قيادي إسلامي تونسي: ما نرجوه أن لا تبتلعنا السلطة.. وأن يظل مشروعنا الإصلاحي شاملا

الجلاصي قال لـ «الشرق الأوسط» إن 2011 كان عاما استثنائيا بكل المقاييس.. و2012 بداية جديدة لنهضة البلاد

صحافيون تونسيون يتظاهرون أمام مقر رئيس الوزراء للمطالبة بمزيد من حريات التعبير (أ.ب)
TT

أوضح القيادي البارز في حزب حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، أن هوية التونسيين إسلامية عربية «تشكلت منذ عدة قرون، وهي نسيج يسهل نقده، ولكن يستحيل نقضه». وأنه «يمكن إدخال أفكار كثيرة، وإصلاحات كثيرة، ولكن على قاعدة الدين الإسلامي». وعاب الجلاصي في حوار حصري مع «الشرق الأوسط» عمل بعض النخب على «تشويه الدين أو نفي منفعته أو محاولة إبعاده من الحياة العامة، ولكن محاولاتها فشلت»، وقال إن «الدين سيكون له موقعه الأساسي في حياة التونسيين دائما وأبدا».

وأكد أن «رؤية التونسيين للدين، هي رؤية منفتحة، رؤية تجديدية. والثقة التي منحها التونسيون لحزب حركة النهضة نابعة من أن مشروعها الإصلاحي يستند إلى مقاربة تجديدية اجتهادية تدمج ما هو أصيل، ومن ثوابت الدين، مع أفكار عصرنا، ومنها الفهم الجديد للديمقراطية. والحاجة الماسة للروحانيات في وضع مادي قاس، وهذه هي المواءمة بين الأصل والعصر. ونتصور أن هذا المشروع يلقى توافقا بين التونسيين، دون إفراط أو تفريط، دون جحود أو تطرف، دون غلو أو انسلاخ».

وحول تقييمه لعام 2011 واستشرافه للمستقبل قال: «2011 كان عاما استثنائيا بكل المقاييس، تونسيا، وعربيا، وإسلاميا، بل ودوليا، ففي تونس أسقطت الثورة أسطورة ووهم بن علي، الذي ظنه البعض قدر التونسيين، إلى حدود 2014 بل إلى عام 2019، وكان بديهيا لدى البعض أن تونس ليس لها من خيار سوى التمديد والتوريث، ولكن ثورة 14 يناير (كانون الثاني) جاءت لتصنع التحول الكبير في تونس، لتصنع استقلالها وتصنع جمهوريتها، ولتحرر المجتمع، وتحرر الدولة، وتحرر الحياة السياسية وبثت فيها الحياة بعد أن قبرها بن علي».

وعلى الصعيد الإقليمي «كان هناك من يظن أن الساحة الإسلامية مستثناة من نعمة الديمقراطية ونعمة الحرية والتعدد والتداول، ولكن مسار ونبض الثورات التي تلت الثورة التونسية تجعلنا نقبر هذا الاستثناء وتجعل أمتنا تصنع موقعها تحت الشمس».

أما على الصعيد الدولي فـ«أهم التحولات الاستراتيجية التي تلت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) هي التي شهدها عام 2011، ومنها سقوط بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وتشهد بداية نهاية حكام آخرين في اليمن وسوريا، وبداية تحولات جذرية في المنطقة».

وأعرب عن أمله في أن يكون عام 2012 بداية جديدة، وأن «يتواصل هذا الزخم، وأن تنجح التجربة الديمقراطية في تونس، لا سيما في مجال التنمية والعدالة الاجتماعية، وإعادة الكرامة. وأن تنجح الثورة المصرية في رسم مسارها السياسي والوصول إلى أوضاع مستقرة سياسيا ودستوريا وقانونيا»، وأن «يتضح المسار الليبي، وأرجو النجاح للثورتين اليمنية والسورية، كما نرجو النجاح للمسار الإصلاحي والديمقراطي في بقية الدول العربية».

وبدا الجلاصي متفائلا «بالمسار السياسي في المغرب الأقصى، وفي الجزائر ودول الخليج أيضا. وذلك بإرادة ومصالحة بين الحاكم والجماهير»، مشيرا إلى أن «دروس 2011 علمتنا أنه إذا كانت النخب الحاكمة غير مستجيبة للتطلعات العميقة للجماهير في الحرية والكرامة وفي حياة سياسية مناسبة، وعدالة اجتماعية مناسبة، فإن الشعوب تكتم غيظها ثم تفجره في شكل ثورة».

وتابع: «عام 2011 فتح آفاقا واسعة للتاريخ، وهذا يبدأ من عام 2012 الذي سيكون صعبا ولكنه ينبئ بقدرتنا على التقدم خطوات جدية وملموسة على صعيد تحقيق وحدتنا العربية».

وحول رؤيته للتحديات الداخلية والخارجية أوضح الجلاصي: «نحن في مسار انتقالي لا يمكننا الاطمئنان عليه إلا بعد مرور بين 10 و15 عاما، عندها يمكننا القول إننا وصلنا إلى أوضاع مستقرة على كافة الأصعدة». وشرح كيف أن «هناك قوى الثورة المضادة.. ولذلك يجب مواصلة العمل بيقظة كبيرة. يجب أن نكون حريصين على الحياة السياسية، من الإرباكات من قوى الثورة المضادة، وهناك أناس يخالون أنهم يحسنون صنعا، في حين أنه يصدق عليهم قول: (يفقأ عينيه بإصبعه)». وأردف قائلا: «هناك مخاطر أمنية.. نعم، هناك مخاطر الإرباك السياسي، بسبب الحسابات السياسية الضيقة، خصوصا أننا مقبلون على انتخابات جديدة. هناك صعوبات في تمويل الخيارات الاقتصادية، إذ إن البرامج جيدة ومناسبة، ولكنها تحتاج إلى تمويل، وتفاعل من شركائنا ومن المستثمرين. وهنا تأتي أهمية المحافظة على الاستقرار، وتنمية رأس المال الوطني. نعمل على النجاح وتحدونا في ذلك روح التفاؤل».

وبخصوص محاولات إرباك الحكومة قال: «أعتقد أن البناء السياسي يجب أن يرافقه التحلي بقدر من الصبر، حالة الفراغ السياسي هي التي تجعل هذه الاعتصامات ترتبك. هناك اعتصامات لها مبررات اجتماعية، ونعرف أن هناك اعتصامات وراءها دوافع إجرامية في بعض الأحيان، ودوافع سياسية وحزبية بالمعنى الضيق، والجماهير قلقة ومنزعجة من الاعتصامات ومن إيقاف الإنتاج».

وواصل قائلا: «أعتبر أن الأمن واستعادة الاستقرار والإمساك بالأوضاع في البلاد.. تنمي عجلة الإنتاج، وتجعل التونسيين يتقدمون على مسار البناء السياسي، وصياغة دستور يليق بالجمهورية الثانية للتونسيين، في إطار مشروع حضاري».

وحول انتقال حركة النهضة من الجماعة إلى الحزب، ومن المعارضة إلى السلطة، مرورا بسنوات من العذابات والتضحيات والملاحم، وما إذا كان الوضع الحالي لحزب حركة النهضة، سينسيها دورها الثقافي والدعوي الذي كانت تقوم به في الماضي، أفاد «أهم شيء يجب الحفاظ عليه، هو الشمول لمشروع الإصلاح، أي حياة سياسية عميقة وحقيقية يجب أن ترتكز على منطلقات ثقافية قوية. هذه قوة مشروعنا، ولا شك أن للسلطة إغراءاتها ومنزلقاتها، ما نرجوه هو أن لا تبتلعنا السلطة، ونرجو أن نكون قريبين من المواطن، وأن يظل مشروعنا الإصلاحي شاملا، في بعده الثقافي والتربوي والسياسي».

وحول ترسبات الاحتلال الاستدماري، وما أعقبه من محاولات هي امتداد لسياسة تنميط المجتمع قسرا، شدد الجلاصي على أن «التاريخ حقيقة، لا يمكن لأحد أن يتنصل منها، ولا شك بأن هناك سلبيات كثيرة، ومصائب كبيرة تحيق بالشعوب التي تبتلى بالاحتلال، لا سيما إذا كان شاملا واستيطانيا كما عمل الاحتلال الفرنسي، وربما كان في المحنة بعض المنحة. وحزب حركة النهضة منفتح على الحضارات وعلى الثقافات وكذلك اللغات، ولكن ليس من منطلق التبعية وإنما الندية والمساواة. كل ما راكمه شعبنا في تاريخه الطويل، نهضمه ونوظفه لصالح الشعب والبلاد». وأضاف: «سنعمل أكثر على تكريس هوية بلادنا وشعبنا، ونستفيد مما كان في (الحداثة) القسرية التي فرضت علينا لما يناهز 100 عام، إذا كان هناك ما يستفاد منه. لكننا نظل مسلمين، عربا وتونسيين، متجذرين في هويتنا الإسلامية العربية، ومنفتحين على الآخرين في إطار مفهومنا التجديدي».

وعما إذا كانت الحكومة تتعرض لمحاولة احتواء خارجي، أوضح الجلاصي أن الشعب التونسي حريص على استقلاله، وأضاف: «نرجو أن تكون الأطراف الخارجية، قد استفادت من طريقة التعامل مع الاستبداد والديكتاتورية.. بعض القوى دعمت بن علي وساندته وبقيت معه حتى آخر لحظة، والشعوب لا تنسى. والشعوب يمكن أن تكون لها ردود فعل قوية، ونرجو أن يكون شركاؤنا قد تعلموا الدرس. وأن يقتنعوا بأن الديمقراطية ليست حكرا على أوروبا فقط، بل هي نعمة مشاع للجميع. ونأمل أن تكون العلاقات بين الدول في المستقبل تتجه نحو أقدار من التوازن، ومراعاة المصالح المشتركة. ونحن لن نقبل بأن تكون هناك وصاية على تونس، المعترف باستقلالها منذ 1956، وهي اليوم تستكمل استقلالها وهي منفتحة على الجميع. وشركاؤنا يتعاملون مع التونسيين كما هم، ويتعاملون مع الثورة كما هي، ومع إفرازات نتائج الانتخابات كما هي، رغم التصريحات المتشنجة التي تنم عن حنين لفترة الاحتلال وما أعقبه من ديكتاتورية. ونلاحظ أن السياسة الخارجية الدولية تتجه نحو أقدار من التوازن (تونس) ونحن ننتظر زيارة وزير الخارجية الفرنسي في الأيام القليلة المقبلة».

أما عن فزع النخب من التحول الديمقراطي في تونس، وكيفية تفهمه، فأجاب قائلا: «نعتبر أن قيمة رجال السياسة في قدرتهم على النقد الذاتي. وللأسف أن بعض النخب لا تزال تعتمد أساليب التهويل والتشويه، ولم يكسبوا من هذا الأسلوب ولم يجنوا منه سوى الهزيمة تلو الهزيمة. وهي هزيمة لا تتوقف عند الأداء بل هي هزيمة عقلية».

ورد «النهضة» على ذلك - كما يصوغه الجلاصي - هو: «سننصرف للعمل، ولتحقيق الإنجازات.. من يمارسون التشويه وتعطيل عجلة الاقتصاد ونشر الإشاعات لن يضروا (النهضة)، ولن يضروا تونس، وإنما سيضرون أنفسهم، إذ إن (سياسة اكذب اكذب حتى يصدقك الناس) استراتيجية فاشلة أخلاقيا أولا وسياسيا ثانيا. وإذا كان بالإمكان للكذب أن ينجح في مناخات التعتيم واحتكار وسائل الإعلام، فإنه فاشل في عصر السماوات المفتوحة، والإعلام البديل، قليل التكلفة. وبالنسبة لأدائنا الإعلامي نلاحظ نقصا في الكم. مع الإشارة إلى أن عدم ردنا على بعض ما يقال سياسة نتبعها، وقد أثبتت نجاحها حتى الآن. السجالات ليست من أولوياتنا الوطنية، ونحن نغلب الأولويات على غيرها من القضايا».