حكومة «الإسلاميين» في المغرب لن تهدم حانات الخمر ولن ترخص بفتح المزيد منها

سعيد النقاش: سيتبعون أسلوب النبي مع أصنام مكة

جانب من الاجتماع الذي تحدث فيه الشاب المغربي في منتدى فاس (تصوير: محمد المشروح)
TT

وقف شاب ليتناول الكلمة في إطار ورشة مخصصة للشباب وشبكات التواصل الاجتماعي، ضمن أعمال منتدى فاس العالمي حول موضوع «الشباب وتحديات العولمة»، ولفت انتباه القاعة ورئيس الورشة الذي أدار نقاشها حسن المصدق الأستاذ الجامعي في فرنسا. تحدث الشاب الذي لم يبلغ بعد العشرين من عمره بثلاث لغات بشكل سليم هي الفرنسية والعربية والإنجليزية ليفهمه الحاضرون الذي جاءوا من القارات الأربع إلى فاس واستغرب لعدم دعم الغرب وأميركا بالخصوص للدول الفقيرة بالقارة السمراء بدل إسرائيل. وطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في المغرب، وعبر هذا الطالب عن رغبته في سمو الأخلاق داخل كلية فاس للعلوم، مضيفا أن من ضمن ما يحتاجه الطلبة أيضا القدوة الأخلاقية داخل الحرم الجامعي، قبل أن يضطر مسير الورشة لإيقافه. لكن التصفيقات عليه ربما عبرت عما لم يقله في القاعة.

وخلال الأيام الأربعة من عمر منتدى فاس العالمي الذي ينظمه كل سنة المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، تناول المشاركون في المحاور المخصصة للتغيرات السياسية في المغرب والعالم العربي فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية الأخيرة في كل من تونس والمغرب ومصر. ومن الواضح أن نتائج الإسلاميين في المغرب شغلت الناس خارج المغرب وداخله.

يهمنا البحث في اهتمام المغاربة بفوز الإسلاميين، كل فريق من جهة مقاربته للموضوع.

في أول يوم من أيام الحملة الانتخابية التي سبقت يوم التصويت بالمغرب في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، جمع حزب العدالة والتنمية مرشحيه في الدوائر المحلية وألقى أمامهم عبد الإله بن كيران الأمين العام خطابا متحررا من نبرة الإسلاميين بشكل فاجأ كل الصحافيين، حيث شدد على أن المرأة في حال فوز الإسلاميين ستكون أكثر تحررا، وأن الشواطئ، ستواصل استقبال المصطافين بشكل عادي ومألوف. وكان الرجل الأول في الحزب الإسلامي يرسل تطمينات إلى الهيئة الناخبة، وفي الوقت نفسه يبدد تخويف الخصوم السياسيين من العدالة والتنمية.

هناك من كان يخوف الناخبين من صعود الإسلاميين، ووصل التصدي لهم لدرجة إقامة تحالفات حزبية مسبقة يمينا ويسارا هدفها قطع الطريق على حزب العدالة والتنمية، بيد أن صناديق الاقتراع لم تخذل تطلعات مليون ونصف المليون من المغاربة الذين صوتوا لفائدة هذا الحزب الذي حصل بذلك في مبادرة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المغربية على 107 مقاعد نيابية.

تم تعيين عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة المغربية بناء على تصدر حزبه الانتخابات التشريعية ليوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) بفارق كبير عن الحزب الثاني. وفيما كان يتردد الحديث لدى المواطنين عن السياسة الحكومية المقبلة لحزب الإسلاميين في مجال تخليق الحياة الاجتماعية مثل إغلاق الحانات ومنع شرب الخمر، والمهرجانات الموسيقية التي تتعارض مع الذوق العام كما كان الحزب يقول أيام المعارضة، جاءت تصريحات رئيس الحكومة المغربية الإسلامي مخالفة لما كان يقال.

وقال قيادي في حزب العدالة والتنمية إن الحزب لن يفرض نظاما أخلاقيا متشددا، لكنه سيدعم الفنون التي تعكس التراث الثقافي المغربي. وقال محمد يتيم عضو الأمانة العامة للحزب: «نحن في العدالة والتنمية لا نبالي بالحياة الخاصة للأشخاص وليس من مهامنا التدخل لا في عقائد الناس ولا في تصرفاتهم».

وأضاف القيادي الإسلامي وهو أستاذ للدراسات الإسلامية أن «أولوياتنا هي تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة. لكن لا بد أن تكون للحكومة الجديدة سياسة في هذا المجال.. لكن لن تكون شرطة الأخلاق مثلا»، مفندا مخاوف من أن انتصار الحزب يمكن أن يؤدي إلى توتر على غرار ما حدث بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس.

قد تكون في فرض نظام أخلاقي متشدد عواقب على قطاع السياحة المغربي الذي يمثل عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل به نحو 450 ألف شخص. لكن محمد يتيم قال إن حزب العدالة والتنمية لن يجبر السياح على ارتداء الحجاب.

وقال: «فيما يخص الآداب العامة والأخلاق العامة والأماكن العامة هناك قوانين تنظمها. لكن لن نرغم النساء على ارتداء الحجاب لأن ديننا دين تسامح.. حتى الله سبحانه وتعالى يقول (لا إكراه في الدين) واستدل أيضا بقوله تعالى (لست عليهم بمصيطر).

وحسب إخوان بن كيران: «لن تكون هناك أبدا شرطة أخلاق ولن نمنع الناس من شرب الخمر لأن هذه مسائل تتعلق بالإيمان والقناعات الشخصية».

أمام هذه الاستدلالات التي يقدمها الإسلاميون، أشهر أمثال الطالب الجامعي في فاس ممن يطالبون بتطبيق الشرع، هذه الآية الكريمة: «ولتكن منكم أمة يدعون للخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». وهو ما يعكس تعطش الآلاف ممن صوتوا في الانتخابات التشريعية الماضية إلى رؤية حكومة إسلامية تدعو للخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وفي معرض تفسير الانقلاب الذي مارسه الإسلاميون في المغرب على مواقفهم بين عشية أيام المعارضة وضحى فوزهم بالانتخابات النيابية، قال مصدر في المجلس العلمي المحلي للرباط، فضل عدم الكشف عن اسمه وصفته: «عندما يكون الإنسان وحده، يمكن أن يقول كل شيء، لكن إذا تحمل المسؤولية يخضع للظروف والملابسات التي تحيطه في واقعه، وبالتالي، فالتغيير يكون بحسب ما تسمح به الظروف».

يقول الواعظ جمال السعيدي، عضو لجنة الإرشاد والتوجيه الفقهي بالمجلس العلمي المحلي للرباط: «لا نهتم بتصريحات السياسيين» وهذا ليس تهربا من الحديث في الموضوع»، موضحا أن دور المجالس العلمية المحلية في المغرب يقتصر على إرشاد السائلين نحو الخير.. «ونكتفي بتوضيح تحريم الخمر، وحتى عندما تأتي عندنا زوجة تشتكي إلينا تعاطي زوجها للخمر، لا يمكننا الحديث معها إلا بحضور الزوج، وإذا تبين أن هذا الزوج يقوم بباقي واجباته نحو أسرته، ننصح المشتكية بالصبر. ولا يمكننا الدخول في التفاصيل لأن ذلك يرجع إلى سلطة القضاة» أما من يمكنه الحديث في موضوع التصدي للخمر وحتى إصدار الفتاوى فهذا من تخصص المجلس الأعلى العلمي.

بكل تلقائية، وجد منتسبون وموظفون بالمجلس المناسبة للحديث من غير دعوة، وقال سعيد النقاش مفسرا سياسة حزب العدالة والتنمية في محاربة هذه الظاهرة، قائلا: إنهم سيمضون في هذا الاتجاه لكن بالتدرج. وقالوا إنهم لن يسمحوا بفتح حانات جديدة، ولن يقتحموا البيوت على الناس، متسائلا بشكل استنكاري: من فتح حانات الخمر في المغرب؟ ومن رخص لها؟ ويجيب: «إنهم مسلمون لكنهم خالفوا الشرع». ومن هذا المنطلق لا يمكن للحكومة الجديدة الترخيص بفتح المزيد من الحانات.

واستدل النقاش بأسلوب الرحمة عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما كان يطوف لنحو 13 سنة على 360 من أصنام قريش بمكة ولم يقم بهدمها، وفيما كان يدعو للكفار بالهداية كان ينشر التوعية والتوحيد إلى أن اقتنع بناة هذه الأصنام فكانوا هم أنفسهم من قام بهدمها.

لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهدم الأصنام في قلوب المشركين بأسلوب الرحمة، وليس بالفؤوس وقوة الحديد. ويرى سعيد النقاش أن من يفتح حانة للخمر يكون هدفه الربح المادي، لكن إذا رأى أن الزبائن لا تأتيه، وأنهم أصبحوا واعين بأضرار الخمر وإثمه، فإنه سيغلقها.

وربما هذه هي السبيل التي اختار الحزب الإسلامي الفائز في الانتخابات بالمغرب أن يسلكها في التعاطي مع هذه الظاهرة، أي بمحاولة ضربها في جذورها بأسلوب التوعية، مع صون حريات الأشخاص.

الناس بدورهم مختلفون في هذا الأمر وخاصة منهم أمثال الشباب والطالب الجامعي في فاس الذي تحدث عن تطبيق الشريعة، هؤلاء يرون وجوب فعل شيء ما ملموس ضد الظاهرة دون أن يحددوه هل هو شرطة أخلاق أم وعاظ في أبواب الحانات، ومنهم من يعتقد أن الأمر لا يعني بتاتا حكومة بنكيران في شيء، لأن شرب الخمر لا يختلف في رأيهم عن شرب الحليب على مائدة الغداء. ولا بد من الإشارة إلى أن أصحاب هذا الرأي قد ينحدرون من أوساط المجتمع الراقي أو المخملي المتأثر بالغرب أو الذي ورث عادات ثقافية من الاستعمار الفرنسي والإسباني.

يصعب الحديث إلى الندامى في وقت متأخر من الليل في موضوع الخمر، لكن من السهل أن تتحدث إلى من تسمح ملامحه بالحديث في مقهى «جور أي نوي» وتعني بالفرنسية مقهى «ليل ونهار» وهي حانة يحكى أنها قديمة جدا بحي حسان بالرباط منذ أيام الاستعمار الفرنسي.

هناك من يردد أن الحريات الشخصية خط أحمر بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية أو غيرها وهناك من يتضرع إلى الله أن يأتي الفرج والعفو من هذه البلية على يد حكومة بن كيران.

وحكومة بن كيران تعرف أكثر من غيرها أن قطع دابر أم الخبائث لن يحصل بسرعة وأنها اختارت الطريق الممكن لفعل ذلك من دون المساس بحريات الناس، ومن دون ترك الواجب الذي يمليه تحمل المسؤولية السياسية.