العقل العربي في الواجهة

د. عائض القرني

TT

لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى وأبو لهب الهاشمي القرشي في النار وبلال بن رباح الحبشي في الجنة ولكن العرب نزلت الرسالة بلسانهم والرسول صلى الله عليه وسلم منهم في أرضهم جرت ثورة التوحيد وملحمة الفتوحات فكان العبء عليهم ثقيلا والمسؤولية كبيرة مقابل الفخر الذي حازوه والشرف الذي أدركوه بمبعث النبي العربي منهم ونزول القرآن العربي بلغتهم ولهذا قال تعالى: «وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون» أي شرف لك ولقومك ولكن المفارقة الغريبة أن تجد بعض العرب يحاربون هذا الشرف ويتنكرون للرسالة ويصدون عن سبيل الله ويتبعون كل ناعق ويبغونها عوجا فبعض زنادقتهم سخر من الدين وقدح في الملة واعترض على الشريعة بينما تجد الأعاجم في تركيا والهند وأفريقيا تسيل دموعهم عند سماع الحق وترخص دماؤهم في سبيل الله، فما لقومنا العرب لا يدخلون في الشرف العربي الوحيد الذي توجنا الله به برسالة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، يجب على العقل العربي أن يكون في مقدمة العقول المتدبرة لآيات التشريف ونصوص الوحي وهذا العقل العربي ينبغي أن ينتظر منه الناس اكتشاف أسرار الرسالة ومقاصد الإسلام وحِكم التشريع، هذا العقل العربي لم يُخلق للرواية الآثمة ولا للكتاب الإلحادي ولا للفكرة القومية الأرضية.. إنه عقل يجب أن يكون ربانيا سماويا لأن العرب قدموا للعالم أشرف إنسان وطئ الثرى وأتحفوا الدنيا بالخلفاء الراشدين وزينوا قائمة التاريخ برموز من أمثال خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو ومحمد بن القاسم، نحن العرب أشرقنا على العالم مع موعد من التاريخ وكأن الدهر ينتظرنا والأرض تشتاق لنا شوقها للغيث المدرار بعد جدب شديد، لما ذهبنا لنيودلهي ولكنو واسطنبول وأديس أبابا أخذنا نمدحهم لأنهم أكثر حفظا للقرآن منا وتعلما للسنة فقام خطباؤهم ورفضوا ما قلناه وقالوا: بل أنتم العرب الذين قدموا أعظم التضحيات وأجل الجهود لنشر الإسلام، أنتم العرب الذين امتطوا البحار، وطووا القفار، وساروا مسير الليل والنهار، حتى رفعوا لا إله إلا الله، أنتم العرب الذين صلّوا في السند وأذّنوا في قرطبة وسجدوا في بخارى وخطبوا في البنجاب ودرّسوا بطشقند واستُشهدوا عند سور الصين العظيم، فأنتم الأوائل أيها العرب وأنتم الرواد والأساتذة وأنتم سادة الركب وأنتم قادة القافلة، فسكتنا وسلمنا، نعم هذه حقيقة لا يمكن أن تُنكر ولكن لماذا نشأ في العرب جيل عاق يتنكر للمسجد والمصحف وزمزم وصحيح البخاري ويركب موجة ماركوس وجيفارا وعبد الناصر وميشال عفلق وغيرهم من المرتزقة المبتورين من تاريخ الأمة المحمدي، ومن رسالتها الربانية وميراثها المبارك للوحي، لماذا العربي بالذات، يصد عن الآيات البينات، إلى القصص الساقطات؟ لماذا العربي بالذات، يهجر صحيح البخاري ومسلم ليتّبع رسائل الباطنية ومؤلفات الماركسية وغثاء القومية العربية؟ لماذا العربي الأبي بعد أن ألبسه الله التاج ورصّعه بالأوسمة وأجلسه على منبر المجد وجعله في مقام الإمامة للعالم برسالة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؟ لماذا هذا العربي يخرج مارقا ماردا يرفض العزة ويأبى الريادة ويكره الكرامة ليكون تابعا لرموز إبليسية وأصناما شيطانيّة تأخذ مكان اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؟ أما آن لنا أن نصحوا؟ أما حان لنا أن نستيقظ؟ لماذا لا نفكر من نحن؟ وكيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ أما كنا مصدر التلقي في العالم؟ أما كنا قصة الإلهام في الدنيا؟ أما كنا أنشودة الكفاح في المعمورة؟ أما كنا مضرب المثل للبشرية في العدل والرحمة والصبر والصلاح والهمة؟ فهل لنا من عودة صادقة نحن العرب بالخصوص إلى مصدر رفعتنا وسر خلودنا ونقطة قوتنا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وأقول لجميع المسلمين: نحن العرب لسنا أفضل الناس ولا شعب الله المختار ولا تجري في عروقنا الدماء الزرقاء لكننا الصف الأول من تلاميذ الرسالة والرعيل المتقدم من خدّام الملة أرضا وإنسانا وتاريخا وجغرافيا ومآثر ونحن نريد أن نعود إلى المركز الأول.