بها الأحزاب الجديدة التي تأسست في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بتخصيص جزء من أموال الزكاة لتأسيسها على اعتبار أن هذه الأحزاب تدخل في نطاق الشأن العام في المجتمع وضمن فئة «في سبيل الله»، بعد قيام المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد عقب سقوط نظام الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، بوضع شروط صعبة على الأحزاب الجديدة تحت التأسيس، أبرزها إلغاء الدعم المالي عنها. وحذر علماء أزهريون وقتها من استخدام أموال الزكاة في غير مصادرها الشرعية. ووصفتها جماعة الإخوان المسلمين بأنها «مفسدة عظيمة».