الإسلاميون وفرص المواطنة وتحدياتها

رضوان السيد

TT

حضرت يومي 7و8-12-2011 بدعوة من مركز غالوب بأبوظبي مؤتمرا عن الاستيعاب والانخراط السياسي في الشرق الأوسط الكبير بعد الربيع العربي. ومركز غالوب كما هو معروف معهد عالمي ومؤسسة للأبحاث التي تتحول إلى استطلاعات ومنتج نتائج أو اقتراحات معينة لصناع القرار، سواء أكان المكلفون للمؤسسة من رجالات الدولة أو القطاع الخاص أو جمعيات المجتمع المدني. وبدلا من أن يستمر معهد غالوب في إجراء الاستطلاعات عن بعد أو بواسطة مؤسسة أخرى؛ فقد أنشأ عام 2009 مركزا بأبوظبي للاهتمام بشؤون المشرق العربي، وإن كان العنوان العام ما يزال: الإسلام والغرب! وبالفعل فإن المركز الجديد أصدر وبالإنجليزية والعربية عشرات الكتيبات التي تتناول موضوعات تهمنا جميعا من مثل: لبنان والهجرة، ومصر الثورة والتحول، والعنف والآراء حوله، والأوضاع الاجتماعية في سوريا وتأثيرها السياسي، ومصر وحسابات الثورة، وتونس وتكوين السلطات الجديدة. وقد كان المنتظر أن لا تكون لبحوث المؤتمر الحالي وموضوعاته علاقات قوية بالدين. إذ كان المراد البحث في المؤتمر من خلال البحوث والحالات الاستطلاعية في حظوظ وكيفيات وفرص التأهل للمشاركة السياسية بعد الثورات العربية. وبالفعل فقد دار قدر كبير من البحوث عن التربية والمواطنة، والاقتصاد السياسي والمواطنة، والمرأة والمشاركة، والفرص التي أتاحتها الثورات وتحدياتها. إنما وبسبب حدوث المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، والنتائج التي أسفرت عنها ومن ذلك حصول الإسلاميين (= الإخوان والسلفيين) على نحو 65% من أصوات الناخبين، فإن ذلك دفع عددا من المناقشين لتضمين العامل الإسلامي أو المتغير الإسلامي فيما بين الفرص والتحديات والإشكاليات بالنظر للمواطنة وحقوقها، وإقامة الدولة المدنية، دولة الحريات والمساواة والقانون. فالإخوان المسلمون على سبيل المثال يترددون في إطلاق اسم «الدولة المدنية» على النظام الذي يرغبون فيه بحجة الاشتباه بالعلمانية. ويؤثرون التسمية بالدولة ذات النظام الديمقراطي، والمساواة أمام القانون. لكنهم يريدون الدولة بمرجعية إسلامية، ولا يجيزون أن يكون رأس الدولة مسيحيا. والسلفيون، وإلى ما قبل شهرين ما كانوا بعد متأكدين من أن الانتخابات حرام أم كفر، وإذا بهم يدخلونها بحماس، ويفوزون بأكثر من ربع أصوات الناخبين! فماذا يعني ذلك بالنسبة للمصريين، وماذا يعني بالنسبة للدين الإسلامي، وكيف يؤثر فهم الإسلامي لدينه على انخراطه في الحياة السياسية والعامة؛ ونظرته للآخرين المختلفين دينيا أو سياسيا أو الأمرين معا؟ لقد لاحظنا على سبيل المثال أن شيخ الأزهر أصدر وثيقة قبل بضعة أشهر عن الحكم المدني، وأن الشعب مصدر السلطات. ثم أصدر وثيقة أخرى في دعم الثورات العربية، وأنه من حق المسلم أن يتصدى لتغيير الحاكم إن أباح الدم والمال والعرض، كما من حقه أن يؤثر في صنع السلطة، لأن الشعب مصدر السلطات، ومبدأ المواطنة ينبغي أن يسود بغض النظر عن الدين أو العرق، وعلى أساس المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية (الحقوق أو الضرورات الخمس: النفس والدين والعقل والنسل والملك أو المال). وشيخ الأزهر يريد أن يكون فاعلا في الحياة الوطنية العامة، وليس متدخلا في الحياة السياسية، وهو يعتقد أنه بهذه الطريقة يحول دون إدخال الإسلام في بطن الدولة، لكي لا تطحنه وتشرذمه وترميه فتاتا وفرقا في عمليات الصراع على السلطة بين الأحزاب المنتسبة إلى الإسلام! بيد أن بعض المناقشين والمتدخلين ذهبوا إلى أن التهويل غير محمود ولا صحيح. فمعظم ناخبي الإخوان، وكل ناخبي السلفيين يشاركون في الانتخابات للمرة الأولى. وهم يشعرون الآن بالإنجاز أو أنهم بدأوا يشعرون بذلك. وإذا وجدوا نوابهم وممثليهم فاعلين في العملية السياسية، فسيتضاءل لديهم الخوف والغضب والتوتر. وسيكونون أقل انغلاقا وأكثر انفتاحا على المواطنين الآخرين سواء أكانوا فائزين في الانتخابات أو غير فائزين. وما اعترض الآخرون من مقدمي الأوراق على ذلك، لكنهم رأوا إمكان النظر أيضا في الثقافة السياسية، وتأثيرات ثقافة الهوية والخصوصية، على مدى الأربعين أو الخمسين سنة الماضية. إذ المعروف أن التسيس أو بالأحرى التجمع والتحشد تم ويتم على هذا الأساس. ومع ذلك فإن عديدين من «العمليين» رأوا أن منافذ وإمكانيات الانفتاح حرية بأن تفتح آفاقا جديدة للتدين وللثقافة الدينية/ السياسية. إنما الأهم ما حصل بالفعل وهو اعتبار الدين عاملا مهما في الصراع السياسي أو الصراع على السلطة، وليس بين الإسلاميين والمدنيين والعلمانيين فقط، بل وبين الإسلاميين أنفسهم. فالإخوان والسلفيون على سبيل المثال استخدموا ويستخدمون الدين في الصراع السياسي أو في الفوز بالمقاعد في البرلمان والإدارة وسائر السلطات. وهذا الذي يخشاه شيخ الأزهر وآخرون من المتدينين. فالتنافس الحاد على الأصوات، واستخدام الدين في كل ذلك، حري أن يقسم الإسلام بكيفيات لا يمكن التنبؤ بها! وقد رأى كثيرون أن التوجهات العملية تقتضينا الاتجاه إلى مسائل التربية على الديمقراطية. والتربية على الديمقراطية يمكن أن تكون في المدارس، كما يمكن أن تكون في وسائل الإعلام. ويمكن أن تكون أولا وآخرا في العملية السياسية ذاتها. فقد كان ميدان التحرير بحد ذاته فرصة ومدرسة ومدارسة. والملاحظ أن هذه الاحتكاكات الإيجابية والمدارسات أنجزت الكثير، وخاصة لدى شباب الإسلاميين من الإخوان والسلفيين. فقد تعودوا على المحاججة والنقاش وتوليد الأفكار واكتشاف الإمكانات والقدرات. كما أن الفئات المختلفة من الشباب تعرف بعضها على بعض بطرائق وفرص ما كانت متاحة قبل الثورات. إذ إن الفئات الاجتماعية المختلفة ما كان بعضها يعرف البعض الآخر بشكل عميق. وهذا «الجهل» لا يقتصر وجوده على شباب الإسلاميين، بل هو حاضر لدى شبان المدنيين. إنما تبين لهؤلاء أن زملاءهم من العمر ذاته، عندهم مشكلات لا يعرفونها هم، وإنما عرفوها في المقابلات والنقاشات التي صارت حاجة تعليمية ملحة.

ما كانت حركات الشباب بميدان التحرير وساحات المدن العربية الأخرى نهاية المطاف، وكذلك لن تكون الانتخابات المصرية بداية أو نهاية. فالإسلاميون المصريون ليسوا صنفا واحدا، كما أن الإسلاميين المغاربة والتونسيين والليبيين واليمنيين ليسوا صنفا واحدا بأي معنى. فالإسلام كما يتمثل بالمسلمين متنوع، وكذلك الشبان المدنيون، والآخرون الليبراليون والعلمانيون. وهم على اختلاف مشاربهم وثقافتهم لا يثيرون الهواجس أو المخاوف، ما داموا يلتزمون بأمرين اثنين: المسار السلمي، وصناديق الاقتراع. ويكون على الجميع التلاؤم والتأهل والبحث عن المشتركات إذا أرادوا أن يظلوا فاعلين سياسيين، وأن يشاركوا في العملية السياسية والشأن العام على قدم المساواة.

لقد تحدث الباحثون كثيرا عن الثورات العربية باعتبارها انفجارا ديموغرافيا، ونتاجا متقدما لوسائل الاتصال. بيد أن ما لم يجر الحديث عنه كثيرا هذا التنوع الغني في المشهد الإسلامي أو ما صار يعرف بالإسلام السياسي. فالإخوان المسلمون بمصر ما فازوا بأصوات أكثر بكثير من السلفيين. وما أوضح الإخوان كثيرا ماذا سيفعلون فيما حصلوا عليه من ثقة لدى الناخبين، ولدى المصريين الآخرين. والأمر لدى السلفيين أكثر إلحاحا لأنهم يشاركون للمرة الأولى. وفي الحالتين سيكون على سائر الأطراف المراجعة، وإعادة النظر وسط الأفق المفتوح للعملية الجارية.