د. آمال مفتاح لـ«الشرق الأوسط»: الجمعية تسعى لترسيخ الإيمان عن طريق العلم

الجمعية العلمية في تونس.. آفاق رحبة تعوزها الإمكانات

د. آمال مفتاح («الشرق الأوسط»)
TT

تعمل الجمعية العلمية في تونس، التي ترأسها الدكتورة آمال مفتاح على إقامة «مجتمع العلم» الذي يتأسس على السؤال.. «قل هاتوا برهانكم». والسؤال ليس طرحا فلسفيا بل معرفي فـ«نصف العلم لا أدري» كما روي عن علي بن أبي طالب، بمعنى البحث الفردي والجماعي عن الجواب.

والجمعية العلمية تعمل على وضع العلم في محراب الإيمان «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين»، ويروى عن باسكال بليز قوله «علم بلا ضمير هلاك للروح». والجمعية تسعى أيضا إلى أن يكون طلب العلم «من المهد إلى اللحد»، قال تعالى «وقل ربّ زدني علما»، وينقل عن سقراط قوله «بداية الشيخوخة في الكف عن طلب العلم»، وذلك بهدف الوصول إلى المعرفة الحقيقية الجامعة عن طريق العلم، وهي معرفة الله «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم»، فـ«الاتساق البديع للشمس والكواكب المذنبات لا يمكن أن يكون إلا من صنيع قوة خارقة الإبداع» كما ثبت عن نيوتن. وهو ما يتفق مع ما قاله آينشتاين «كلما خامرني الشك سارعت إلى المختبر».

في هذا الإطار ولتحقيق هذه الأهداف تأسست الجمعية العلمية في تونس، التي كانت نواتها الأولى في القيروان. وقالت رئيسة الجمعية الدكتورة آمال مفتاح لـ«الشرق الأوسط» إن منبع الجمعية ومكان تأسيسها في القيروان، ولكنها بصدد تكوين فروع لها في مختلف أنحاء البلاد، ومن ثم الإشعاع على الخارج، ونحن نهدف من خلال المكان إلى إعادة الاعتبار للمدن العلمية في تاريخنا ولما كانت عليه من ريادة وصدارة ومن نهضة علمية في مختلف المجالات، وكانت الأندلس التي أصبحت بفضل الفتح الإسلامي ركيزة النهضة الأوروبية وحاملة العلم التجريبي العربي، ونظريات اليونان إلى الغرب، توفد طلبتها إلى القيروان للتتلمذ على علمائها ومن بينهم الحكيم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الجزار (898-979م).

وعن الحاجة لتأسيس جمعية علمية بهذا الشكل، أبرزت الدكتورة آمال أهمية الاهتمام بالجانب العلمي «في رقي الأمم، والقطع مع حالة الجهالة العلمية التي تكرست في الحقبة الماضية، والتي خلت من التحفيز العلمي، ونتج عن ذلك التخلف الذي تعيشه مجتمعاتنا»، وبينت الباحثة التونسية أن فكرة تأسيس الجمعية سبقت الثورة التونسية وكانت محاولة لتدارك حالة التصحر العلمي وعلى جميع المستويات في غياب حس وطني على مستوى الدولة والوزارات المعنية «هناك تصورات مليئة بالخرافات، وسلوكيات اجتماعية غير مبنية على أساس علمي أو منطقي، ورأينا ذلك في حالات كسوف الشمس وخسوف القمر، وكيف استغل البعض جهل الناس ليطلب منهم شراء اليوغرت (الزبادي) وإغلاق الأبواب وفعل الأهالي ذلك، لذلك من أهداف الجمعية التعريف بالظواهر الطبيعية وشرحها للناس علميا وتقديم الطريقة المثلى في التعاطي معها». وضربت الدكتورة آمال وهي متخصصة في الأم والطفل وتقنيات الحمل والولادة، أمثلة عن جهل الكثيرين بالأعراض وما يجب وما لا يجب في مراحل نمو الطفل، وهو أيضا من المجالات التي ستعمل الجمعية العلمية التي تضم عدة تخصصات علمية على خوضها وتثقيف الناس بها.

وانتقدت الدكتورة آمال مفتاح، تصرفات كثير من الناس في العطل، وفي أوقات الفراغ «كثير من المتعلمين ومن القادرين، يفضلون الذهاب في أوقات الفراغ إلى الفنادق وفي الصيف إلى البحر دون تخصيص وقت للقراءة والذهاب إلى النوادي والندوات والدورات العلمية»، وأضافت «يحز في أنفسنا أن مستوى الثقافة العلمية لدى شعبنا ضعيف جدا، ويمثل فراغا كبيرا في حياتنا وهذا ما تسعى الجمعية إلى ملئه».

ونفت المسؤولة الأولى عن الجمعية أن يكون هدفها النخبة فقط «هذه الجمعية لتثقيف الشعب علميا، حتى تكون تصرفاته وسلوكياته نافعة له وللمجتمع وليست مضرة، فكثير من الناس يؤذون أنفسهم ويؤذون غيرهم لجهلهم بما يعملون».

وطالبت الدكتورة آمال بضرورة التفرغ للعمل العلمي والجمعياتي، وأن تكون هناك مخصصات في ميزانيات الدولة لهذا الغرض. ومن مشاريع الجمعية «مرصد فلكي بصدد إعداد مشروع متكامل حول تكلفته وما يرجى من جلبه إلى تونس، إلى جانب تنظيم ملتقيات ومنتديات علمية، والقيام ببحوث ميدانية ومخيمات علمية، وتنظيم دورات تكوينية، واستضافة كفاءات علمية محلية ودولية، وتنظيم مسابقات علمية لتحقيق هدف الإسهام في نشر الثقافة العلمية بين الجمهور، وغرس روح البحث العلمي لدى الشباب، وتوعية الناشئة والشباب بالمخاطر البيئية المحدقة بالمحيط، والتعريف بالإنجازات العلمية الحديثة». وقد قامت الجمعية بملتقيات ومباريات علمية بين طلبة المدارس والمعاهد حازت على إعجاب المهتمين بالشأن العلمي والمربين والطلبة وأولياء الأمور. وكانت الأسئلة حول الفلك والأحياء والرياضيات. وتم تكريم الأوائل في الصفوف الثانوية.

وأعربت عن طموحات كبيرة «سقفنا عال جدا، ولدينا كفاءات عالية جدا بعضهم في (ناسا)، من بينهم محمد العياري مخترع منظار خاص بالأهلة، وهو بالمناسبة من القيروان، ولدينا باحثة توصلت للكشف عن مرض وراثي بالعين، وهي باحثة على مستوى عالمي، وغيرهم من المختصين في جميع المجالات وهؤلاء من الكفاءات التي سنعتمد عليها بعد الله في الجمعية». وحول وقوف اهتمامات الجمعية على الجوانب العلمية البحتة والصارمة مثل الفلك والطب والفيزياء، ولم تتعدها للعلوم الشرعية، والفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى قالت «المجال الديني البحت تركناه لجهات الاختصاص في هذا الميدان، إلا ما يتعلق بالبحث العلمي وأهداف الجمعية التي تسعى لترسيخ الإيمان عن طريق العلم». وكشفت الدكتورة آمال مفتاح عن مشاريع تهدف إلى تنمية التفكير العلمي لدى الطلبة بالتعاون مع وزارة التعليم والجهات ذات الاختصاص، ومن ذلك مشاريع تتعلق بالمعرفة الجيولوجية، وليس الفلك والرياضيات، والمعلوماتية، والطب فحسب.