علماء دين: المتاجرون بأصوات الناخبين تجارتهم باطلة واستغلال المساجد في الدعاية محرم شرعا

«الإفتاء المصرية»: سماسرة شراء الأصوات «آثمون».. وسلفي يرى وجوب التنازل بين مرشحي التيارات الإسلامية

TT

أثار ما قامت بعض الأحزاب السياسية المصرية، خاصة الدينية خلال المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان المصري، من تقديم مبالغ مالية وهدايا للناخبين كـ«رشاوى انتخابية» للحصول على أصواتهم واستغلال المساجد لتوجيه الناخبين للأداء بأصواتهم لصالح أنصارهم، حالة من الاستياء في الأوساط الدينية.

وفي حين أكدت دار الإفتاء المصرية في فتوى لها أن شراء الأصوات في الانتخابات حرام شرعا وأن سماسرة شراء الأصوات آثمون. قال علماء دين إن الذين يتاجرون بأصوات الناخبين تجارتهم باطلة، واستغلال المساجد في الدعاية الانتخابية محرم شرعا.

إلى ذلك، أفتى أحد أعضاء الدعوة السلفية بوجوب تنازل مرشحي التيارات الإسلامية لبعضهم بعضا، إذا كثر عدد مرشحي الإسلاميين في المقاعد الفردية في الدوائر الانتخابية في المرحلة الثانية والثالثة من الانتخابات البرلمانية، وذلك لتفويت الفرصة على العلمانيين والليبراليين.

وجددت دار الإفتاء المصرية فتواها بشأن شراء الأصوات في أول انتخابات تشهدها مصر عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي، إثر انتفاضة شعبية في 25 يناير (كانون ثاني) الماضي، قائلة: إن «شراء المرشحين لأصوات الناخبين حرام شرعا، لأنه من قبيل الرشوة التي نهى عنها الشرع».

وأوضحت دار الإفتاء أن الأصل فيمن يرشح نفسه نائبا عن الشعب، أن يكون أمينا في نفسه، صادقا في وعده، ولا يجوز له أن يستخدم أمواله في تحقيق أغراضه الانتخابية بالتأثير على إرادة الناخبين.

وقال الدكتور علي جمعة مفتي مصر مخاطبا الناخبين: «إن أصواتكم أمانة فأعطوها لمن يستحقها»، مشيرا إلى أن ما يتم من تجاوزات داخل العملية الانتخابية كشراء الأصوات وتزويرها، هو ممارسات محرمة شرعا.

وجاءت الفتوى الرسمية التي صدرت عن دار الإفتاء، ردا على سؤال ورد إليها عن رأي الدين فيما اتبعه الذين يرشحون أنفسهم نوابا للشعب من دفع أموال طائلة لشراء أصوات الناخبين مستغلين عوز الفقراء واحتياج الأرامل وحاجة الشباب العاطل إلى العمل؟ وهل يلزم مَن حصل من هؤلاء المرشحين على أموال أن ينتخبهم؟ وما رأي الدين في من يساعد بعض المرشحين على ما يقومون به من رشاوى وشراء ذمم الجماهير وضمائرهم.

وأكدت دار الإفتاء أنه «لا يجوز أن يأخذ أحد من الناس هذه الأموال ثم لا ينفذ ما اتفق عليه من حرام، لأن ذلك من باب السحت وأكل أموال الناس بالباطل، بالإضافة إلى الخداع والكذب». وشددت دار الإفتاء على ضرورة أن يرد المال للمرشح، حيث إن تنفيذ المتفق عليه حرام، وأخذ المال أيضا حرام.

وأوضحت دار الإفتاء أن الوسطاء في تلك العملية المحرمة، الذين يطلق عليهم سماسرة الأصوات آثمون شرعا لأنهم يسهلون حدوث فعل حرام.

واستدلت دار الإفتاء على فتواها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الراشي والمرتشي وَالرَّائِشَ (يَعْنِي الذي يَمْشِي بَيْنَهُمَا)».

وأهابت الفتوى بالمصريين البعد عن مثل تلك الممارسات والوقوف صفا واحدا للقضاء عليها، مشددة على أن الإسلام يأمر بالصدق وحرية الإرادة وتولية الصالح، ويشن الحرب على الفساد والكذب والرشوة وخسائس الأخلاق.

من جانبه، أكد الشيخ جمال قطب الرئيس الأسبق لجنة الفتوى في الأزهر، أن صوت الناخب أمانة، ويترتب عليه مسائل كثيرة مهمة تحدد مصير أمة بأسرها، وعلى هذا الناخب أن يعلم أن الله سيحاسبه على صوته، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن الذين يتاجرون بأصوات الناخبين تجارتهم باطلة.. ويشترك معهم صاحب الصوت ومن يطلق عليه سمسار الأصوات، والجميع سوف يحاسب أمام الله على هذا العمل الباطل.

وأشار الشيخ حسن الجنايني الواعظ بالأزهر، إلى أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتق جميع المصريين سواء من الناخبين أو المرشحين أو القيادات السياسية وقادة الرأي لضرورة توضيح المعايير والضوابط والمحاذير التي تحكم العملية الانتخابية وفقا للقانون وما أمر به الإسلام.

ووجه الشيخ الجنايني رسالة للناخبين مفادها: «يجب أن لا يشارك الناخب في أعمال وأقوال غير مشروعة»، مؤكدا أنه يجب على الناخب معرفة أن الدعوة إلى الإدلاء بالصوت إنما دعوة إلى شهادة، مصداقا لقول الله تعالى: «ولا تكتموا الشهادة».

وأضاف الشيخ الجنايني لـ«الشرق الأوسط» أن على الناخب أن يتحمل مسؤوليته في اختيار من يستأجر، موضحا «لا بد على الناخب أن يكون إيجابيا ويقطع الطريق على تجار وسماسرة الأصوات»، لافتا إلى أنه من استباح لنفسه أن يشتري الأصوات بأمواله فسوف يحرص على استردادها من أموال الشعب والبلاد أضعافا مضاعفة.

إلى ذلك، دعا الدكتور هشام عقدة، أحد أعضاء الدعوة السلفية، عضو مجلس أمناء الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح (وهي هيئة علمية إسلامية وسطية مستقلة تضم علماء من جامعة الأزهر والتيار السلفي) إلى تنازل مرشحي التيارات الإسلامية لبعضهم البعض إذا كثر عددهم على المقاعد الفردية بالدوائر الانتخابية في المرحلة الثانية والثالثة من الانتخابات البرلمانية، لمواجهة العلمانيين والليبراليين الذين لا يريدون تطبيق النموذج الإسلامي - على حد قوله -.

ودلل الدكتور عقدة على فتواه، بأنه لا يجوز أبدا أن نضعف المرشح الإسلامي بسبب تشتت الأصوات وتفريقها، وعليه فإنه يترتب وجوب انسحاب أحد المرشحين الإسلاميين الآخرين وخيرهما من يفعل ويتنازل للآخر.

وفي السياق نفسه، شهد العديد من المساجد انتهاكات صريحة لحرمه بيوت الله خلال المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، واستغل أنصار المرشحين الذين ينتمون للتيارات الدينية مكبرات المساجد وأوقات الصلاة في دعوة المصلين والناخبين لضرورة التصويت لصالح مرشحيهم.

لكن الدكتور عبد اللطيف القوصي وزير الأوقاف المصري نفى ذلك في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «لم تسجل الوزارة أي شكاوى لاستغلال المساجد في الدعاية الانتخابية»، لافتا إلى أن الوزارة كانت واضحة في تعليماتها للمسؤولين عن المساجد بعدم استخدامها في دعاية الناخبين.

وفي هذا الشأن لفت مفتي مصر الدكتور علي جمعة إلى أن «عالم الدين ينبغي أن يظل بعيدا عن السياسة بمعناها الحزبي الضيق وأن يترك الاختيار للشعب»، مشددا على ضرورة أن «يبقى عالم الدين ملكا لكل الأطراف، وأن يضطلع بدوره في توعية الجماهير وقيادتها نحو ممارسات صحيحة، تتفق والقيم العليا، لتحقيق مصالح الفرد والمجتمع».

وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر: إن المساجد هي بيوت الله - عز وجل - وقد نسبها لنفسه، فقال: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا»، وهنا نقول إنه لا يجوز إطلاقا؛ بل محرم شرعا استخدام المساجد في الدعاية الانتخابية، لأنه من المعروف أن الدعاية الانتخابية يصاحبها في الكثير من الأحيان لهو وأحاديث خارجة لا تتناسب مع وقار المساجد التي تعتبر أماكن إلهية تصعد منها الأعمال لله عز وجل. وتابع الأطرش: إن «أرض المساجد هي أطهر الأماكن، فلا يجوز تدنيسها واستخدامها لأغراض دنيوية، كما أنه ليس من المعقول أن تتردد في المساجد الوعود الانتخابية التي هي في الغالب أكاذيب، ودائما لا يتحقق منها شيء».

وأضاف الشيخ الأطرش لـ«الشرق الأوسط»: إن «المساجد لها مهمة مقدسة تتمثل في إقامة العبادات داخلها والإنسان مطالب بالحفاظ عليها».

وقال الدكتور مصطفى مراد أستاذ علم الأديان بجامعة الأزهر، إن المساجد جعلت لأغراض ثلاثة فقط هي: «الصلاة والذكر وقراءة القرآن الكريم»، ولا بد أن يكون واضحا لكل من يستخدم المساجد في غير ذلك أنه يعصي الله - عز وجل - ويبتعد عن منهج الإسلام الواضح وعن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالدعاية الانتخابية ليست ذكرا ولا صلاة ولا قراءة قرآن؛ بل إن الدعاية الانتخابية دائما ما تأتي بالجهلاء أصحاب المصالح الشخصية الذين لا يحترمون المساجد ولا يعرفون قدرها ويستخدمونها للحصول على منافع دنيوية عن طريق إغراء الناس وتضليلهم للحصول على أصواتهم.

وأضاف مراد لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يجوز أن تتجمع المسيرات الانتخابية أمام المساجد، لأن هناك من يؤدون الصلاة أو يقرأون القرآن داخل المسجد، ولا يجوز شرعا التشويش عليهم، وإن كان لا بد من السير أمام المسجد فلا بد من الهدوء والسكينة، احتراما لبيوت الله حتى في الأوقات العادية بعيدا عن الانتخابات، مؤكدا على أن استخدام مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد في مثل هذه الأمور محرم أيضا، ووضع اللافتات الانتخابية على جدران المساجد انتهاك صريح لبيوت الله.