موجة ثانية من العداء الأميركي للمسلمين.. كيف ولماذا؟

إميل أمين

TT

هل من حرب خفية أو علنية أميركية ضد الإسلام والمسلمين لا سيما داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها؟

قطعا من يستمع للتصريحات الرسمية لكبار أعضاء الإدارة الأميركية الحالية، بدءا من الرئيس أوباما، يخيل إليه من فرط التقريظ على الإسلام وفي حق المسلمين، أن هؤلاء يكادون أن يؤمنوا به عقيدة ومنهاجا للحياة. غير أن واقع الحال عبر رصد عدة مشاهد في الأسابيع القليلة المنصرمة، يظهر كيف أن هناك بالفعل حربا قذرة تشن ضد الإسلام، والتعبير هنا لصحيفة «البرافدا» الروسية، في أحد أعدادها الصادرة منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي.

هل يعني ذلك شيئا آخر غير إشكالية تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية التي أشرنا إليها مرارا وتكرارا في أكثر من موقع وموضع؟ وثانيا هل من نصر محتمل لأميركا في هذه الحرب الخفية الدينية؟ في حين يبقى التساؤل الأهم من وراء ذلك: هل تحالف الكراهية أم التربية الخاطئة للغرب الذي عرف وفي أميركا تحديدا مستغلا ولا شك ثقب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الأسود ليشوه صورة الإسلام والمسلمين مرة وإلى غير رجعة؟ تقول «البرافدا» الروسية في تقريرها المشار إليه: «إن الولايات المتحدة تشن حربا قذرة ضد السود واللاتينيين والناشطين السياسيين والمسلمين، وتستهدفهم في عقيدتهم، ومختلف أعراقهم، كما تستغلهم ككباش فداء في الحرب على الإرهاب». وتتساءل «البرافدا»: «لماذا المسلمون؟ في الوقت الذي يعلم فيه الإسلام الحب لا الكراهية، السلام لا العنف، الإحسان لا الطمع، التسامح لا الإرهاب». وهي ترى كذلك أن الإسلام يدعو إلى نفس القيم التي دعت إليها المسيحية واليهودية؟

من يقف وراء هذا المناخ المشحون بالكراهية والخوف ضد الإسلام والمسلمين في أميركا؟ هل من مشاهد واقعية حتى يضحى الحديث ذا مضمون وليس اتهامات مرسلة في الهواء؟

إليك الآتي والذي كشف عنه أوائل الشهر الماضي، عبر بعض الوثائق التي تم تسريبها، وبطريقة تكاد تماثل تسريبات وثائق «ويكيليكس» عن رؤية أجهزة الأمن الأميركية الداخلية لكل مسلم يعيش على الأراضي الأميركية.

الموقع يدعى «دانجر روم» أو «الغرفة الخطرة» والوثائق التي نتحدث عنها تتناول الدورات التدريبية التي تلقاها أفراد جهاز المباحث الاتحادية FBI المكلفون بمحاربة الإرهاب الداخلي في البلاد، وتتضمن رسوما جرافيكية ومعلومات عن الشريعة الإسلامية، والقوانين الإسلامية والقرآن والحديث والزكاة والجهاد.

وخلاصة الوثائق يمكن تلخيصها في بضع كلمات «الإسلام دين يتسم بالعنف بطبيعته، وكل أميركي مسلم قابل للتعاطف مع الإرهابيين، وكلما ازدادت درجة الإيمان والتقوى عند المسلم، كبرت نزعته إلى العنف». وعلى ذلك فإن جميع المسلمين الأميركيين أهداف «للعملاء الفيدراليين» بصفتهم «مشاريع إرهابيين».. هل من قصور في فهم الإسلام وفساد في الاستدلال عليه أبعد من هذه الرؤية؟

يتساءل المرء: من المسؤول عن تضمين تلك المفاهيم المشوهة في الدروس التي تلقاها رجال المباحث الاتحادية، وفي بلد معروف عنه مقته للثقافة العميقة عند العامة، رغم الاعتراف بما للمراكز البحثية فيه من عقول حاذقة واعية تدرك حقائق الأمور وإن أراد البعض لي عنقها؟

الجواب تكشف عنه مجلة «وايرد» الأميركية، والمسؤول هو أحد خبراء محاربة الإرهاب ويدعى ويليام غاوثروب، الذي يؤمن بأن الدين الإسلامي بحد ذاته يمثل خطرا، وليس تنظيم القاعدة.

مشهد آخر من مشاهد الحرب غير المعلنة التي نتحدث عنها أبدا، يتمثل في ما يمكن أن نطلق عليه «الإسلاموفوبيا النسوية»، أي تلك التي ترتبط بالنوع لا سيما اللواتي يرتدين الحجاب، أو يتشحن بالنقاب، فقد بتن هدفا يسيرا للاعتداءات الأدبية والجسدية من غلاة اليمين الأميركي، حتى وإن كانوا غير متدينين في الأساس.

ويضيق المسطح المتاح للكتابة عن ذكر حالات بعينها تعرضن للسب والقذف، بل والضرب في الشوارع وداخل محطات الوقود، وفي المتاجر العامة، والتهمة الرابضة خلف العقول وجاهزة على الألسنة «أنتن إرهابيات عدن إلى بلادكن»، أو «أخبري كل المسلمين أن هذه ليست بلادكم وعودوا من حيث أتيتم».. وصولا إلى تهديدات أخطر مثل «سأقتلك.. سأقتلكم جميعا».

والثابت أنه إذا جاز لنا افتراضا أن نتفهم حالة الكراهية والعنصرية عند عوام الأميركيين، فإنه يصعب علينا تقبلها من رجال الإدارة وأصحاب المناصب والمرشحين للمراكز النيابية العليا، بل وأعضاء في مجلس الشيوخ أو النواب، وإن كنا نتفهم في ذات الوقت الأساليب المتدنية التي يلجأ إليها هؤلاء، في إطار من البراجماتية الأميركية، وفي دولة هي في الأصل شركة؛ كل شيء فيها قابل للبيع والشراء.

في الخامس عشر من الشهر الحالي كان النائب الجمهوري عن ولاية تنسي، ريك ووميك، يخرج علينا بتصريحات تقطر كراهية، معتبرا أن «المسلمين العاملين في صفوف القوات المسلحة الأميركية يمثلون خطرا كبيرا على المؤسسة العسكرية الأميركية».. لماذا؟

السبب عند ووميك هو أن «الدين والمعتقد الإيماني لهؤلاء يأمرهم باختلاق الأكاذيب، ونسج خيوطها على الأميركيين، وأنه كلما ازدادت نزعتهم الدينية وكلما زاد التزامهم بالقرآن والسنة كلما زاد توجسي منهم، لأنهم سيكونون أكثر إقداما على قتلي».

والمقطوع به أن الكلمات والنصوص ذاتها تكاد أن تتطابق وليس المفاهيم والرؤى فقط، بين دعاوى مدرب رجال المباحث الاتحادية ويليام غاوثروب، وكراهيات ريك ووميك، مما يؤكد وجود تيار عام تحلق هذه الرؤى في آفاقة البغيضة، والخطورة هنا حقا أنها رؤى وإن كانت مكذوبة، فإنها وفي ظل الأزمات المختلفة التي تعيشها أميركا اقتصاديا وأخلاقيا ودينيا أيضا، تجد لها مسارب ومعتنقين، يرون فيها بر أمان بشكل أو بآخر من آلام الحاضر ومعضلاته، ومن قبل غازل ووميك عوام أميركا بتصريح لصحيفة محلية بالقول: «إننا نخوض حربا ضروسا ضد (القاعدة) وطالبان وهم مسلمون، ومن ثم لم يقدم المسلمون بجيشنا على قتلهم لأن دينهم يحرم عليهم ذلك».

على أن الموضوعية والأمانة البحثية تقتضي منا كذلك أن نتساءل: هل يوافق جل الأميركيين على تلك التوجهات العنصرية التي تجلت في موجة عداء ثانية بعد الموجة الأولى التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر، وماذا كذلك عن دور الإدارة الأميركية في مجابهة هذا التيار الاستعلائي؟

يحترم المرء الموقف الذي أعلنه وزير العدل الأميركي إريك هولدر تجاه إشكالية دروس رجال المباحث الاتحادية؛ إذ أعرب عن سخطه حيالها، وأكد أن هذه الدروس لن تكون أبدا ضمن برنامج التعليم.

وفي جلسة استماع في مجلس الشيوخ قال هولدر: «لهذه الدروس قوة لضرب الجهود الأساسية التي نقوم بها، وقد تكون لها أيضا عواقب سلبية على قدرتنا في التواصل بشكل فعال مع الأميركيين المسلمين، موضحا أن الأميركيين المسلمين هم شركاء أساسيون في التصدي للإرهاب، وهم يشكلون مصادر موثوقة للمعلومات التي سمحت بتحقيق عدد كبير من النجاحات».

وقد أكد وزير العدل الأميركي لأعضاء مجلس الشيوخ أنه «تمت مراجعة مضمون الدروس، كي نتأكد أن مثل هذا التشويه قد اختفى، وأنه من المؤسف أن تكون هذه المعلومات جزءا من البرامج». وأشار إلى أن الموظف المختص بدس هذه السموم الفكرية غاوثروب لم يعد موظفا في الشرطة الفيدرالية.

وإذا كان تصرف وزير العدل الأميركي وتصريحاته الرسمية تحمد له، لكن هل تكفي لمواجهة انتشار نيران الأصولية التي يبدو أنها تأخذ شكل التنظيم العالمي ضد الإسلام والمسلمين، ما يمكن أن يقود العالم إلى حقبة جديدة من النار والمرار والدمار، حقبة لن تختلف كثيرا عن نازية هتلر وفاشية موسوليني؟

قطعا إن ما يجري لم يعد حوادث فردية يقوم بها مهووسون من هنا أو هناك، بل أضحت عبر العقدين الماضيين تحديدا استراتيجية لها أفق سياسي، وتحدها خطوط طول وعرض اقتصادية وفكرية وسياسية وتدعمها بالأبحاث مراكز دراسات لديها تمويل عالي القدر يوفر نوعية متميزة من الباحثين، ومثال عليها «مركز التقدم الأميركي» الذي يضم عدة مؤسسات لديها ملايين الدولارات، ولا هم له سوى الترويج للحملات الدعائية المناهضة للإسلام.

وهذه تستخدم ولا شك وسائل إعلام معروفة بإغراقها في يمينية متطرفة مثل قناة «فوكس» الإخبارية المملوكة لروبرت مردوخ صاحب الفضائح الأخيرة، والتي عادة ما تسخر تغطياتها لتكريس وتعزيز صورة نمطية واحدة لا تتغير عن تصرفات المسلمين، وقياسا على بعض الحوادث الفردية.

والمتابع الجيد للداخل الأميركي مثل الكاتب والإعلامي توماس كيرشنر يرى أن دعاة «حزب الكراهية» هؤلاء من أمثال الكاتب الأميركي روبرت سبنسر وقرينته باميلا جيلر باتا حاليا من أهم الشخصيات المعادية للإسلام في الولايات المتحدة الأميركية، كما يعدان من الضيوف الدائمي الحضور في البرامج الحوارية في التلفزيون والإذاعة، وتمكنا من الحصول على دعم مالي من المليونير ديفيد هورفيتش، ومن جذب النائب الجمهوري نيوت جينجريتش وسفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، الذي يعد من غلاة المحافظين الجدد وجميعهم ينظمهم عقد واحد مفاده أن الإسلام ليس بدين وإنما مؤامرة لاحتلال العالم.

ولعله يحق لنا في نهاية هذا العرض عن الداخل الأميركي بأطيافه وأطرافه التساؤل: هل كانت التربية الخاطئة والإعلام المشوه وغير النزيه وراء إذكاء هذه الصور المغلوطة، والتي لا تفرق بين الدين في جوهره كحب ورحمة وتسامح، والتدين الذي ينحو أحيانا للغلو وأخرى إلى التطرف والقسوة؟

يتذكر المرء في الجواب مقولة مهمة للغاية وجوهرية في التأصيل لأزمة الإسلاموفوبيا في أميركا، المقولة منسوبة للرئيس الأميركي المغدور جون كيندي، وفيها «إن العدو الأكبر للحقيقة في غالب الأحيان ليس الكذب المدروس المستمر والمضل، بل الأسطورة الدائمة المقنعة وغير الواقعية، ولذا فإننا في أحيان كثيرة نتمسك بسرعة بالأفكار المبتذلة لأسلافنا».. أليس هذا هو واقع الحال في أميركا اليوم؟

حكما إن رؤى ويليام غاوثروب وروبرت سبنسر ومن على شاكلتهما كثر ليست إلا نتاجا طبيعيا للبروباغندا الدعائية الغربية والأميركية منها في الأعم الأغلب والتي روجت لمقولة إن «الإسلام العدو الأخضر»، هو البديل الجديد للعدو السوفياتي الأحمر.

لقد بات الأميركيون بقضهم وقضيضهم لا سيما منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر في مواجهة أمطار تكاد أن تصبح سيولا من الأخبار ووجهات النظر والمعلومات والانطباعات والتقارير الإعلامية، مقروءة ومسموعة ومرئية عن العرب والمسلمين، وجميعها تحمل أجندة واحدة، خلق الجني الذي يكفل لجماعات المصالح تسنم المراكز العالمية عسكرية ومالية، من أمثال جماعات المجمع الصناعي العسكري، وجماعات وول ستريت والتي تحمل لهم الحروب أرباحا مماثلة لما كان يجنيه الكابتن مورغان باقتناصه لسفن القراصنة العائدة من رحلات قرصنتها حول العالم القديم.

يكفي الباحث في الشأن الأميركي رؤية عدد من أفلام هوليوود من عينة «أكاذيب حقيقية» 1994، «فرق الإرهاب» 1998، «قرار تنفيذي» 1996، «الحصار» 1998، «رحلة الرعب» 1990، «إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة» 1989، ليوقن كيف بات الأميركي محصورا في رؤيته للعرب والمسلمين بوصفهم «لا إنسانيين بالفطرة».

هل حان الوقت ليأخذ المسلمون على عاتقهم مسؤولية نشر نسختهم الخاصة من الرواية في المجتمع الغربي والأميركي على ناصيته.

* كاتب مصري