الربيع العربي وتحولات الإسلاميين

تنافس الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر ربما يجعل الصراع السياسي «إسلاميا ـ إسلاميا»

TT

ساعدت السياسة المنفتحة التي أفرزتها انتفاضات «الربيع العربي» على جعل مصطلح «إسلامي» ينطبق على نوعيات كثيرة من الشخصيات.. من الشبان المسلمين المعتدلين إلى المتشددين الذين يطلقون لحاهم ويهدفون إلى إقامة نظام حكم ديني متشدد. أجبرت التنوعات المختلفة داخل تيار الإسلام السياسي وسائل الإعلام العالمية على بدء استخدام مصطلحات لم تكن تألفها، مثل السلفيين، لإظهار الاتجاهات المتنوعة في النظم الديمقراطية الإسلامية التي بدأت تبزغ. بل ويجد كل محلل وصحافي محلي في الشرق الأوسط نفسه مشوشا بسبب كثرة الأسماء والصفات لوصف اتجاه كل حزب في طيف من الخيارات السياسية التي تتخذ مرجعية دينية في الأساس.

قال خالد صلاح، رئيس تحرير صحيفة «اليوم السابع» اليومية التي تصدر في القاهرة إنه «كثيرا ما كان الخط الفاصل بين التيارات الإسلامية المختلفة غير واضح، لدرجة أنه ليس هناك مصطلحات متفق عليها ظهرت». وأضاف: «من الصعب جدا حتى على المصريين فهم الفوارق بين الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الأخرى». وقال إبراهيم نجم، وهو مستشار لمفتي الديار المصرية، علي جمعة، إن الأحزاب الإسلامية اتفقت على ضرورة أن يكون للدين دور، لكنها لم تتفق على نقاط أخرى كثيرة منذ ذلك الحين. وقال: «من الخطأ وضعهم جميعا في سلة واحدة. تفسيراتهم وأدواتهم مختلفة اختلافا جذريا. مصطلح إسلاميين هو مصطلح فرنسي أكاديمي في الأساس لمناصري قيام الدين بدور سياسي، وكان مناسبا عندما كان يحكم المنطقة حكام عسكريون أو ملوك في نظم شمولية كانوا يسجنون معارضيهم الدينيين؛ كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي النموذج فيما يبدو على الرغم من أنها نظام ديني يحكمه مبدأ ولاية الفقيه، وهو نظام لا نظير له في الأنظمة حيث الأغلبية السنية، وهم الأكثر في الدول العربية ودول الشرق الأوسط».

منذ أن بدأت الانتفاضات المطالبة بالديمقراطية قبل عام شغل سياسي إسلامي منصب رئيس الوزراء في كل من تونس والمغرب. وفي مصر يتقدم حتى الآن الإسلاميون من حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور، الممثل للسلفيين، في نتائج انتخابات مجلس الشعب. وتتيح مصر أكبر دول العالم العربي سكانا أكبر تنوع في التيارات الإسلامية بالنسبة للمسلمين، الذين يريدون الحفاظ على هويتهم بطريقة ما في الخريطة السياسية الجديدة. ظهرت جماعة الإخوان المسلمين التي كان يستخدمها الرئيس المخلوع حسني مبارك كفزاعة لتبرير قانون الطوارئ، الذي ظل متمسكا به، باعتبارها الحركة الوسطية في البلاد. أسس هذه الجماعة عام 1928 حسن البنا باعتبارها حركة إسلامية تقوم بنشاط سياسي واجتماعي وحصل حزب الحرية والعدالة على نحو 40 في المائة من الأصوات حتى الآن في انتخابات مجلس الشعب التي تجرى على ثلاث مراحل، والتي من المقرر أن تنتهي في يناير (كانون الثاني).

يدعو زعماء الحزب إلى التحرك التدريجي نحو مجتمع له طابع إسلامي بدرجة أكبر، ويقولون للناخبين إنهم يريدون قدرا أكبر من الالتزام الأخلاقي في المجتمع، لكنهم لن يفرضوا الحجاب على المرأة أو يخيفوا السائحين الأجانب من خلال منع ارتداء ملابس السباحة واحتساء الخمور على الشواطئ المصرية.

فرق المحلل السياسي عبد الرحيم علي بين ثلاثة فصائل داخل جماعة الإخوان المسلمين ذاتها، تبعا لمدى تركيز كل منها على العمل الاجتماعي والديني أو التغيير السياسي المعتدل، أو التركيز بكثافة أكثر على إقامة دولة إسلامية.وقال إنه من الصعب على هذه الفصائل الظهور علانية لأن القيادة تتحكم تحكما شديدا.

يقف على جهة اليمين من «الإخوان» السلفيون الذين حققوا تقدما كبيرا حتى الآن وراء «الحرية والعدالة»، في أكبر مفاجأة في هذه الانتخابات البرلمانية. كان بعض زعماء السلفيين يقولون إن الديمقراطية منافية للإسلام، لكنهم سرعان ما انضموا إلى الانتخابات هذا العام.

يريدون تطبيق الشريعة والزي الإسلامي والتعاليم الإسلامية لتصبح أساس القوانين في البلاد قريبا، وإقامة نوع من النظام المحابي للمسلمين، بحيث يمنعون المسيحيين، الذين يمثلون نحو عشرة في المائة من السكان والنساء من تولي المناصب العليا.

وفي محاولة لتبديد مخاوف الناخبين، قال متحدث باسم حزب النور السلفي إن أي حكومة سلفية لن تدمر تراث التاريخ المصري كما فعلت حركة طالبان، من تدمير لتماثيل بوذا في أفغانستان عام 2001. وقال عبد المنعم الشحات إن مثل هذه الحكومة ستقدم بدلا من ذلك على تغطية بعض التماثيل بالشمع حتى يظل السائحون يزورون المتاحف المصرية، لكن مع عدم السماح بعرض تماثيل منافية للأخلاق.

أكثر الإسلاميين تشددا هم الجماعات التي تدعو لإقامة دولة إسلامية بالعنف. ومن هذه الجماعات الجماعة الإسلامية المحظورة، لكنها نبذت العنف منذ المشاركة في عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وشكلت حزبا، وخاضت الانتخابات.

ويقف إلى يسار جماعة الإخوان أعضاء سابقون في الجماعة يخوضون الانتخابات طبقا لأهداف أكثر اعتدالا. والحزب الرئيسي هنا هو حزب الوسط الذي انشق قياديوه عن الجماعة عام 1996، ودعوا إلى تفسير أكثر اعتدالا للإسلام يتوافق مع الآراء الديمقراطية الليبرالية.

عبر العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين، عبد المنعم أبو الفتوح، مؤخرا عن آرائه الليبرالية في إحدى المجلات. واستبعد أبو الفتوح من جماعة الإخوان المسلمين لأنه قرر خوض انتخابات الرئاسة، بعد أن قالت الجماعة إنها لن تقدم مرشحا. ولم ينفصل عن الجماعة بسبب أي انقسام آيديولوجي، على الرغم من أنه كان من الجناح الإصلاحي في الجماعة.

وبما أن العدل مفهوم أساسي في الإسلام، فإن أحزابا إسلامية تتخذ من كلمة العدل ومشتقاتها أسماء في مصر والمغرب، وكذلك في تركيا.

في مصر كان هذا مصدر جذب فوريا للكثير من الناخبين الذين نحوا على مبارك باللائمة في إحداث فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وبين النخبة الحاكمة والمواطنين العاديين.

كان اسم حركة النهضة الإسلامية في تونس هو حركة الاتجاه الإسلامي، قبل تغيير الاسم إلى النهضة عام 1989، لأن الدولة العلمانية كانت ترفض الأحزاب ذات الأساس الديني.

قال راشد الغنوشي، مؤسس حركة النهضة، ومنظر بارز للتيار الإسلامي المعتدل لـ«رويترز» في تونس الشهر الماضي، إن مصطلح «إسلامي» كان يعني بالنسبة للقارئ الغربي كل شيء من ديمقراطيين محافظين إلى متطرفين يتبنون العنف.

لكن عندما سئل عن توصيف أفضل لمن يؤيدون ما سماه «الإسلام التطبيقي»، قال بعد تفكير إنه يعتقد أن كلمة «مسلم» هي الوصف المناسب.