محمود قويعة لـ «الشرق الأوسط»: ليس من حق حزب النهضة أن يحلل الحرام أو يحرم الحلال

قيادي في حزب حركة النهضة التونسية: لا لدولة ثيوقراطية.. والشؤون الدينية سنتركها لدار الإفتاء

محمود قويعة القيادي في حزب حركة النهضة وعضو المجلس الوطني التأسيسي في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

تخضع التجربة السياسية التونسية للمراقبة داخليا وخارجيا، رغم أنها ليست الوحيدة ولا الأولى، حيث سبقتها التجربة التركية التي تحقق نجاحا مذهلا، إذ إن التجارب التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع تختلف عن بقية التجارب الأخرى، ولا يمكن مقارنتها بغيرها من التجارب، كما يقول كثيرون، سوى بشكل متعسف. وفي الأيام الأخيرة صدرت ردود فعل كثيرة حول عبارة وردت في خطاب الأمين العام لحزب حركة النهضة عن «الخلافة الإسلامية»، اتهمت فيها الحركة من بعض الأطراف بأنها تعمل على استعادة الخلافة. وقال محمود قويعة القيادي في حزب حركة النهضة، وعضو المجلس الوطني التأسيسي في تونس لـ«الشرق الأوسط»، إن حركته ستضمن الدستور بندا واضحا بخصوص «مدنية الدولة»، و«ستؤكد على النظام الجمهوري» ولن «تقيم دولة ثيوقراطية».

وأشار إلى أن ما نسب المهندس حمادي الجبالي الأمين العام لحزب حركة النهضة بخوص «الخلافة الراشدة»، أسيئ فهمه، وحملت تلك العبارة أكثر مما تحتمل، فقد «كان يتحدث عن استلهام روح العدل والنزاهة والحكم الرشيد».

وأوضح قويعة، أن «المفاوضات الدائرة بين الكتل الكبرى داخل المجلس التأسيسي، تسير بشكل جيد وهناك اتفاقات كما أعلن عنها مؤخرا حول السياسات الكبرى وتحديد الصلاحيات، ولا سيما الرئاسات الثلاث، رئاسة الحكومة، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة المجلس التأسيسي. وتابع «هناك تهويل من بعض الجهات، بينما حسمت دعوة رئيس الجمهورية المجلس التأسيسي للانعقاد يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حيث تم اختيار رئيس المجلس التأسيسي ومن ثم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وتم اختيار المنصف المرزوقي رئيس (المؤتمر من أجل الجمهورية) رئيسا للجمهورية وحمادي الجبالي رئيسا للوزراء. وركزت المفاوضات على السياسات الكبرى، وكان المفاوضون يتمتعون بأقدار من الجدية والمسؤولية الوطنية، وما دمنا اتفقنا في السياسات، وحول الصلاحيات، فالأسماء كانت تتويجا لكل ذلك، وهي في المحصلة النهائية تحقيق لأهداف ثورتنا وانتصارات شعبنا».

وحول صلاحيات الرئاسات الثلاث، رئاسة الوزراء، ورئاسة الدولة، ورئاسة المجلس الوطني التأسيسي، بين أن الصلاحيات النهائية سيتم الإعلان عنها في إبانها، ولكنها لن تكون كما كان الأمر في السابق، وهذا ما سيفصله الدستور بخصوص شكل النظام السياسي، بمعنى أن الرئيس التونسي في المرحلة المقبلة لن يتمتع بالصلاحيات التي كانت ممنوحة للرئيس المخلوع، بينما تكون سلطات التسيير الداخلي في يد رئيس الوزراء، حسب رؤية حزب حركة النهضة، وهذا ما سيفصله القانون المحدد للسلطات العمومية بشكل مؤقت ثم الدستور بشكل دائم.

وأكد محمود قويعة «حصول توافق وقبول من قبل المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل من أجل العمل والحريات، بخصوص تسمية حمادي الجبالي الأمين العام لحزب حركة النهضة، ليتولى رئاسة الوزراء».

وعن نية بعض الأطراف تشكيل مجلس تأسيسي مواز للمجلس الشرعي، وما إذا كان ذلك وصاية على المجتمع وعلى الحكومة القادمة، رد بالقول «بعض الأطراف لا تزال تعيش حالة من الإرباك، وعاجزة عن استيعاب مرحلة ما بعد 23 أكتوبر (تشرين الأول)، وما أنصح به شخصيا حبا في هذا الوطن وثورة شعبنا ووفاء لدماء شهدائنا وكل التضحيات التي قدمت من أجل هذا الاستحقاق، أن نترفع عن مثل هذه الأساليب». وتابع «الشعب هو من اختار أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وإقامة مجلس مواز، تشكيك في أهلية الشعب التونسي، والبعض يتحدث عن جهل الشعب، على كل حال نحن نأسف لهذا، ونأمل من هذه الأطراف الالتزام بما صرحت به من قبول لنتائج الانتخابات وللتفويض الشعبي ورأي الشعب.. نأمل أن يرتفعوا إلى مستوى هذا الإقرار، وأن يدركوا أنه ليس هناك رابح وخاسر، وإنما الرابح هو تونس والديمقراطية في تونس، وأن نشترك في تأمين الحريات والعدالة الاجتماعية والرفاهية لشعبنا.. نحن أبناء وطن واحد ونفكر معا في مصلحة شعبنا، وهذا ليس صعبا على بلدنا والنخب الموجودة في وطننا».

وشدد على أهمية «الابتعاد عن ردود الفعل المتشنجة، فتونس بلد الجميع وتتسع للجميع ولننصرف جميعا للبحث عن حلول لمشكلات شعبنا الحقيقية، والتي يعاني منها بشكل يومي». وأردف «هذه الحكومة ستستمر لمدة عام وبعدها سنعود للاحتكام إلى الشعب، فهي مدة قصيرة وعلى الجميع إدراك ذلك». وأضاف «على إخواننا في الوطن إعادة توازنهم واستيعاب الدروس وأن نرجح جميعا مصلحة الوطن والشعب بعيدا عن الاعتبارات الفئوية والحزبية الضيقة». وأبرز قويعة وفاء حزب حركة النهضة لما تعهد به من التزام بسقف العام، ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية في تونس، سيكون عمل المجلس التأسيسي أقل من عام بقليل، أو أكثر من عام بقليل عند الضرورة القصوى.

وعن حلفاء النهضة في حركة «18 أكتوبر»، وظهور أحد أقطاب تلك الحركة في الصف المناهض للنهضة أثناء الحملة الانتخابية، قال «عندما تعرضنا للحملة إبان الانتخابات قلنا نحن لنا تاريخ ناصع مع بعض هذه الأطراف لا نريد أن ندنسه بالخوض في ردود الفعل وهذا منطلق النهضة في التعامل مع شركائها.. لاحظ أننا نتحدث عن شركاء.. ولنا من رحابة الصدر ما نغفر به خطايا أبناء شعبنا في حقنا.. وكما قال سمير ديلو (قيادي نهضوي) وضعنا في اختبار لنعرف مدى قدرتنا على التحمل، ونظن أننا نجحنا في الاختبار في قبول النقد وحتى التجريح لمصلحة بلدنا وشعبنا ويد النهضة تبقى ممدودة وصدورنا تبقى مفتوحة دائما لشركائنا داخل المجلس التأسيسي وخارج المجلس التأسيسي، داخل السلطة وخارج السلطة».

وأعرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة فترة صعبة، ونحن واعون بالتحديات والإشكالات التي قد تعترضنا، ونأمل في النجاح وفي تجاوز كل التحديات بما في ذلك القراءات المشبوهة لتصريحات قادة النهضة، أو الفزاعات.. لن نعمل في حقل من الورود، بل في حقل من الأشواك وربما حقل من الألغام والقيادة مستعدة لها، ولذلك رشحت للقيادة». وواصل حديثه قائلا «قيادة الحركة عندما قبلت التفويض الشعبي كانت تدرك كل ذلك تماما». وتابع «نحن نعرف التوازنات والمعادلات الموجودة داخل الساحة النقابية وطبيعة الأطراف السياسية، ونسأل الله أن يكون في عوننا.. لأن البلاد إذا ابتليت بمصيبة فستعم الجميع، فنحن في سفينة واحدة من يخرقها سيغرق الجميع وهذا نداء للرشد، يا أبناء شعبنا من يخرق السفينة يكن أول الغارقين، نحن نريد مجتمعا متكافلا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذا منطق وطني وليس منطقا عاطفيا، هذه ليست بلد النهضة فحسب، بل بلد كل أبناء الشعب». وكشف عن برنامج تفصيلي لحزب حركة النهضة لمعالجة القضايا الاجتماعية التي لها أول وليس لها آخر، وقال «هناك أوراق بصدد مناقشتها مع شركائنا، فنحن أمام تركة ثقيلة تداخلت فيها الدولة مع الحزب، فقد تعود الناس على طرق باب الحزب الحاكم حتى لإتمام أعمال إدارية، وإقناع الشعب بفصل السلطات سيحتاج وقتا وحتى ذلك الحين لا بد من تقديم ما يمكن من مساعدة في هذا الخصوص، فالحزب له ميدان عمله والمؤسسات الخيرية التي نرجو أن توجد وتتكاثر ستساعد في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية، وسنساعد مؤسسات الحكومة الاجتماعية لحل بعض القضايا المطروحة».

وبخصوص قضايا المساجد وتعدد الزوجات والأمهات العازبات التي تثار منذ ثورة «14 يناير»، قال «نحن مبتهجون لتدافع الأفكار في أجواء الحرية، ومن حق كل جهة حزبية ومجتمعية أن تدلي باقتراحاتها، وفي نفس الوقت هناك مجلس تأسيسي هو سيد نفسه هو من سيحسم هذه الخيارات، والمجلس التأسيسي سيصوغ الدستور وعلى الجميع بسط أفكاره وتقديمها وسيتخذ المجلس قراره وعلى الجميع احترام الدستور الذي يحدد المجلس ملامحه».

وحول تصريحات الجبالي، قال «لن نحرم حلالا ولن نحلل حراما». وشدد قويعة على أن «الدستور لن يخالف الشريعة الإسلامية، ولكن هناك مسائل لا تطرح على الحكومة ولا على السياسيين، وإنما تدخل في باب هذه يسأل عنها المفتي، لسنا نحن من يحدد الحلال والحرام، هذا شعب مسلم، يدين بالإسلام ويعرف الحلال والحرام، ومرجعية الشعب هي التي تحدد الحلال والحرام وليس من حق حزب النهضة أن يحلل الحرام أو يحرم الحلال، الحكومة ستسوس البلد، وتبحث عيش الناس، الحلال والحرام مهمة مشايخنا ودار الإفتاء، وليس هناك من طرح إلغاء وزارة الشؤون الدينية أو منصب المفتي». وكشف عن أن «عام 2012 هو بداية وضع قاطرة الإصلاح على سكة الإصلاح».